حضارة الإسلام حضارة إنسانية جاءت لإسعاد الإنسان وأمنه وسلامته حضارة نفس تحررت من الظلم وتآخت بالحب والإيثار وتراحمت بالعطف والحنان وسعدت بالأمن والسلام.. حضارة تحتضنها كل قيم وتشريعات الإسلام التي هي قوانينه ونظمه الأساسية بكل مسؤولياتها والتي لا تمكن أن تكون بعيدة عن حقيقة التسامح الذي من خلاله إيصال الحق إلى القلوب ليستقر فيها ويحرك الإنسان باتجاه الفضيلة.. حيث أن التسامح فضيلة فإنها بطبيعة الحال صعبة المنال خصوصاً في عالمنا المعاصر إذ لا احد يبدو مؤهلاً للتحدث عن هذه الفضيلة إلا من كان في مستواها وفي مستواها من يحمل المنهجية الإلهية الضابطة للنفس المتزكية والمتبصرة ببصائر ونور القرآن الكريم باعتباره قانون الله لأهل الأرض ومنهاج حياة متكامل لا يأتيه الباطل قطعاً والذي يبني النفسيات التي تمتلك القدرة والاستعداد لمعنى ومفهوم التسامح ذلك أن التسامح في مفهوم التشريع الإلهي ليس بالأمر الهين والسهل وإنما يحتاج إلى الكثير من الصبر والمران والحكمة ولعل أول رد فعل طبيعي هو عندما تحاول إقناع الآخر بخطأ ما يفعله أو تغيير وجهة نظره حسب ما يعتقده لأنه قد شاع في أوساط الناس لقرون عديدة قناعات وأساليب هما مصدر التقييم بنظرة ضيقة ومحدودة غيرت المفاهيم بصورة خطيرة حتى صيرت الإنسان لا يعي شيئاً لأنه فقد الذاكرة بحيث لا يلتفت إلى مجد تليد وأصبح يعيش خارج الزمن هان على نفسه وعلى الناس.. يصادق من يحقره ويجري وراء عدوه لا يخشى العار فقد تعود عليه, ولا يشعر بالذلة لأنه أدمنها لا يريد أن يراجع نفسه لأنه لابد أن يعلم شيئاً مما ينفعه يباع ويشترى بلا ثمن ويذبح أو يؤكل بلا مقابل لا يزن في عين عدوه المستغفل له جناح بعوضة حرصاً على نفسه بالإرهاب حتى هان كره كل مجاهد في سبيل الحق والعزة والكرامة.. تآمر على قتل كل بطل يريد إعزاز أمته.. كبت كل مصلح تحت الإرهاب الفكري حتى تعجبت منه الأقدار ونبذ دعوة الله الحقة حتى حل به غضبه..الخ. ولذلك كله مع الأسف من الأهمية بمكان لابد من المراجعة وقراءة التاريخ والتجارب المختلفة بعيداً عن عقلية التقديس للانتماء أياً كان والذي صبره لا يدرك أي خطأ أو تجاوز لقيم الإسلام وهو لا يعي ذلك كله.. يكره الكذب والنفاق والغش والخداع والفساد والانحطاط والاستعمار والضياع والتخلف ولكنه يفعل ذلك كله ويؤيده ويتحمس له ويهتف به يعتقد بالله ويؤمن به ويصلي ويصوم ويحج ويرتل القرآن ويوقره ويصدق به ويقرأ أحاديث الرسول صلوات الله عليه واله ويعتقد بصحتها ونفعها وهديها' لكنه يخالف كل ما يعتقده ويسير عكس ما يؤمن به ويعمل ضد ما يوقره ويصدق به ويؤمن بنفعه انه الضلال.. يحدثك عن الأخوة ويفترسها وعن الإنسانية وهو باغ قاتل وعن الرحمة وهو وحش كاسر وعن حرمة النفس المؤمنة وهو هاتك للحرمات مفتضح للأعراض وعن الاتحاد وهو مقطع للأوصال مفرق للجماعات.. يحدثك عن الضمير وعن النزاهة وعن الرجولة وعن حرية الرأي وعن العدل والحق وهو يحاول جهده أن يتجرد من ذلك كله ويحاربه ويكره حملته ومعتنقيه يحدثك عن الحضارة وعن التقدم وعن التكنولوجيا وعن البحث العلمي وعن الإنتاج والتصنيع والاكتفاء الذاتي وهو يعيش في القرون الجاهلية ويتعشقها ويهيم بها جداً..الخ.. وللخروج من هذه الثقافات المزرية والوضعية المقيتة تتأكد الحاجة إلى ثقافة التسامح لأنه لا يمكن الوقوف ضد هذه النزعات إلا بتعميق خيار التسامح لأنه الخيار الوحيد الذي يساهم في إعادة صياغة علاقة الإنسان بأفكاره وعقائده.. فالتعصب الأعمى للذات وأفكارها وعقائدها هو الذي يدفع الإنسان للتجاوز على حقوق وكرامات الآخرين وثقافة التسامح هي التي تضبط علاقة الإنسان بعقائده وأفكاره.. لهذا فان الساحة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى هذه الثقافة التي ترد من فضائنا الاجتماعي والثقافي والسياسي كل مظاهر العنف وأشكال الإلغاء والنفي.. وعليه فان التسامح الذي يقود إلى التعايش والاستقرار الاجتماعي وتطوير أواصر وأسباب التعاون وهو الدعوة الصافية التي توحي للإنسان في كل زمان ومكان أن مهمته في الحياة هي أن يثير في الإنسانية عوامل الخير ويلتقي بها في عملية استثارة واستثمار.. بدلاً من عوامل الشر التي تهزم ولا تعني وتضر ولا تنفع شعاره الذي يرفعه في كل مكان وزمان موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله.. فالإسلام بقيمه ومبادئه وتجربته المجيدة والمنهج النبوي مليء بالقصص والنماذج على سماحة الإسلام وسعي الرسول صلوات الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام والصحب الكرام رضوان الله عليهم من المهاجرين والأنصار من أجل استيعاب مخاليفهم والإحسان إليهم, والعفو عن المسيء, وحسن الظن بالناس.. فالتسامح وفق المنظور الإسلامي فضيلة أخلاقية وضرورة مجتمعية وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها لتتجلى رقة وحنانا واستيعاباً ذلك أن الله تعالى يذكر نبيه بالقاعدة الذهبية التي جعلته داعية ناجحاً ومقبولاً ويؤكد له أن حيازته هذه السجية إنما هي بفضل من الله وتوفيقه, قال تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".. وفي هذا الجو المفعم بالأخلاق وطيب القلب ينطق السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي- حفظه الله- باعتباره قائد الثورة وربان المسيرة القرآنية والقيادة السياسية الحكيمة ومن خلال المنظمة القيمية في القرآن الكريم كسلوك وموقف ليس منة أو دليل ضعف, بل هي من مقتضيات وقيم من يحمل هم الأمة, مستنيراً بثقافة القرآن الكريم التي هي السياج القانوني والإجرائي لتحمي هذه القيمة وتوفر لها الإمكانية الحقيقية لكي تستنبت في التربية الاجتماعية بعزة الإسلام والحرية التي لا تقبل الذل والخضوع والخنوع إلا لله سبحانه وتعالى. .... يتبع