القيادة اليمنية المصرية المشتركة انزعجت من بيان قحطان الشعبي إعلان موعد الثورة في 14أكتوبر وصرحت بالقول لسنا على استعداد لاستعداء بريطانيا التي تحتل الجنوب في أكتوبر 1959 وضع قحطان وفيصل كتيباً باسم حركة القوميين العرب بعنوان "اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية" يعتبر أهم وثيقة سياسية وطنية خلال مرحلة الاحتلال البريطاني لجنوباليمن, وفي هذا الكتيب ظهرت أول دعوة لانتهاج الكفاح المسلح وسيلة لتحرير الجنوب. في مايو 1962م صدر لقحطان كتابه الشهير "الاستعمار البريطاني ومعركتنا العربية في جنوباليمن" (وهو أهم مرجع للباحثين عن حقيقة أوضاع جنوباليمن في زمن الاحتلال البريطاني) وكرر فيه دعوتة القديمة لاقامة الجبهة القومية على مستوى جنوباليمن وشماله لتعمل على إقامة نظام جمهوري في الشمال اليمني ومن ثم الانطلاق لتحرير الجنوباليمني من الاستعمار البريطاني وهذا الكتاب نشر قبل 26 سبتمبر 1962م بنحو أربعة أشهر . تأسيس الجبهة القومية : عقب 26 سبتمبر 1962م انتقل قحطان من القاهرة إلى صنعاء, وبضغط من قادة حركة القوميين العرب باليمن عُين مستشاراً للرئيس عبد الله السلال لشؤون الجنوب المحتل, ثم بضغط من أبناء الجنوب المتواجدين بالشمال لدعم النظام الجمهوري الوليد عُين قحطان رئيساً لمصلحة الجنوببصنعاء (أو ما كان يعرف بمكتب الجنوببصنعاء) حتى تكون له سلطات تنفيذية فيما يتصل بقضايا أبناء الجنوب. وفي فبراير 1963م ترأس اجتماعاً لعدد كبير من أبناء الجنوب الأحرار المتواجدين في الشمال، واعقب ذلك بيان بقيام جبهة لتحرير جنوباليمن المحتل وهي التي أصبح اسمها لاحقاً الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل والتي أصبح قحطان أميناً عاماً لها وظل في هذا الموقع حتى تحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م وظل فيه وهو رئيس لدولة الاستقلال (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وحتى استقالته في 22 يونيو 1969. وقام أثناء حرب التحرير بتمثيل الجبهة القومية في كثير من المؤتمرات والزيارات لدول عربية وغير عربية من المؤيدة لحركات التحرر الوطني، وكانت الجبهة قد تشكلت من عدد من المنظمات السرية في الجنوب أهمها فرع حركة القوميين العرب بقيادة فيصل عبد اللطيف الشعبي . أول بيانات الجبهة القومية : في 13 أكتوبر 1963هاجمت قوات لحكومة الإتحاد الفدرالي للجنوب مجموعة من مشيخة القطيبي بردفان (عادت من الشمال بعد مشاركتها في القتال بالصف الجمهوري) وجاء هذا الهجوم كرد فعل في اليوم التالي لمحاولة بعض من آل لبوزة (وينتمون للقطيبي) اغتيال الشيخ محمود حسن علي لخرم نائب أمير الضالع في مشيخة القطيبي, وقتل في الهجوم الإتحادي اثنان من أهل ردفان (أحدهما الشيخ راجح غالب لبوزة العائد من الشمال) وأصيب أربعة فيما انسحبت القوات الإتحادية سالمة بعد أن عاقبت من حاولوا اغتيال لخرم, وفي مساء اليوم التالي 14 أكتوبر وصلت أنباء المعركة إلى قيادة الجبهة القومية المتواجدة بشمال اليمن (قحطان الشعبي ونائبه بمكتب الجنوب ناصر السقاف) فكتب الشعبي من فوره بياناً باسم الجبهة يعلن ثورة تحرير الجنوب ابتداءً من 14 أكتوبر 1963 وأوصل السقاف البيان إلى إذاعات مصر واليمن فلم تبثه فقد انزعجت القيادة اليمنية والقيادة المصرية باليمن (الحاكم الفعلي باليمن حينئذ وحتى انسحاب القوات المصرية من اليمن في أكتوبر1967) من تحديد موعد للثورة فليستا على استعداد لاستعداء بريطانيا التي تحتل الجنوب. وفي 17أكتوبر صدر بيان عن حكومة الإتحاد حول أحداث ردفان في 12 و 13 أكتوبر فكتب الشعبي في 18 أكتوبر بياناً آخر باسم الجبهة يحمس أبناء الجنوب وبخاصة أبناء ردفان لمقاومة الاحتلال البريطاني وحكومة الإتحاد ولم يحدد فيه يوم بدء الثورة ولكنه بشر بقرب حدوثها, وبعد مماطلات وافقت السلطات المصرية على مضض على بثه من إذاعات مصر واليمن فبث في 26 أكتوبر! وكان الهدؤ قد ساد ردفان فأشعل بيان الجبهة الفتيل فاندلعت انتفاضة قبلية في ردفان ضد القوات البريطانية والإتحادية ووفر قحطان الدعم بكافة اشكاله للمقاتلين هناك وجعل من ردفان أول جبهة قتال في ثورة التحرير, وعين لها قائداً من دثينة هو عبد الله المجعلي (لاحقاً ترك الجبهة القومية إلى جبهة التحرير التي أنشأها جهاز الاستخبارات المصري في يناير 1966 بهدف أن تكون بديلا للجبهة القومية لأن قيادتها لم تكن ترضخ لرغبات القاهرة. وفي 1967م توفي المجعلي بالشمال اليمني في حادث مروري). إيصال أول دعم من الشعبي لجبهة ردفان: قدم قحطان الشعبي أول دعم "شخصي" للمقاتلين بردفان وكان عبارة عن 25000 (خمسة وعشرين ألف) طلقة رصاص من أصل 30000 (ثلاثين ألف) طلقة كان قد سلمها للملازم ثابت علي مكسر الصبيحي لاستخدامها في الصبيحة, حيث كان مخططاً أن تنطلق حرب التحرير من هناك وفجاءت أحداث ردفان , ولم يفوتها الشعبي وقام بتحويلها من مجرد انتفاضة قبلية إلى ثورة مسلحة لتحرير الجنوب كله, فأمر الملازم ثابت بنقل 25000 طلقة إلى ردفان لدعم المقاتلين, ونفذ ثابت المهمة بسرعة ونجاح . - في يناير 1964 أوصل قحطان الشعبي بنفسه إلى جبهة القتال بردفان (عبر قعطبة) أول قافلة دعم عسكري وإنساني مقدم باسم الجبهة القومية وحملت الدعم قافلة من الدواب وكان هو يسير على قدميه. شارك قحطان في عدد من معارك جبهتي ردفان والضالع. ودخل متخفياً إلى مستعمرة عدن عشرات المرات خلال حرب التحرير, وكان في حي المنصورةبعدن عندما وقع الاقتتال الأهلي الأول في سبتمبر 1967 بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وكاد أن يقتل فيها عندما سقطت قذيفة على المنزل الذي كان يقيم فيه مع بعض مناضلي الجبهة القومية فغادروا إلى حي الشيخ عثمان, وقد انتابت عبد الفتاح إسماعيل حالة من القشعريرة مع حُمى عقب سقوط القذيفة وعندما غادروا إلى الشيخ عثمان بسيارة فإن الدوريات البريطانية أوقفتها أكثر من مرة للتفتيش فكان قحطان يشير إلى عبد الفتاح ويقول بأنهم ذاهبون لإسعافه فكان الأنجليز يرثون لمنظر عبد الفتاح المتهالك فيتركون السيارة تمر سريعا بدون تفتيش وكان قحطان يضحك ويقول "والله نفعتنا يا عبد الفتاح بحالتك هذه". المخابرات المصرية تشكل تنظيماً موازياً للجبهة القومية وتحتجز قحطان وفيصل: في 13 يناير 1966 وبترتيب من المخابرات العامة المصرية بقيادة صلاح نصر تم الإعلان عن قيام تنظيم سياسي جديد هو "جبهة تحرير جنوباليمن المحتل" التي ضمت عدداً من السلاطين والأمراء السابقين وبعض الشخصيات السياسية التي عارضت أسلوب الكفاح المسلح عندما بدأت ثورة14أكتوبر, وبموافقة وتوقيع عضو واحد من قيادة الجبهة القومية (علي السلامي) تم ضم الجبهة القومية إلى جبهة التحرير, فأعلن قحطان الشعبي من القاهرة عدم شرعية ضم الجبهة القومية إلى جبهة التحرير وقال "إن اندماج الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل مع أي تنظيم آخر-إذا ما وجد هذا التنظيم- لن يقرره حسب ما ينص عليه الميثاق الوطني للجبهة القومية والنظام الداخلي لها عضو قيادي أو عضو عادي من أعضائها أو مجموعة منها، ولا يقرره حتى مجلسها التنفيذي أو مجلسها الوطني، بل يقرر المؤتمر الوطني للجبهة القومية الذي يضم المجلس التنفيذي والمجلس الوطني وممثلين لكل قواعد الجبهة العسكرية والشعبية", وأعتبر الشعبي أن تلك مؤامرة للقضاء على الجبهة القومية بعد أن أخذت الثورة المسلحة في الجنوب تحقق المزيد من الانتصارات' وعلى إثر ذلك احتجزته السلطات المصرية (منعته من مغادرة مصر) كما احتجزت رفيق دربه فيصل عبداللطيف الشعبي. فيصل يضلل المخابرات المصرية ويغادر القاهرة لعقد مؤتمر للجبهة القومية : بعد نحو 9 أشهر من احتجازه هو وقحطان, تمكن فيصل الشعبي من تضليل الأجهزة المصرية وغادر إلى بيروت ومنها إلى الجنوب عبر تعز وعقد بأواخر نوفمبر 1966 المؤتمر الثالث للجبهة القومية في منطقة "حُمر" باليمن الشمالي والقريبة من "قعطبة" وأقر المؤتمر فصل الجبهة القومية عن جبهة التحرير, وظل قحطان محتجزاً بمصر حتى وقعت الهزيمة المصرية السورية الأردنية أمام إسرائيل في حرب 5 يونيو 1967 فأعادت القاهرة النظر في سياساتها الداخلية والخارجية واستقبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر المناضل قحطان الشعبي واعتذر له عن احتجازه بمصر وعن الموقف المصري من الجبهة القومية محملا المسئولية لمدير جهاز المخابرات العامة المصرية "صلاح نصر" لأنه كان يضلله بمعلومات خاطئة عن الجبهة القومية وعن ما يحدث في الجنوب, ومن ثم سمح عبد الناصر للشعبي بمغادرة مصر فغادرها في أغسطس 1967 إلى الجنوب عبر تعز ومصطحباً معه العضو القيادي بالجبهة القومية عبد الفتاح إسماعيل الذي كان قد انضم إلى جبهة التحرير وهجر اليمنجنوبا وشمالا منذ شهر مايو 1966 واستقر في العاصمة المصرية رافضاً حتى العودة لليمن للمشاركة في أعمال المؤتمر الثاني للجبهة القومية المنعقد في "جبلة" باليمن الشمالي في يوليو 1966 والمؤتمر الثالث المنعقد في "حُمر" في نوفمبر 1966! - الجبهة القومية تتولى السلطة في سلطنات الجنوب: منذ يونيو 1967 أخذت الجبهة القومية في الاستيلاء على السلطة في السلطنات والإمارات والمشيخات فيما لم تنجح جبهة التحرير في الاستيلاء على السلطة في أي منطقة فقام مقاتليها في عدن بمهاجمة رجال الجبهة القومية في 3 نوفمبر 1967 واستمر الاقتتال الأهلي بين الجبهتين في عدن إلى 6 نوفمبر عندما شارك الجيش والأمن العربيين في القتال في صف الجبهة القومية التي كان لها تنظيم واسع داخلهما وهو ما كانت تفتقده جبهة التحرير، ولقيت جبهة التحرير هزيمة فادحة في الاقتتال الأهلي وهربت فلول مقاتليها إلى اليمن الشمالي, وهكذا سيطرت الجبهة القومية في 6نوفمبر 1967على كامل أرجاء عدن (باستثناء الأماكن التي تجمع فيها البريطانيون) ولأنها كانت قد استولت أيضاً على السلطة في السلطنات والإمارات والمشيخات لذا أضطر البريطانيون للاعتراف بأن "الجبهة القومية صارت هي الحكومة الفعلية في الجنوب العربي", وترأس قحطان الشعبي وفد من الجبهة القومية إلى مباحثات الاستقلال بجنيف أمام الوفد البريطاني برئاسة اللورد شاكلتون.