بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    أمريكا: هذه الدولة تختبئ خلف الحوثيين.. وروسيا: "ندين عدوانية الغرب على اليمن"    صحفي "جنوبي" يرد على القيادات الحوثية المتضامنة مع المحتجين في عدن    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    نقل منصات إطلاق الصواريخ الحوثية استعدادًا للحرب واندلاع مواجهات شرسة مع الأهالي ومقتل قيادي من القوة الصاروخية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    الحوثيون يواصلون افتعال أزمة الغاز بمحافظتي إب والضالع تمهيد لرفع الأسعار إلى 9 آلاف ريال    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    المبادرة المُطَالِبة بالكشف عن قحطان تثمن استجابة الشرعية وتحذر من الانسياق وراء رغبات الحوثي    قائد الحراك التهامي السلمي يعقد لقاء مع المعهد الديمقراطي الأمريكي لبحث آفاق السلام    الحوثيون يواصلون حملة اعتقال الطلاب الفارين من المراكز الصيفية في ذمار    الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    البوم    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    دموع ''صنعاء القديمة''    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تار يخ اليمن.. مقبرة الغزاة..للباحث / عبدالله بن عامر الحلقة (79)
نشر في 26 سبتمبر يوم 27 - 06 - 2020

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب
من أجل إحكام سيطرته عمد المستعمر البريطاني إلى المزيد من تقسيم المقسم، فزرع أتباعه في كل منطقة واستغل الخلافات بين المكونات لتشكيل أكثر من مكون أو كيان في المنطقة الواحدة
تأريخ اليمن مقبرة الغزاة هو مصنف تاريخي شامل مكون من جزأين ضمنها الباحث سردًا تاريخيًّا لكل ما تعرض له اليمن السعيد من غزو الغزاة في مختلف العصور والأوقات، متطرقًا –باستقصاء- إلى أهم البواعث والدوافع التي لم تكن تخرج -في الأغلب الأعم- عن المطامع التي ما تزال هي المحرك الأساسي للعدو الخارجي للسيطرة على موقعنا الجغرافي الاستراتيجي.
عرض/ امين ابو حيدر
ومع استمرار التواجد الاستعماري أصبحت الحماية متبادلة، فبريطانيا تقدم المال وكذلك الدعم العسكري للسلاطين لمواجهة أي تمرد ضدهم والسلاطين يتولون مهمة حماية المستعمر من خلال منحه شرعية البقاء وكذلك التحرك العسكري لوأد أيّة محاولة لتشكيل جبهة مقاومة ضد المستعمر.
وقد سار المستعمر في طريق تعميم نموذج المحميات وتقسيم المقسم فزرع أتباعه في كل منطقة بعد أن تمكن من استغلال بعض الخلافات لتشكيل أكثر من مكون أو كيان في نفس المنطقة وكان هذا الكيان له صلاحيات أقرب إلى صلاحيات الدولة في ظل مساحة جغرافية صغيرة سيما في مناطق لحج وأبين قبل أن تمتد هذه الكيانات شرقاً نحو حضرموت ،وقد تحولت كل مشيخة أو سلطنة إلى شبه دولة تابعة للتاج البريطاني ويجمع هذه الكيانات مجلس أعلى تحت حكم المندوب السامي في عدن.
وكان الغرض البريطاني من كل ذلك تأمين الوجود في عدن فلم تظهر هذه السياسة إلا بعد أن كانت المقاومة تدك أسوار عدن محاولةً تحريرها واستردادها ،فالسلاطين والمشائخ في تلك الفترة كانوا يتعرضون لإحراج شديد أمام عامة الناس جراء أي صمت أو تواطؤ أو تقاعس عن القيام بمهمة الجهاد ضد المستعمر الخارجي لكن الأمر تغير بعد ذلك فقد أصبح جزء كبير من هؤلاء السلاطين مقيدين بمعاهدات مع المستعمر نفسه الذي أخضعهم من خلال إغرائهم بالمال أو بالحماية والدعم أو من خلال تأجيج الخلافات فيما بينهم فيضطر كل الأطراف إلى اللجوء إليه والاحتكام له.
مقاومة المحتل لا تتوقف:
من عقد الثلاثينات حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي شهدت المناطق الجنوبية تحركات شعبية وانتفاضات وأعمال فدائية ضد المستعمر البريطاني وما يميز تلك الانتفاضات أنها لم تكن تحمل مشروعاً سياسياً بل تعبر عما وصلت إليه الأوضاع والرفض لحالة الظلم والتطلع إلى الحرية والانعتاق من ممارسات المستعمر وعملائه ،ويمكن أن نطلق على تلك الانتفاضات بأنها ردود فعل عفوية وثورات شعبية كان هدفها الأساسي إزاحة المستعمر وإزالة الظلم المرتبط به ولهذا نجد أن أماكن تلك الانتفاضات كانت الأرياف من المهرة حتى لحج ومعظم مطالبها إن لم يكن جميعها حقوقية تطورت فيما بعد إلى أن أصبحت سياسية وطنية فالمتتبع لتفاصيل تلك الانتفاضات والثورات سيجد أنها لم تكتفِ بالمطالبة برفع الظلم بل طالبت بالاستقلال ورحيل المستعمر عن البلاد وإسقاط السلطات المحلية العميلة من سلطنات ومشيخات وإمارات ، وقد استمرت المقاومة من 1936م حتى 1962م إلا أنها كانت متفرقة وفي فترات متقطعة كالانتفاضات التي قامت في العوالق السفلى في الأعوام 1936حتى 1946م والانتفاضات في ردفان من 1938حتى 1957م والانتفاضات في الصبيحة من عام 1942حتى 1957م وانتفاضات حضرموت والمهرة من 1944م حتى 1961م وانتفاضة القبائل في بيحان من 1942م حتى 1957وفي الشعيب وحالمين والضالع 1947م حتى 1957م وانتفاضات المواطنين والقبائل في يافع والتي شارك فيها المشائخ من عام 1958م وحتى 1962م وفي منطقة الواحدي ومنطقة الفضلي عام 1941م حتى 1957م وفي منطقة العواذل ومنطقة دثينة 1946م حتى 1962م وفي الحواشب الراحة عام 1950م.
ثورات عواس ومليط
في الضالع ولحج :
ومن أبرز المقاومة الشعبية للمستعمر كانت انتفاضة الضالع في 1956م حيث أدت تلك الانتفاضة إلى سقوط عدد من كبار الضباط البريطانيين من خلال العمليات الانتحارية والتي أشهرها عملية قام بها الفدائي محمد عواس في 30 يناير 1948م وقتل فيها الضابط السياسي البريطاني (ديفي) وكانت هناك محاولة لاغتيال الحاكم البريطاني (سيجر) من قبل الشهيدين عبد الدائم وفاضل بن صالح الباقري وذلك في يناير عام 1954م ، واغتيل الضابط (موند) في 1956م الذي فرض الضرائب على الفقراء من المزارعين واشتهر بقبضته الحديدية.
وقامت انتفاضة في لحج بزعامة محمد شاهر المنصوري وعلي محمد سعد وعبد اللطيف الشعبي وواجه البريطانيون تلك الانتفاضة بالقصف الجوي العنيف ، وفي الأربعينيات أشعلت قبائل الصبيحة الثورة ضد المستعمرين وعملائهم واستمرت المعارك في منطقة المناصرة شهرين كاملين وارتكب الطيران البريطاني الكثير من المجازر من خلال الغارات اليومية على القرى في الصبيحة ، وفي منطقة نقيل القيض بكرش نشبت المعارك بقيادة صالح مليط وامتدت المقاومة إلى وادي عقان والجبال المحيطة وسقط العشرات من الشهداء منهم قائد المقاومة صالح مليط بسبب الغارات الجوية العنيفة لطيران الاحتلال ، وقد اكتسب مليط شهرة واسعة في تلك الفترة كون ثورته قامت ضد الظلم الجائر على المزارعين من قبل المستعمر وعملائه .
انتفاضة محمد عيدروس
في يافع :
وفي يافع بلغت الخلافات بين سلاطين المنطقة والبريطانيين لدرجة التصادم المسلح على خلفية أسعار القطن والتدخلات البريطانية في يافع السفلى وقاد محمد بن عيدروس (نجل سلطان يافع) حركة مسلحة ضد الاحتلال البريطاني الذي واجه تلك الحركة بالقصف الجوي العنيف الذي استهدف عدداً من القرى في يافع وذلك في العام 1958م واستمرت حركة بن عيدروس ضد الاحتلال عدة سنوات وامتدت إلى مختلف مناطق يافع السفلى التي تعرضت للقصف الجوي العنيف الذي استهدف كل منازل المشاركين بالثورة من أتباع السلطان محمد وافتقرت تلك الحركة أو الانتفاضة للسلاح الكافي وقد تلقت بعض الدعم من مندوب الإمام في محافظة البيضاء محمد بن صالح الرويشان وكذلك بعض الدعم الإعلامي من صنعاء والقاهرة وفي 1961م تعرضت منطقة القارة لأعنف قصف جوي بريطاني أدى إلى استشهاد عدد كبير من السكان وتم تسوية عدد من المنازل بالأرض وتعرضت المساجد أيضا للقصف ولاقت تلك الجرائم استنكاراً واسعاً .
وكان المزارعون قد حاولوا تأسيس جمعية تعاونية وجمعوا أكثر من أربعين ألف توقيع إلا أن المحتل البريطاني سارع إلى إجهاض تلك التحركات وقامت قواته باعتقال العشرات من المزارعين الذين تعرضوا في سجون الاحتلال لصنوف التعذيب الجسدي والنفسي وتُركوا لأيام بدون ماء أو طعام أو إضاءة داخل الزنازين يفترشون الأتربة والأحجار في نومهم حتى أتى الموت على بغضهم.
ثورات بيحان والربيزي
ودثينة ولحج:
وفي 1957م توسعت الأعمال الثورية المسلحة ففي بيحان هاجمت القبائل الدوريات العسكرية البريطانية وسيطرت على أحد المراكز في جبل شقير ، وقد استخدمت القوات البريطانية الطيران والمدافع للتصدي للثوار ، وفي المحميات الغربية شن الثوار أكثر من 50 هجوماً ومن أهم تلك العمليات ما قام به رجال من قبيلة الأزارق الذين نصبوا كميناً أدى إلى مقتل اثنين من الجنود البريطانيين وإصابة ستة بجروح مختلفة. وفي نفس العام قامت انتفاضة قبيلة الشعار في الضالع وبدأت منشورات الثوار تدعو أفراد الجيش التابعين للمحتل البريطاني إلى الثورة وترك الخدمة العسكرية وفي دثينه اعتقلت سلطات الاحتلال العشرات من المواطنين الرافضين للسياسة الاستعمارية ،وبعد رفض سلطنة لحج الانضمام إلى اتحاد إمارات الجنوب العربي وتعاون سلطانها علي عبد الكريم مع الثوار قامت القوات البريطانية بشن حرب عدوانية على أبناء لحج وشارك في تلك الحملة العسكرية 4 آلاف جندي مزودين بالمدفعية الثقيلة والمدرعات واحتج سلطان لحج على ذلك التصرف وطرح موضوع قضية الجنوب في الأمم المتحدة، ومن أهم الثورات القبلية ضد الاحتلال البريطاني ثورة قبائل الربيزي في العوالق والتي تمكنت من إجبار المحتل على الانسحاب من كافة المراكز العسكرية المستحدثة في العوالق وقد فشلت القوات البريطانية في إيقاف تلك الثورة رغم الاستخدام المفرط للقوة النارية وإحراق الأخضر واليابس وتهجير المئات من السكان ،وتؤكد شهادات القادة البريطانيين في عدن أن تلك الثورات أزعجتهم إلى حد كبير وأربكت قواتهم وكانت معظم تلك الثورات تتلقى الدعم من مندوب الإمام في البيضاء (الشامي) ويثير حماستها الخطاب الإعلامي من إذاعة صوت العرب القاهرية سيما ثورتي أهل الربيزي وأهل دمان ووصف حاكم عدن (تيريفا سيكس) ثورات القبائل بقوله : كان الوضع أخطر مما شهدناه في تجاربنا السابقة فالمتمردون كانوا أكثر عدداً وأفضل تسليحاً ،ففي الضالع والفضلي هددوا مناطق عديدة وفي ردفان سيطروا على الطريق الوحيد إلى الضالع ، كل ذلك حدث في حين وصلت السمعة البريطانية إلى الحضيض بسبب كارثة السويس.
ومن نتائج تلك الثورات إضعاف الروح المعنوية للبريطانيين وللجيش الاتحادي حتى أن الضباط البريطانيين كانوا يخشون من أي تمرد داخل الجيش الاتحادي.
الثورة من صنعاء إلى عدن :
تصاعد الشعور الوطني في خمسينيات القرن الماضي بضرورة تغيير أوضاع البلاد عبر الإطاحة بالنظام في صنعاء وإعلان الثورة ضد الجنوب وقد حاول الكثير من الثوار اللجوء إلى النظام في صنعاء وحثه على تبني قضية الثورة ضد المستعمر والجهاد ضد الاحتلال البريطاني ،إلا أنه فضَّل سياسة الانعزال واتجه إلى مواجهة كل الحركات الانقلابية التي كانت تستهدفه ، ولهذا عمل الثوار على مسارات مختلفة منها تفجير الثورة في صنعاء ومن ثم تفجير ثورة أخرى ضد المستعمر البريطاني ،وكان الثوار من المحافظات الجنوبية يتجهون إلى الشمال للمشاركة في ثورة 26 سبتمبر وحمايتها ومن ثم شرعوا بعد تلقي الدعم من الثوار في الشمال في تفجير الثورة في الجنوب، وعن مرحلة الكفاح ضد الاستعمار البريطاني بقيادة الجبهة القومية وكافة التيارات الوطنية في الشمال والجنوب يتحدث عبد الفتاح إسماعيل في أحد مقالاته بالقول : في البداية الأولى للستينات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية أفكار الكفاح المسلح وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد ، وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها ، وكانت حركة القوميين العرب من بين التنظيمات الأخرى التي تبنت أسلوب الكفاح المسلح طريقاً للتحرر الوطني
وعن دعم الجمهورية العربية اليمنية للثورة على الاستعمار البريطاني يقول فتاح: إن النظام الجمهوري في صنعاء غدا تلك الخلفية التي يمكن أن تلعب الدور الوطني اليمني لدعم الكفاح المسلح ضد بريطانيا الاستعمارية، وكان قرار الكفاح المسلح يعلن عن نفسه مستنداً على الظروف الموضوعية والذاتية في المجتمع اليمني بأسره ، وعن تفاصيل الحوار الذي حدث في صنعاء قال : في مايو 1963م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية سرية أخرى وفي هذا اللقاء تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل على أساس الأخذ بالكفاح المسلح أسلوباً لطرد المستعمرين ، وقد تمثل دعم اليمن الشمالي للثورة على الاستعمار في إنشاء معسكرات تدريبية في كلٍ من صنعاء وتعز وكان ثوار الجبهة القومية يقومون بعد الانتهاء من الدورات التدريبية بالعودة إلى جبهات القتال في ردفان وتقوم مجموعات أخرى بإدخال السلاح إلى عدن بشكل سري ، وإلى جانب النضال المسلح كان هناك نضال سلمي في عدن أخذ طابع الاحتجاجات والإضرابات العمالية إضافة إلى الحراك السياسي ، وشاركت المرأة في المدن بتوزيع المنشورات ونقل الرسائل والتعميمات الداخلية والمشاركة في المظاهرات وفي الريف شاركت في حمل السلاح وتزويد المقاتلين بالطعام.
وقد انتقل العمل المسلح من الأرياف إلى المدن وعلى رأسها مدينة عدن وهذا كان بمثابة تحول كبير في العمل العسكري ضد المستعمر وكانت العمليات الفدائية تتمثل في استهداف منازل الضباط الانجليز وتجمعاتهم وأنديتهم ومقراتهم وضرب المطار العسكري بالقذائف وتم استهداف المرتزقة المحليين سيما المتعاونين مع المخابرات البريطانية ، وانتقل الثوار إلى مرحلة الاغتيالات وتمكنوا من اغتيال عدد من كبار الضباط الانجليز ، وفي 1966م تصاعدت المقاومة ضد المستعمرين وبدأ الثوار في التمركز داخل أحياء بعدن والسيطرة على شوارع وخوض حرب المدن ، والعمليات النوعية في استهداف أحياء البريطانيين داخل عدن وتحديداً في خور مكسر والتواهي والمعلا والبريقة وكريتر ومن أعنف المعارك كانت المعركة المكشوفة والمباشرة في الشوارع بين الفدائيين والقوات الإنجليزية خلال قدوم بعثة الأمم المتحدة لتقصي الوضع في المنطقة وذلك في أبريل 1967م ،و استمرت المعارك في الشوارع والأحياء طوال الأيام التي بقيت فيها اللجنة في عدن وبشكل متواصل وكان سلاحنا في هذه المعارك السلاح الخفيف من الرشاشات والقنابل ومدافع البازوكا بينما استخدمت القوات البريطانية الطائرات والدبابات وقوات المشاة ،لقد تحولت عدن بالفعل إلى ساحة معركة دموية بين الثورة والقوات الاستعمارية.
قصة ثورة 14 أكتوبر ( الثائر البطل راجح غالب لبوزة) :
كانت السلطات البريطانية تشكو من قبائل القطيبي وحاولت عقد معاهدات معهم وقامت بقصف منازلهم وقراهم إلا أنهم لم يتوقفوا عن استهداف كل ما له علاقة بالمحتل البريطاني سيما القوافل المتجهة إلى عدن وكذلك السيارات البريطانية منها حادثة قتل أحد البريطانيين في عام 1940م وقد تعرضت المنطقة للقصف العنيف بسبب رفضها تسليم القاتل عباد هيثم.
رفض أهل قطيب الإنذارات البريطانية وكان القصف مستمراً على القرى وفشلت كل الوساطات واستمرت تلك القبائل في المقاومة سيما بعد أن قام المحتل البريطاني بإنشاء مركز عسكري في الحبيلين ، وبعد عملية استطلاعية احتشد قرابة 70 مقاتلاً منهم راجح غالب لبوزة للهجوم على القوات وقد استشهد في تلك المعركة 9 من أهل قطيب واضطرت بريطانيا إلى الانسحاب من ردفان لكن الغارات الجوية مستمرة ؛ في 1956م تلقى الثوار في ردفان دعماً من الإمام أحمد منهم راجح غالب لبوزة الذي نفذ عدة عمليات هجومية على المواقع البريطانية في الحبيلين وبعد لقاء عدد من المشايخ والشخصيات البارزة في المحميات بالإمام في السخنة بالحديدة ضاعف الدعم للمقاومة ضد المستعمر البريطاني وقد عاد الثوار الردفانيون إلى بلادهم ببنادق (زاكي كرام عيلمان) وبها تمكنوا من إسقاط طائرة حربية بريطانية ، وكان لبوزة قد انتقل مع مجموعته لمهاجمة القوات البريطانية في منطقة الصفراء بالضالع وشارك لبوزة في انتفاضة جبل جحاف إلى جوار عدد من الثوار من أبناء الضالع ، وعندما أوقف الإمام الدعم على الثوار استمر لبوزة مع مجموعته في العمل المسلح ضد المحتل البريطاني واستمرت قبائل ردفان في اعتراض قوافل الجيش البريطاني ومع اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م انطلق ثوار ردفان ومنهم لبوزة إلى صنعاء وشاركوا في المعارك دفاعاً عن الثورة وتشكلت في صنعاء تكتلات تضم عدداً من الكيانات المناهضة للاستعمار منها الجبهة القومية ،وفي منتصف العام 1963م عاد لبوزة مع مجموعته إلى ردفان وفي إب التقى بالمقدم أحمد الكبسي الذي وعده بتجهيز مجاميع جديدة للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر من جهة وتدريبها وتسليحها وإعادتها إلى ردفان كقوة مدربة على القتال
وقد استقبل أبناء ردفان العائدين من الشمال بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء ووجهت سلطات الاحتلال إنذاراً إلى العائدين بأن عليهم تسليم أنفسهم ودفع غرامات مالية ووضع ضمانات بعدم عودتهم إلى الشمال مرة أخرى ورد لبوزة على هذا الإنذار باستدعاء كل الثوار إلى منطقة عقيبة في ردفان وحضر ذلك اللقاء 300 شخص وقرروا عدم الاستسلام للمطالب البريطانية وقد رد لبوزة على الضابط السياسي البريطاني الذي هدده بالعقاب الشديد من قبل الحكومة البريطانية وحكومة الإتحاد العميلة للاتحاد برسالة جاء فيها : نحن نعتبر حكومتنا هي الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومتنا حكومة الإتحاد وغير مستعدين لكل ما هو في رسالتكم ونعتبر حدودنا هي من الجبهة وما فوق وأي تحرك لكم يتجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل إمكانياتنا ولا تلوموا إلا أنفسكم (28/9/1963) وقام لبوزة بوضع طلقة رصاص في المظروف الذي سلم لمراسل الضابط السياسي البريطاني في قرية الثمير وفي 13 أكتوبر اعتقلت سلطات الاحتلال أحد العائدين من الشمال ضمن مجموعة لبوزة وعندما وصل الخبر إلى لبوزة حشد المقاتلين وانتقل إلى جبل البدوي وتحركت مجموعات أخرى من أبناء ردفان .
وفي صباح 14 أكتوبر كان عدد الثوار مع لبوزة 70 مقاتلاً وعندما وصلت القوات البريطانية قرية البيضاء في وادي المصراح بدأت الاشتباكات وتمكنت المجموعة الأولى من الثوار من إيقاف تقدم تلك القوات الكبيرة المزودة بالمدافع والدبابات والأسلحة الحديثة وحاولت المجموعة الثالثة بقيادة لبوزة الالتفاف من الخلف على تلك القوات ،وقد استخدمت قوات الاحتلال والجيش العميل المدافع والقذائف بعد فشلها في الاشتباك المباشر نتيجة المقاومة العنيفة للثوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.