ويأخذ على قريش كما سبق وأشرنا ممثلة برموزها وممثليها في مؤتمر سقيفة بني ساعدة بيثرب عقب وفاة الرسول الكريم وانتقاله إلى الرفيق الأعلى اقدامها على حصر الأمر والولاية فيها واستبعاد الأنصار اليمنيين من قامت على اكتافهم وسواعدهم دولة الإسلام وحضارته من الأمر وعدم اشراكهم فيه والإدعاء ان الأمر والولاية حق خالص لقريش وقد كان لهذا التصرف والفعل من قريش تبعاته وتداعياته ونتائجه الخطيرة ومنها ظهور بوادر الانشقاق والاختلاف وصنع تاريخ ومراحل من الاستبداد السياسي استمر الى هذه اللحظة المعاشة! ولا أحسب واحدًا من رموز الإستبداد المعروفين بأسمائهم وصفاتهم في تاريخنا العربي والإسلامي تحديدا قد تورع وعدل عن غيه وبغيه واستبداده ومروقه عن الحق وتأكيده ذلك بإصراره على الإنفراد بالأمر وتكريس وتعزيز تسلطه على رقاب أبناء الأمة إلى الحد الذي لايطاق ولا يحتمل !. بل إن هذا الحاكم المستبد قد وجد على مر التاريخ بطانة سوء ومنافقين مصلحيين يزينون له استبداده وجوره وعسفه وبطشه بالرعية ويباركون مظالمه ومفاسده ومساوئ نظام حكمه ويبالغون في تبرير أخطائه وأهوائه التي تتنافى مع حقوق المحكومين وتجافيها تماما. وأمام شهوة الملك والسلطان ونزواته أقدم العديد من المستبدين العرب والمسلمين في مراحل كثيرة من تاريخنا الملطخ بالدم على ارتكاب العديد من الجرائم بحق عدد من معارضيهم ومنافسيهم وخصومهم السياسيين وقتلهم وتصفيتهم والتخلص منهم بدم بارد. وهناك حوادث كثيرة من هذا القبيل تحدث عنها المؤرخون والمدونون لهذا التاريخ المظلم وافرد لها صفحاته وسجلاته ليتحدث عنها بمرارة وأسى كبيرين. فمنذ ان جعلها معاوية بن أبي سفيان مملكة وراثية قيصرية بعد ان كانت خلافة راشدة إسلامية شوروية بدأت واستهلت عهود من الاستبداد والتآمرات وشرعن المستبدون جرائم قتل الخصوم السياسيين والمعارضين بأساليب عدة قذرة وفظيعة واستمرت هذه الأفعال والممارسات اللامشروعة إلى اليوم لتدخل الأمة بهذا الاستبداد اللامتناهي دوامة كبيرة وأتون صراع مرير ودامٍ بدأ قبل آلاف السنين واستمر إلى اليوم بوتائر عالية ودرجات متفاوتة وله ضحايا لا حصر لهم من أبناء الأمة المتنازعين على الأمر. فما إن تمكن معاوية من الإمساك بمقاليد الأمور والاستيلاء على الحكم بالإحتيال واستعمال الدهاء والخداع والمكر الذي برع فيه وتميز به كواحد من دهاة العرب الكبار المعروفين حتى بادر وسارع إلى التخلص من المعارضين والمنافسين والخصوم السياسيين واحدا تلو الآخر . فهذا الخصم والمعارض مثلا غرر وأوعز لمن يدس له السم كما فعل مع الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد تناقلت بعض المصادر التاريخية رواية قيام معاوية بالإيعاز إلى إحدى زوجات الحسن بدس السم له وقيل أنه أغراها بأن يزوجها بابنه يزيد ويعطيها أموالاً كثيرة تجعلها من الأثرياء إن هي نفذت ذلك . كما تخلص معاوية بنفس الحيلة والطريقة من مالك الأشتر والي مصر المعين من قبل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكان من رجاله الأقوياء حيث استغل معاوية حب الرجل للعسل فأوعز إلى من يدس له السم الناقع فيه ليعجل به إلى الدار الآخرة ويتخلص بذلك من رجل طالما أعياه وصدع رأسه وكان يستشعر من جانبه بخطر عظيم على ملكه.وعندما علم معاوية بموت بن الأشتر مسموما قال عبارته الشهيرة تهكما وتأكيدا على مسؤوليته المباشرة في حادث الاغتيال السياسي هذا : « إن لله جنودا من عسل «!. كما ان خروج معاوية على نظام حكم الخلافة الراشدة قبل أكثر من 1400 سنة وتحويله إلى نظام حكم جبري ملكي وراثي مستبد قد فتح الباب على مصراعيه لاندلاع حروب وتفجر صراعات بين أبناء الأمة الواحدة وجعلهم يخوضون معارك جانبية ضد بعضهم البعض استمرت إلى يومنا هذا . وقد شجعت تلك الخطوات للإنفراد بالأمر والاستبداد به منذ ذلك الحين من قبل الطامعين والحالمين بالسلطة للمضي قدما في شق عصا الطاعة واغتصاب حكم الأمة على غير شورى ورضى منها وفتح على هذه الأمة وأبنائها أبوابا من الشرور لم توصد إلى اليوم جالبا عليها من الخسران المبين جيلا بعد جيل مالم يكن في الحسبان !.. والغريب أن الكثير من المستبدين العرب والمسلمين قد ساروا من بعد إمامهم وقدوتهم وملهمهم معاوية على نهجه ودربه وعملوا بسنة ابتدعها الرجل حتى خلص الأمر له. فابنه يزيد لم يتورع أو يرعوِ عن قتل العشرات من آل بيت رسول الله بينهم رجال وأطفال ونساء وشيوخ على رأسهم الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مذبحة وفاجعة كربلاء الشهيرة سيئة الذكر والصيت بالعراق في يوم دامٍ فاجع مخزٍ من أيام العرب وتعمد التمثيل بجثث ضحاياه وإهانة آدميتهم وإنسانيتهم في سابقة لم يقدم على فعلها أحد من طواغيت الأرض غير مراع لحقوق القرابة والدم والدين. ولن يغفر التاريخ ليزيد هذا الذي اشتهر بمعاقرة الخمر والفسق والطغيان والإفراط في اللهو والملذات ومجافاة ومخالفة أحكام الدين ومبادئه بمثل هكذا أفعال ما ارتكبه من جرم بحق آل بيت رسول الله وأهل بيته في يوم كربلاء !. ***** يتبع ******