نعود مجدداً للحديث عن البحر الأحمر.. وأهميته الجيوسياسية.. وكذا الأهمية الجيوبولوتيكية ليس للإقليم وإنما للعالم أجمع .. وهذا ما سبب للمنطقة واليمن أن تعيش تاريخاً واسعاً متعدداً من الاضطرابات ومن الصراعات المميتة , ومن محاولات بسط النفوذ والهيمنة على هذه المنطقة.. ومن الأهمية بمكان أن نمر على جيوبولوتيكية منطقة البحر الأحمر.. وكما تشير المعلومات إلى أن تميز البحر الأحمر بجيوبولتيكية غاية من الأهمية والتأثير جعلها تنال أكبر التعقيدات في العلاقات الإقليمية والدولية تمثل هذه القيمة الجيوسياسية لاتقف عند التقاء هذا الشريان الملاحي عند ثلاث قارات فقط وإنما تعزز قيمته الاستراتيجية في توسطه للبحار العالمية شرقاً وغرباً , وبما يجعله همزة وصل حقيقية للعديد من الطرق المائية والمجاري الملاحية الدولية .. وبما ضاعف أهميته أيضاً اختزان المنطقة العربية للطاقة من نفط وغاز وأيضاً لموارد مهمة من معادن وغيرها مما تحتاجه الاقتصاديات العالمية لتحريك عجلة دورانها وانتاجها .. وبعد العام 1869م بعد افتتاح قناة السويس في مصر تضاعفت أهمية وجيوسياسية المجرى الملاحي البحر الأحمر”.. ولهثت دول عظمى للحظوة بنفوذ أو تواجد أو تسهيلات على شواطئه الجنوبية .. فمثلاً: اختزلت قناة السويسوالبحر الأحمر وباب المندب الطريق التجاري العالمي من 13,500ميل كانت تمر عبر الطريق البحري رأس الرجاء الصالح الى 7000ميل بين الكويت وليفربول أي بانخفاض 58% من المسافة في ذات المنحى الطريق عبر سنغافورا وليفربول عبر رأس الرجاء الصالح تصل إلى 15,00ميل في حين لو مرت البحر الأحمر تختزل المسافة الى 9000ميل أو بتخفيض واختزال 39% وهذ يوضح مدى حرص التجارة العالمية التي تختار المرور عبر البحر الأحمر التي تصل الى 74% من التجارة العالمية . وقد بدأت مرحلة 1897م - 1923م في تاريخ البحر الأحمر فصلاً جديداً من تشكل الصراع الذي توج حقيقة في فترات لاحقة أوعهود لاحقة بعد اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة في العام 1948م لكن الرؤية الصهيونية كانت قد سبقت قيام الكيان الصهيوني ..لأن ما بين عامي 1896م – 1923م شرع الصهاينة للإعداد لإنشاء كيان دولة لهم فقد بدأ الصهيوني تيودرهرتزل بتأسيس المنظمة الصهيونية العالمية التي عقده “بازل” في سويسرا من 19- 31 أغسطس العام 1897م .. وهذا المؤتمر هيأ لقيام الكيان الصهيوني في العام 1948م “ ولوعدنا إلى العام 1923م فإننا نقرأ المحتوى العام لمعاهدة لوزان على وضع الجزر اليمنية في البحر الأحمر .. اذ تذكر الأحداث أن دول الحلفاء عقدوا في لوزان بتاريخ 24يوليو العام 1923مؤتمراً مع تركيا وقد كان للمادة 16من اتفاقية لوزان أثرها على وضع هذه الجزر لسنوات طويلة .. وخلال السنوات الأربع 1919م – 1923م غيرت بريطانيا من مواقفها من الجزر اليمنية فلم تسلمها إلى الإمام يحيى حميد الدين الذي انتزع الحكم من الاتراك , كما فعلت بريطانيا مع حليفها الادريسي .. ولكن الإمام يحيى في استمرار مطالبته بالجزر اليمنية في البحر الأحمر , وسجلت ذلك الوثائق البريطانية .. ولخص البريطانيون في عدن مطالب الإمام يحيى الاثنا عشرة التي أبلغهم إياها في رسالته المؤرخة في 5مايو 1918م ورداً على رسالة المقيم البريطاني التي كان قد بعثها الى الأمام يحيى .. وفي مايو 1918م طالب الإمام بالجزر اليمنية في البحر الأحمر .. , وتأكد ذلك من خلال خطابه الى رايلي عند توقيع معاهدة صنعاء عام 1938م وكان رايلي قد وعد الإمام يحيى بأنه سيرسل مطالبته الى حكومة لندن , مرفقاً بمشروع المعاهدة للتصديق عليها .. لكن حكومة لندن لم ترد على رسالة الإمام يحيى . وأتضح أن السياسة البريطانية اتخذت من المادة “16” من معاهدة لوزان 1923م ستاراً لتخفي به احتلالها للجزر اليمنية وكان واضحاً ان البريطانيين استغلوا الأوضاع المضطربة حينها لتضع المادة 16من معاهدة لوزان وفق الأهواء الاستعمارية والمصالح الاستعمارية وفي كتاب اليمن وأطماع الخارج كان تعرضه للوثائق البريطانية والامريكية .. 1900 – 1930م الذي ترجمه عبدالسلام سلام المذحجي يورد برقية من نائب القنصل ريتشارد سوف الى القنصل ديني .. ورقم الوثيقة (50).. موثقة من الحديدة في 28ابريل العام 1905م وتقول الوثيقة: أبلغتني الأخبار يوم 25من الشهر الحالي ان حامية صنعاء قد استسلمت للإمام , وقد طافت هذه الأخبار كل جوانب مدينة الحديدة يومها , وبالرغم من أن السلطات ظلت متكتمة حول الموضوع وتضيف البرقية بالتأكيد : لقد تم تأكيد المعلومات الواردة اعلاه وعلمت أن العاصمة سقطت مساء يوم 20ابريل وتواصل برقية القنصل البريطاني بالحديث حول مظاهر سقوط صنعاء العاصمة بيد الإمام يحي حميد الدين واستسلام الحامية التركية التي كانت مرابطة في صنعاء .. حيث تورد البرقية : وأعتقد أن الحصون والمواقع والبنادق والذخيرة والمستودعات العسكرية ودواب النقل والمواصلات قد تم الاستيلاء عليها من قبل الإمام حسب اتفاقية الاستسلام أما التجار من أجانب وغيرهم المقيمين في صنعاء فقد تم التأكيد لهم أنه بإمكانهم مواصلة العمل بالتجارة دون خوف ومضايقه وقد اختاروا أن يبقوا هناك “.. ومن البحر قدم العثمانيون .. والى البحر يتوجهون ومنها يخرجون .. من البحر الأحمر الذي سهل للعثمانيين أن يصلوا إلى اليمن فارضين سيطرتهم وبحجة حماية المقدسات الإسلامية في الحجاز ضد الهجمات البرتغالية والأوروبية .. ويواصل القنصل البريطاني ريتشاردسون برقيته القول : قد وصل حتى الآن حوالي ألف شخص من المسؤولين المدنيين والعسكريين وعائلاتهم إلى مناخه في طريقهم إلى الحديدة .. وتتم حالياً الاستعدادات في الحديدة لاستقبال وإيواء كبار المسؤولين .. تلك هي الحقيقة التي ظل كثير من الغزاة يتنكرون لها ولا يريدون تذكرها .. هي ان اليمن بلد طارد للمحتلين والغزاة .. بلد لا يقبل الرضوخ . وأن بدا أنه يظهر بعض السكينة , ولكنها الهدوء الذي يسبق العاصفة وكما يؤكد الاستاذ عبدالله عامر مؤلف كتاب تاريخ اليمن مقبرة الغزاة في مقدمة كتابه بالقول : كثيرون هم أولئك الذين مروا على صفحات التاريخ فقط لإفساد قيمته وإخفاء حقيقته والدفع به إلى سلة المهملات حتى صرنا أجهل الناس بثروتنا المهدورة ويقول بن عامر أيضاً : لعنة الجغرافيا.. تتوسط اليمن قارات العالم القديم وتشرف على اهم طرق التجارة البحرية كهمزة وصل طبيعية بين المشرق والمغرب . ويضيف إن اليمن لا يزال حتى اللحظة بموقعه الحيوي محل أطماع الغزاة وما تسابق القوى الإقليمية والدولية على الجزر اليمنية وكذلك على السواحل إلا دليل على ذلك ويقول أيضاً : ومن التاريخ القديم الذي كان اليمن فيه دور متميز ضاعف من أطماع الإمبراطوريات العالمية ودفعها للتآمر عليه وإخضاعه واحتلاله الى التاريخ الحديث.( يتبع الحلقة السابعة)..