قد أكدت مأساة كربلاء وجريمة قتل العشرات من آل بيت رسول الله فيها في ما يشبه المذبحة الجماعية من قبل الأمويين خصومهم السياسيين الألداء إصرار الحاكم العربي المسلم في تلك الآونة ممثلا بشخص يزيد بن معاوية على ممارسة الاستبداد وتجسيده بأقبح صوره وأشكاله في إقصاء خصومه السياسيين والتخلص منهم في معركة غير عادلة ولا متكافئة أسست لما بعدها من شقاق وخصومة وقطيعة بين الحاكم والمحكوم في العالم العربي والإسلامي استمرت إلى اليوم بل وأخذت كنوع من العلاقة بين الجانبين أكثر من بعد ودخلت هذه العلاقة أطوارا ومراحل عدة أكسبتها مزيداً من التنافر والتصادم والتأزم المستمر مع فقدان الثقة والمصداقية بين أطرافها المتنازعين دوما على الأمر ومغانمه ومكاسبه!. وخلال فترة حكم الدولة الأموية التي أسسها معاوية بن أبي سفيان واستمرت تسعة عقود من الزمن جرى تصفية العديد من المنافسين والخصوم السياسيين والأعداء الألداء للأمويين والتخلص منهم بطرق وأساليب مختلفة الكثير منها يندرج ضمن ما يعرف اليوم باسم «جرائم الحرب» . وقد مكنت الظروف والأحوال السائدة وطبيعة الحكم والتركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع العربي والإسلامي آنذاك بني أمية وأتباعهم ومواليهم الذين برزوا على سطح الأحداث حينها ومن أشهرهم ابن هبيرة والحجاج بن يوسف الثقفي والمهلب بن أبي صفرة الأزدي وغيرهم من الفتك والبطش بالمعارضين والمنافسين للأمويين على الحكم والخلافة والتخلص منهم واحدا تلو الآخر في ظروف وحوادث متفرقة جعلت أولئك المستبدين من الحكام يشعرون بنوع من الغرور والنشوة وتأخذهم عزة ولحظة الانتصار والغلبة الآنية إلى مدى بعيد جعلهم أكثر توحشا وبغيا واستبدادا .بل إن هؤلاء الحكام المستبدين من بني أمية وهم فرع من فروع قريش التي ينتمي إليها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يراعوا حقا ولا إلا ولا ذمة لبني عمومتهم ومن تربطهم بهم صلة رحم وقرابة كالطالبين العلويين الهاشميين من أبناء الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وولديه الحسن والحسين وأعقابهما والزبيريين عبدالله ومصعب ولدي الزبير بن العوام وغيرهم من القرشيين الذين كانت لهم دعاوى ومنافسة للأمويين على الحكم وحق الخلافة . ولم يتردد بنو أمية عن التخلص من منافسيهم ومعارضيهم سواء كانوا قرشيين تجمعهم بهم صلة رحم ونسب أو كانوا من خارج قريش كاليمنيين القحطانيين الذين استخدمهم الأمويون كأداة من أدوات الصراع وحربهم الطويلة من أجل الحكم والسيادة وأقنعوهم بأن يخوضوا بمعيتهم حربا بالوكالة ضد منافسي بني أمية من بيوتات قريش الأخرى ..ولم تكن حادثة كربلاء الشهيرة الوحيدة والأخيرة في سلسلة جرائم الحكام المستبدين من بني أمية بحق خصومهم السياسيين ومنافسيهم من أبناء عمومتهم وأصهارهم من الهاشميين فقد أعقبتها جرائم وحوادث مماثلة تخلصوا من خلالها من عدد كبير من الخصوم والأعداء والمعارضين لهم في ظروف ومراحل مختلفة جسدوا بها نزعتهم التسلطية وحب الأنا والاستبداد بلا تورع ولا تقى، وسطروا بها صفحات سوداء من التاريخ العربي الملطخ بدماء الضحايا والحافل بالكثير من الأضداد والمتناقضات التي لاتحصى !. وبعد عهد يزيد وبغيه وجوره الذي شهد فاجعة استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه ومعه العشرات من آل بيت النبي الكريم يؤول الأمر إلى المروانيين على أيدي مروان بن الحكم الذي جرى تنصيبه خليفة للمسلمين ولم يطل عهده في الحكم ليتسلم الأمر ويتقلده من بعده ولده عبد الملك بن مروان والذي عرف واشتهر بالذكاء والدهاء والحزم ورجاحة العقل وحسن التصرف والتدبير وهي مؤهلات مكنته من تثبيت العرش الأموي وتقوية نفوذه وسلطانه كحاكم فردي مطلق وجعلته يظفر بخصومه ومنافسيه الأشداء على كرسي الخلافة كعبدالله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة على الحجاز ومصر واليمن وأجزاء أخرى من ارض الخلافة آنذاك وشقيقه مصعب بن الزبير الذي استفرد واستقل بالعراق ومع ذلك تمكن الحاكم الأموي القوي عبدالملك بن مروان من التخلص من هؤلاء الخصوم والمنافسين الأقوياء وقمع في بضع سنين معظم حركات التمرد على الحكم الأموي حتى خلص الأمر له وحده بعد قتل عبدالله بن الزبير على يد الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حاصره بمكة التي تحصن بها ثم قتله وصلبه وبعد ذلك قتل شقيقه مصعب على أيدي المروانيين وتعزز سلطانهم وازداد قوة ورسوخا ودانت لهم بالطاعة بلدان وأقاليم كثيرا ماصدعت رؤوسهم لسنوات كالعراق والحجاز واليمن وغيرها !. وبرغم الشدة والقسوة التي لجأ إليها الحكام الأمويون في الفتك بمعارضيهم والتخلص منهم بضربات استباقية قاتلة وقاضية كما حدث مع الإمام الحسين وولدي الزبير بن العوام وغيرهم إلا ان المعارضة والخروج على حكم بني أمية لم ينته حيث خرج عليهم بسبب الظلم وإمعانهم في الجور والاستبداد عدد من الثائرين عليهم من العلويين وأنصارهم هنا وهناك وكالعادة لم يتردد الحاكم الأموي في عاصمته دمشق آنذاك عن اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للبطش والفتك بمن خرجوا عليه وتم قتلهم وتصفيتهم بدم بارد في حوادث ووقائع مختلفة تحدث عنها التاريخ بإسهاب!. ******* يتبع ******