بعد استتاب الأمر للأمويين وتمكنهم من فرض سيطرتهم على الأوضاع في دولة الخلافة الإسلامية المترامية الأطراف التي حولها معاوية بن أبي سفيان إلى ملكية وراثية بعد قمع الكثير من حركات التمرد المناوئة لحكم الأمويين سواء من قبل العلويين الهاشميين من ذرية الإمام علي بن أبي طالب وآخرين من القرشيين المنافسين لهم ومن لهم دعاوى ومطامح في الحكم من خارج قريش وتمكن الدولة الأموية من القضاء على كل هؤلاء المعارضين والمناوئين والخصوم السياسيين بعد مناوشات ومواجهات معهم لاسيما في عهد عبد الملك بن مروان والعهود التي تلته إلا أن الأمر لم يسلم من المنغصات والتصديع لرأس الحاكم الأموي في دمشق بخروج بعض الخارجين هنا وهناك واعلان تمردات على حكم الأمويين من قبل جماعات وأفراد عبروا عن سخطهم واستيائهم ورفضهم لبعض الممارسات لرجال الحكم الأموي وقد واجهها كالعادة بكل حزم وقوة. ومن أبرز الحركات الثورية المناوئة لحكم بني أمية حركة الخوارج التي استمرت لسنوات وتم مواجهتها من قبل الأمويين بكل شدة وصرامة وقسوة وقد سيرت الدولة الأموية الجيوش والحملات العسكرية المتتابعة لملاحقة الخوارج والفتك بهم حيث وجدوا، ولم تتساهل وتتردد في محاربتهم وكان العراق من ابرز ساحات المواجهة بين الجانبين في تلك المرحلة وكان الغلبة فيها في النهاية للأمويين. وفي عهد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك الذي استمر في الحكم عشرين عاما تجدد خروج العلويين على حكم بني أمية وجورهم حيث أعلن الإمام زيد بن علي الثورة والخروج على الأمويين وبيَّن للأمة اسباب خروجه وثورته عليهم ولخصها بتماديهم في الظلم والبطش بالناس ومخالفة نهج الإسلام وأحكامه في الكثير من الجوانب والمسائل. وقد ألتف حول الإمام زيد وثورته عدد من الناس واستجاب لدعوته في البداية الكثيرون الذين كاتبوه وعاهدوه على النصرة والثبات لكنهم سرعان ما خذلوه وتخلوا عنه ليجد نفسه وحيدا ومع أقلية من الأنصار في ساحة المواجهة مع خصومه الأمويين في معركة غير متكافئة كانت الكفة الراجحة فيها للأمويين بفعل تفوقهم العسكري والفارق الكبير في القوى وهو ما سهل على الأمويين بالتالي المهمة للاستفراد بالإمام زيد بن علي رضي الله عنه والقضاء على ثورته في معركة خاطفة وسريعة. وانتهت ثورة الإمام زيد بقتله والتمثيل بجيشه وصلبه بعد استخراج جثته من قبره بالعراق ليؤكد الحكام من بني أمية بسلوك شاذ كهذا التوحش والإيغال في العداوة والخصومة والقطيعة مع المعارضين لسلطان بني أمية ونظام حكمهم الملكي الوراثي وتكريس وتعزيز الفجوة والجفاء وانعدام الثقة وتأزم العلاقة بين الحكام والمحكومين في العالم العربي والإسلامي في فترات قريبة من عهد التألق والإشراق ومجد وحضارة أمة الإسلام ودولته العظيمة التي خلفت امبراطوريتي الفرس والروم في سيادة الدنيا وحكم العالم. وكعادة المستبدين وديدنهم دوما لم يكن الأمويون ليقبلوا بالمهادنة والقبول باستيعاب الثائرين والخارجين على حكمهم، ودفعهم الاغترار بالقوة مع ما أخذهم من عزة بالإثم إلى عدم الاستماع والإصغاء إليهم وتلبية متطلباتهم بل وتجريمهم والمبادرة بقمعهم في ردة فعل جنونية حمقاء وهو ما رسخ مشاعر الكراهية والسخط لدى اولئك المعارضين والثائرين وجعلهم يشعرون بأحقيتهم بالتمرد والخروج على الأمويين ويرون لهم المشروعية بذلك غير آبهين بالأخطار والمآلات والنتائج في كل الأحوال. ولا يعني ذلك أن الدولة الأموية التي حكمت العالم العربي والإسلامي خلال حقبة زمنية طويلة ودان لها أكثر من نصف العالم لم يكن لها اهتمامات ومشاغل أخرى غير السياسة والانشغال بقمع حركات خصومها السياسيين والمعارضين لها والخارجين عليها هنا وهناك لأسباب تكاد تكون واحدة ومتشابهة في معظم تفاصيلها. وكان الاستبداد وسيظل بمختلف صوره وأشكاله والرموز الذين مارسوه وجسدوه في تاريخ العرب السياسي هو المسؤول الأول والمباشر في وجود واتساع هذه الفجوة السحيقة والكبيرة والمستمرة بين الحكام و المحكومين في العالم العربي والإسلامي والسبب الرئيس لهذه القطيعة والخصومة وأزمة فقدان الثقة والمصداقية بين الراعي والرعية في أمة تعاني -جراء ذلك- الكثير من المعانات وتدفع الكثير من الحسابات والتكاليف الباهظة في كل زمان ومكان!.. بل يكاد الاستبداد وممارساته من قبل حكام استمرأوه وحرصوا على استمراره يكون السبب والعامل الأقوى لتخلف الفكر السياسي العربي والإسلامي وانحصاره في جوانب محددة وقاصرة جعلت الشعوب والحكام يدورون في حلقات مفرغة مظلمة منذ أمد بعيد وحتى اليوم كجلادين وضحايا في الغالب اجمالا !. } يتبع