ضمن استعراضنا لما حدث في اليمن قديماً من صراع وحروب بين اليمنيين على المال والسلطة وبسط السيطرة والنفوذ على البلاد بين القبائل اليمنية المتنازعة تظهر النصوص المكتشفة أيام السبئيين: «أن زعماء قبائل يمنية واقطاعيات واسعة كانوا يشيرون لأنفسهم آنذاك بملوك› واقتصرت علاقتهم بمملكة سبأ التي كانت تتخذ من مأرب عاصمة لها على دفع الضرائب السنوية». وفي فترة من الفترات اختفت الألقاب الملكية لتقتصر على أذواء ريدان. وبحسب ما تضمنته كتب التاريخ التي أرخت لتلك المراحل الهامة من تاريخ اليمن القديم وصراعات الأبناء وتنازعهم على الأمر› فإن الحميريين أول من عين حكاما للمقاطعات في تاريخ اليمن القديم سموهم «جباة الملك». وتوضح لنا تلك المصادر التاريخية على اختلافها وتنوعها أن اعتبار ظفار يريم عاصمة للدولة لم يقلل من أهمية حاضرة السبئيين مأرب عند الحميريين› الذين استمروا في تقديم القرابين والأضحية في المعبد الرئيسي بمأرب ويرجع الكثير من المؤرخين سبب هذا التصرف من قبل الحميريين إلى رغبتهم باستمرارية التقاليد الموروثة واضفاء نوع من الشرعية لملكهم أمام السكان. وتقول كتب التاريخ : «أن الحميريين اتخذوا من العام 115 ق. م مبدأ لتقويمهم› وقاموا بتوحيد آلهة الممالك واعتبار رحمان إله الأرض والسماء والإله الأوحد». وفي مراحل لاحقة من تاريخ اليمن القديم شهدت اليمن مرحلة تعتبر الأكثر فوضى والأشد اضطرابا› وذلك عقب وفاة الملك الحميري القوي «شمر» حيث ادعت عدة بيوت حميرية حقها في الملك والسيادة› إلى أن تمكن الملك «ذمار علي يهبر» من استعادة السيطرة على الأمور وتطبيع الأوضاع في البلاد المضطربة› ويعتبر ذمار علي جد سلالة قوية من الحميريين هيمنت على اليمن وباقي شبه الجزيرة العربية لما يزيد عن 250 سنة تقريباً.وعلى صعيد متصل بالاضطرابات والقلاقل والصراعات التي شهدتها اليمن في تاريخها القديم يشير عدد من المؤرخين والإخباريين الذين اهتموا بما حدث في اليمن حينذاك إلى أن الرومان كانوا قد بدأوا بمحاولات نشر المسيحية في اليمن وذلك قرابة القرن الرابع الميلادي. ومن أجل هذه الغاية والهدف الروماني أرسل الإمبراطور «قنسطانطيوس الثاني» بعثة بقيادة «ثيوفيلوس الهندي» لتنصير الحميريين› ولكن وفقا لفيلوستورغيوس› فإن البعثة الرومانية التبشيرية هذه تعرضت لعرقلة من يهود محليين في اليمن ولم تحقق مهمتها بنجاح كما خطط لها. في حين تشير كتابات قديمة اكتشفت باليمن بخط المسند إلى رحمان وإسرائيل وأقيال حميريين يهود› ولكن أيضا وبحسب البعثة المسيحية الرومانية التي ارسلت لتنصير الحميريين› فإن الرومان تمكنوا من تنصير عدة مناطق يمنية منها: نجران والمخا وظفار يريم› وبناء ثلاث كنائس للمسيحيين الجدد من أبناء اليمن في المدن الثلاث المذكورة. ويعد الملك «شرحبيل يعفر» المتوفي في عام 465 م آخر ملوك حمير من سلالة ذمار علي يهبر، وقد خلفه في الملك «شرحبيل يكف» وهذا الملك الحميري يعتبر مؤسس سلالة جديدة من الحميريين . بيد أنه بحلول العام 516 (القرن السادس) أصبحت مملكة حمير منقسمة على نفسها على طول الخطوط الدينية وشهدت المملكة المضطربة حينها صراعاً مريراً بين فصائل عديدة وقد مهد هذا الصراع اليمني - اليمني الطريق لتدخل مباشر من مملكة أكسوم المسيحية في الحبشة . ويتضح وقوع صراع ما› على السلطة في اليمن آنذاك بدلالة اكتشاف كتابات لشخصين متحاربين كليهما يلقب نفسه باللقب الملكي المعروف للحميريين في تلك الحقبة. وتخبرنا مصادر عدة أرخت لأحداث تلك الفترة من تاريخ اليمن القديم: «أن الملك معد يكرب يعفر يعد آخر ملوك حمير الشرعيين› وكان مسيحياً وتعاون مع مملكة أكسوم ضد أعدائه من اليهود الحميريين› وقام هذا الملك الحميري بإيعاز من بيزنطة بشن حملة عسكرية ضد المناذرة اللخميين بمساعدة من قبائل عربية مسيحية مرتبطة ببيزنطة› وكان المناذرة المتواجدين جنوبي بلاد الرافدين يشكلون آنذاك متراساً للإمبراطورية الساسانية الفارسية التي كانت بدورها غير متسامحة مع دين تبشيري كالمسيحية، وكانت تعتبر نفسها حامية النار المقدسة معبودة وآلهة الفرس الوثنيين حينذاك..!!. ....... يتبع .......