منذ ابتدعها معاوية بن أبي سفيان وسنها بدعة توارثها من أتوا بعده من حكام العرب والمسلمين بتوريث الحكم واختزاله في أسرة ملكية حاكمة استهل بذلك تاريخ طويل وفصول مظلمة من الإستبداد السياسي والتفرد بالحكم الذي يعاني منه العرب والمسلمين حتى اليوم وحول بخطوته تلك نظام الحكم من خلافة اسلامية شوروية إلى ملك وراثي عضوض .ولكي نثري هذا الموضوع الشائك أكثر لابد لنا من وقفة مستفيضة مع مفهوم الإستبداد السياسي وطبيعته وتعريفه ومعناه وتاريخه. فهو أي الإستبداد على سبيل المثال لا الحصر بحسب ماذكره مفكر وباحث اسلامي معاصر هو الدكتور عبد الرحيم بن صمايل السلمي نقلا عن طائفة من علماء المسلمين الكبار ومفكري الأمة فإنه يعني : « الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره «. وبإتساق آراء المهتمين بهذا الجانب من تاريخ الأمة الإسلامية السياسي فقد أكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك. ويقول هؤلاء : « إن ادارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوان والطغيان «. ووفقا لهذا اليقين والتأكيد فإن الاستيلاء والسيطرة على أمر الأمة دون رضى منها قد فتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان وهو ما يسمى اصطلاحا» الاستبداد السياسي». ومفكري الأمة يؤكدون ويجمعون على ان الحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم. وفي ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا «. وجاء في زيادة:لمقولة عمر هذه «إنه لا خلافة إلا عن مشورة»واجمالا يمكن القول : إنالاستبداد السياسي هو التغلب والاستفراد بالسلطة، والسيطرة التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة و رضى من الناس «. بيد أن الاستبداد يعتبر جزء من الطغيان وليس مرادفا له، فقد يكون المستبد طاغياً وظالماً، وقد يكون عادلاً مجتهداً في الإصلاح بحسب بعض الآراء .وقد عرفت الأمة الإسلامية الاستبداد السياسي في وقت مبكر، وذلك عقب استيلاء معاوية بن أبي سفيان على الخلافة الإسلامية وتحويل نظامها إلى حكم ملكي وراثي، وعهده بالخلافة من بعده لابنه يزيد، ونقلت المصادر التاريخيةعن معاوية قوله « من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه». وكانت هذه البداية في تحويل الحكم من الشورى إلى الوراثة، وهذا ما لم يكن معهوداً في زمن الخلفاء الراشدين الذين يعتبرون النموذج التطبيقي للفكر السياسي الإسلامي. وبتلك البدعة التي ابتدعها معاوية جرى انتزاع حق الأمة في تولية الأصلح بطريقة جماعية شوريّة إلى تولية الأبناء والذرية حتى ولو كانت تنقصهم الكفاءة وفي الأمة من هو أصلح منهم. وهذا الإستبداد والإنفراد في تولية الخلفاء والحكام قد فتح على الأمة الإسلامية باب شر عظيم لا زال يضعفها حتى وصلت إلى الحالة المزرية الآن، واستحكام الاستبداد فيها، وتولي الأشرار لأمرها، وإضعاف دور شعوبها مما سبب ضعفها أمام الأمم الأخرى. وحين اقدم معاوية على القيام بتلك الخطوة المخالفة لمبدئ الشورى الذي أكد عليه الإسلام وحث عليه كان للكثير من الصحابة موقفهم المناهض والرافض لهذه الظاهرة الغريبة التي جاء بها معاوية والتي أفضت إلى الطغيان ً وقد أنكروا على معاوية ذلك ومنهم عبد الرحمن بن أبي بكر الذي يقال أنه قطع خطبة معاوية وقال له: «إنك والله لوددت أنا وكّلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم خرج». ولما قال مروان ابن الحكم في بيعة يزيد:»سنة «أبي بكر» الراشدة المهدية « رد عليه عبد الرحمن ابن أبي بكر قائلا: «ليس بسنة «أبي بكر وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى انه إلى ذلك أهل ولكنها هرقلية». ولما كلم معاوية عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أمر استخلاف ابنه يزيد قال له ابن عمر :» إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يرو في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم» . ***** يتبع ****