منذ أقدم العصور والبحر الأحمر يعد شرياناً حيوياً للمواصلات ووسيلة للتبادل التجاري والحضاري بين البلدان المحيطة به من جانب , وبينها وبين البلدان الأخرى من جانب آخر.. ومع اتساع نطاق التبادل التجاري خارج النطاق المحيط به وخاصة بين الشرق والغرب ازدادت أهمية هذا البحر , وتطلعت الدول التجارية للسيطرة عليه كطريق حيوي لنشاطها التجاري الذي أصبح يمثل عصب حياتها الاقتصادية فاهتم الأوربيون بتجارة هذه المنطقة وسلعها فقاموا بنقلها إلى أوربا وترويجها في بلادهم حتى اصبحت تدر لهم أرباحاً طائلة فزاد ذلك من نشاط الحركة التجارية في البحر الأحمر. قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح كانت تجارة الشرق تنقل عبر ثلاث طرق الطريق الأوسط تنقل فيه البضائع بحراً إلى هرمز, ومنها إلى شط العرب فبغداد وتحملها القوافل إلى حلب وأنطاكيا والشام , وأحياناً القاهرةوالإسكندرية, والطريق الجنوبي على البحر الأحمر تحمل فيه البضائع على السفن العربية من الهند والشرق الأقصى إلى سواحل البحر الأحمر, ومنها تنقلها القوافل إلى القاهرةوالإسكندرية . أما الطريق الثالث فهو متشعب من الهند والصين ويخرج عن نطاق موضوعنا. الصراع المملوكي البرتغالي العثماني : كان البرتغاليون أول الأوربيين الذين نزلوا في منطقة البحر الأحمر والشرق الأوسط عموماً, وذلك ضمن موجة الاستكشافات التي اجتاحت تفكير البرتغاليين في منتصف القرن الخامس عشر . ولقد كان الدافع الأساسي بالطبع هو الاستفادة من تجارة المنطقة بالإضافة إلى سبب آخر وهو ذو طابع ديني فقد أفادت التقارير التي وصلت إلى ملك البرتغال بوجود إمبراطورية غنية ومتمدنة يحكمها ملك مسيحي يدعى القديس يوحنا وكان الأمير هنري الملاح يعتقد أنه إذا تم للبرتغال الاتصال بهذا الإمبراطور وبلاده الأسطورية سوف يتمكنا أي البرتغال والحبشة من كسر أجنحة الإمبراطورية العثمانية النامية وتبعاً لذلك فقد ارسل الملك جون الثاني ملك البرتغال في عام 1486م بارتولوميو دياز في رحلة دار فيها حول رأس الرجاء الصالح , مهدت الطريق الى الرحالة فاسكودي جاما الذي قام برحلته حول رأس الرجاء الصالح في سنة 1497م ماراً بالساحل الشرقي لإفريقيا ثم شرقاً حتى وصل الهند , وبهذا يكون دي جاما قد وصل إلى أوربا وشرق إفريقيا والجزيرة العربية بطريق جديد ذي تأثير مباشر على تجارة المنطقة . واضح أن وصول البرتغاليين إلى هذه المنطقة لم يقتصر على أهداف تجارية فحسب بل أتسم أيضاً بالطابع الديني حيث كانت زيارة بيرودي كوفل هام إلى الحبشة بداية لسلسلة من البعثات التبشيرية إلى الحبشة , والتي لم تقتصر على تنصير الوثنيين بل تعدت ذلك محاولة إحلال المذهب الكاثوليكي محل المذهب القبطي اليعقوبي التابع للكنيسة الشرقية (الأثروذكس) والتمهيد لسيادة البرتغال في المنطقة . هذا وقد عمد البرتغاليين إلى غلق البحر الأحمر والمحيط الهندي أمام التجارة الإسلامية والعربية باحتلالهم جزيرة سومطرة 1507م حيث جعلوا منها قاعدة للانطلاق نحو البحر الأحمر, وفي هذه الأثناء استمر البرتغاليون في تركيز مواقعهم في الهند وزيادة الضغط على تجارة المنطقة.. وكان البرتغاليون يعمدون إلى إقامة قواعد لهم في كل من عدن, وديو وهرمز وجوا لتحقيق حلم الإمبراطورية البرتغالية في الشرق فلذلك قام البوكويرك في عام 1513م بالإبحار نحو عدن لاحتلالها بعد أن تأكد للبرتغاليين أن مفتاح السيطرة على البحر الأحمر هو عدن وليس جزيرة سومطرة حسبما كانوا يعتقدون فلذلك انتشر الأسطول البرتغالي في مياه البحر الأحمر من أجل إحباط أية محاولة تقوم بها مصر لصد الخطر البرتغالي.. والجدير بالذكر أن الأوضاع السياسية القائمة في المنطقة تقوم على ثلاث دعائم هي: الدولة المملوكية في مصر والحجاز والشام, والإمامة في شمال اليمن ثم دولة الطاهريين في تهامة والجنوب اليمني اللتان كانتا تدينان بالولاء للدولة المملوكية، لذلك كان من الطبيعي أن تتأثر مصالح هذه الدول والتي كانت التجارة دعامة أساسية في اقتصادها بالغزو البرتغالي للمنطقة وسدهم لمنافذ البحر الأحمر. وفي هذه الأثناء قام البوكيرك بمهاجمة عدن محاولاً السيطرة عليها إلا انه لم يفلح في ذلك ثم حاول القيام بمحاولة أخرى ولكن هذه المرة متجهاً إلى جدة إلا أنه لم يستطع الوصول اليها فعاد إلى كمران وبقى فيها مدة شهرين.. يتبع واصل اثناء ها اعماله التخريبية في موانئ البحر الأحمر ثم عاد إلى عدن ثانية وواصل ضربها لمدة خمسة عشر يوماً حتى غادرها إلى الهند في اليوم الرابع من أغسطس 1513م, وبهذا يكون البرتغاليون قد فشلوا من السيطرة على عدن أو الوصول الى جدة وهنا أحس المماليك بخطورة الموقف فقرروا احتلال عدن للوقوف أمام هذا الغزو البرتغالي, بالإضافة إلى قطع الطريق أمام العثمانيين من الدخول إلى المنطقة بحجة حماية الأراضي المقدسة, وكما أن بعض الممالك الإسلامية في المنطقة بدأت تتطلع لحماية الدولة العثمانية فسار الجيش المملوكي إلى الجزيرة العربية حيث وصل إلى كمران (1515م) حيث كان هناك الأمير عبد الوهاب آخر الأمراء الطاهريين الذي رفض التسليم فقرر قائد الحملة مهاجمته فاحتل زبيد وبعض المدن العثمانية الأخرى في 21يونيو 1516م ثم أبحر إلى عدن التي صمدت صموداً الحق العار بالمماليك وهكذا فشل المماليك في الدخول إلى عدن كما فشل من قبلهم البرتغاليون, إلا أن البرتغاليين تمكنوا من السيطرة على بعض المواقع في شواطئ الصومال وشرق أفريقيا وإريتريا وبذلك تمكنوا من امتلاك ناحية التجارة في المنطقة. ومن الاسباب الهامة الأخرى التي ادت إلى تدهور تجارة المنطقة وزعزعة أركان الدولة المملوكية في مصر, بالإضافة إلى الغزو البرتغالي للمنطقة حدث آخر أجمع المؤرخون على أنه من سلسلة الحوادث العظمى التي أثرت على أحولي البلاد الواقعة حول البحر الأبيض المتوسط, ثم العالم كله في آخر القرن الخامس عشر وهو استيلاء العثمانيين على القسطنطينية عام 1453م، وتبعاً لذلك فقد التجار الأوربيون العديد من طرقهم المباشرة إلى المنطقة, فعادوا إلى الطريق البحرية والبرية القديمة, واهمها هو الطريق البحري من الشرق الاقصى إلى البحر الاحمر وله فرعان , يتجه أحدهما شمالاً بعد أن يترك البحر الأحمر عبر سيناء إلى دمشق ثم موانئ البحر المتوسط ويتجه الآخر إلى النيل فالقاهرة ومنها بالنيل أيضاً إلى الإسكندرية فأوروبا. يتبع في الحقة القادمة بإذن الله تعالى