وبخسارة الدولة الطاهرية الكثير من مناطق نفوذها السابقة وخوار قواها وضعفها بسبب الخلافات الداخلية بين أفراد الأسرة المالكة على السلطة بالإضافة إلى التدخل المملوكي في اليمن وظهور خطر الإستعمار والغزو الأجنبي ممثلا بالبرتغاليين والعثمانيين وغيرهم ، شهدت الأوضاع في اليمن مزيدا من التدهور والتردي ، ودخلت البلاد في مرحلة جديدة قديمة من الفوضى والإضطراب والقلاقل نتيجة ازدياد وحدة المتصارعين على الحكم في الداخل وتنافس الطامعين من الغزو والمستعمرين الأجانب الذين شكلوا خطرا مزدوجا ومباشرا على اليمن واليمنيين في تلك الفترة. وفي تلك الحقبة الزمنية تخبرنا مصادر التاريخ المختلفة التي تابعت مجريات أحداثها ورصدتها رصدا دقيقا وتتبعت بإهتمام مساراتها وتطوراتها صعودا وهبوطا : " أن اليمن دخلت آنذاك مرحلة من الفوضى وغياب السلطة المركزية ، وبقيت عدن لفترة وحيدة بيد الملك عامر بن داوود آخر ملوك الطاهريين ، وأعقب ذلك ومعه أقتحم خادم سليمان باشا مدينة عدن الواقعة جنوبي اليمن عام 1538 م ، وبسطت الدولة العثمانية بذلك سلطتها وسيطرتها الفعلية على عدن وتهامة ، واتخذ الأتراك العثمانيين من مدينة زبيد بتهامة مقرا إداريا لسلطتهم ". وفي تلك الآونة كاتت المرتفعات الشمالية من اليمن مستقلة وتخضع لسلطة الإمام الزيدي يحيى شرف الدين ، وقد حاول العثمانيون ضم باقي اليمن إلى سلطانهم ، وخلال الفترة مابين 1538 - 1547 م أرسل العثمانيون ثمانين ألف جندي إلى اليمن ، بقي منهم سبعة آلاف منهم . وفي تطورات لاحقة ضمن مسلسل الصراع اليمني - اليمني الداخلي على الحكم نشب خلاف بين الإمام يحيى شرف الدين وولده المطهر ، فتوجه الأخير آنذاك إلى زبيد بتهامة وأبدى استعداده لمعاونة أويس باشا للسيطرة على المرتفعات الجبلية ، حيث أقتحمت قوات أويس باشا وأنصار المطهر بن يحيى شرف الدين مدينة تعز الجنوبية وتوجهت شمالا نحو صنعاء وسيطروا عليها عام 1547 م . ومنح العثمانيون المطهر بن شرف الدين لقب بك واعترفوا به إماما على عمران وقاعدته ثلا ، ولم يستمر الإمام المطهر في ولائه للعثمانيين طويلا حيث قام بشن سلسلة حملات عديدة استهدفت مراكزهم وأماكن تجمعاتهم وثكناتهم االعسكرية . وبرغم هجمات المطهر هذه على العثمانيين فقد تمكن أزدمير باشا من إخماد التمرد الذي قاده المطهر وحظي بفترة من السلام النسبي لمدة عشر سنوات تقريبا . وقد تولى محمود باشا أمور ولاية اليمن وكان ظالما يقتل كل عسكري من قادته لايوافقه رأيه وعرف هذا الوالي الغشوم بعدم مراعاته للتوازن الدقيق للقوى في اليمن مما جعل اليمنيين يتناسون خلافاتهم ويتوحدون ضد الأتراك. وقد خلفه رضوان باشا في ولاية اليمن عام 1564 م ، في حين أصبح محمود باشا هذا حاكما لمصر من قبل الباب العالي العثماني. وذكرت بعض الروايات التاريخية ، ومنها تقارير رسمية عثمانية : أنه عندما تولى رضوان باشا ولاية اليمن خلفا لسلفه محمود باشا أخذ يعرض مساوئ سلفه الظالم على الباب العالي في اسطنبول ، فيما برر محمود باشا اخفاقاته في اليمن بقوله : أنها بلاد واسعة وأنها بحاجة إلى أكثر من والي ولا يكفيها وال واحد فقط وأصر محمود باشا على موقفه هذا الذي أقنع به الباب العالي ليرسل بدوره مراد باشا ليتولى تهامة ، وولوا رضوان باشا أمر المرتفعات الجبلية ، وهدف محمود باشا برأيه الذي أخذ به الباب العالي النكاية برضوان باشا الذي ندد بسياسة القسوة والعنف التي انتهجها خلال فترة ولايته لليمن ، ولكون القبائل أشرس وأصعب مراسا في المرتفعات الشمالية لليمن ، بالإضافة لكونها مقرا للأئمة الزيدية . وبالنسبة للمطهر بن يحيى بن شرف الدين فقد تظاهر بموالاته لمراد باشا المسيطر على التهائم فتوقف الأخير عن إمداد رضوان باشا المسؤول عن المرتفعات ، وتزايدت الخلافات بينهم لدهاء الإمام المطهر ، وهذا ماأدى بالتالي إلى قيام الباب العالي بعزل رضوان باشا من منصبه وتعيين حسن باشا خلفا له في اليمن عام 1567م . ولم يفوت الإمام المطهر هذا الإرتباك والخلاف الناشب بين القيادات العثنانية آنذاك ، بل قام بإجتياح صنعاء بمساندة قبائل الجوف البدوية وراسل المطهر أمير بعدان فهاجموا القوات العثمانية ، وحوصر مراد باشا في ذمار ، إلا أنه تمكن من الهرب وبقي معه حوالي خمسين جنديا وضابطا من المشاة ، فأعترضته القبائل في الطريق وقتلوا مراد باشا ومن معه وقطعوا رؤوسهم وارسلوها إلى المطهر بن شرف الدين في صنعاء عام 1567 م وكان يوما رهيبا من أيام العثمانيين الذي لاينسى في اليمن.. وبعد مقتل الوالي مراد باشا وفناء غالبية الجيش العثماني في اليمن آنذاك أمر الباب العالي اللالا مصطفى باشا بالتوجه إلى اليمن لضبط أمورها ، إلا أن هذا الوالي الجديد رفض في البداية قرار تعيينه ولم ينصاع للأمر إلا بعد أن رأى غضب السلطان وتهديده له بعقوبة صارمة . وقد توجه مصطفى باشا فور تعيينه واليا على اليمن خلفا لمراد باشا إلى مصر وحاول جمع القوات إلا أن الجيش العثماني في مصر رفض التوجه معه إلى اليمن ، فأرسل اللالا مصطفى باشا اثنان من مصر برسالة إلى اليمن يعرضان فيها على المطهر بن شرف الدين الصلح ويطلبان منه الإمتثال لأمر العثمانيين وطاعتهم ، وطالبوا المطهر أيضا بالإعتذار عن مابدر منه ضدهم في السابق واعترافه بأنه لم يأمر بأي عمل عنيف ضد القوات العثمانية في اليمن. ومما يجدر ذكره هنا ضمن السياق أن الأتراك العثمانيين خاضوا منذ قدومهم إلى اليمن في تلك الفترة نحو ثمانين معركة مع رجال القبائل في مناطق المرتفعات الجبلية بقيادة الأئمة الزيدية توجت إحداها بمقتل الوالي مراد باشا ومعه نحو 50 من الجنود والضباط قرب ذمار بوسط البلاد. ، وقد جاءت تلك التطورات لمسار الأحداث في اليمن حينها والأتراك في أوج قوتهم ولم يكونوا على استعداد لتقبل الهزيمة المنكرة والمهينة لهم بسهولة من قبل أفراد يخوضون ضدهم حرب عصابات ، وقد قرر الباب العالي ارسال قوة جديدة إلى اليمن بقيادة سنان باشا، وهو كما هو معروف قائد عثماني بارز من أصل ألباني ومتمرس في أمور الحرب وشؤونها بهدف إعادة السيطرة العثمانية على اليمن واسترداد الإعتبار للعثمانيين الذين فقدوه من قبل بهزائمهم المتلاحقة على أيدي رجال القبائل في اليمن.