ما أن وضعت الانتخابات اليمنية التي جرت مؤخراً أوزارها حتى بدأت الحكومة إجراءات عملية تصب في اتجاه تنفيذ برامج اقتصادية وإصلاحية طموحة تسعى من خلالها لإحداث نقلة نوعية ومتقدمة والدخول أفاق اقتصادية مفتوحة ترفع المستوى المعيشي للمواطن اليمني وتحدث قفزة كبيرة في مستوى النمو الاقتصادي من خلال إعطاء دور اكبر للقطاع الخاص والتسريع بتنفيذ الأجندة الوطنية للإصلاحات التي تستهدف البناء المؤسسي للدولة والحد من الفساد وإصلاح أجهزة الدولة لتحقيق الحكم الرشيد وتعزيز اللامركزية وكذا تأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج التكاملي مع اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي من خلال تحسين قطاعات البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية بما يجسد أوجه التكامل الاقتصادي الذي يشمل مختلف القطاعات الاقتصادية وسوق العمل ورأس المال في إطار البرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح الذي فاز بولاية رئاسية جديدة والخطة الخمسية الثالثة للتنمية في اليمن 2006- 2010. وتتطلع اليمن إلى دور فاعل من جانب المجتمع الدولي والدول المانحة في دعم خطط وبرامج التنمية ومساعدتها على بلوغ تلك الطموحات , خصوصا بعد ان استطاعت اليمن بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أن تنال ثقة المجتمع الدولي واستقطاب الدعم للتنمية‘ وكذا إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بضرورة تأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج مع اقتصاديات هذه الدول, وأسهمت التطورات المتلاحقة التي شهدت المنطقة العربية وكذا المتغيرات العالمية في اتضاح الصورة الجلية بأهمية اليمن بعمقها الاستراتيجي والأمني والسكاني لتعزيز الاستقرار والتنمية في دول الخليج العربي , وهو ما أكدت عليه دراسة لصندوق النقد الدولي بان انضمام اليمن الكامل إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي سيكون له انعكاسات ايجابية على الإقليم بشكل عام، جراء الزيادة الحاصلة في عدد السكان والتوسع في الأسواق بأكثر من50% , وأشارت الدراسة التي أعدها فريق من خبراء الصندوق بعنوان ( المنافع الاقتصادية لتوسيع مجلس التعاون لدول الخليج العربية) ،إلى أن حصول اليمن على عضوية كاملة في مجلس التعاون الخليجي سينعكس في خلق أسواق كبيرة وخفض أو إلغاء تكاليف الدخول والانتقال للأفراد والشركات، وكلاهما سيعمل على تشجيع دخول شركات جديدة إلى هذه الأسواق، ما سيؤدي إلى تقليص قوة وهيمنة الشركات القائمة في الأسواق الحالية وبالتالي زيادة المنافسة. وأوضحت الدراسة بأن من أبرز الفوائد المحتملة على المدى البعيد لعملية الانضمام، إتاحة توسع الأسواق واستغلال الشركات للاقتصادات الكبرى، إذ يؤدي التكامل الاقتصادي الإقليمي إلى التغلب على الآثار السلبية للاقتصادات الصغيرة وتسهيل الوصول إلى الأسواق، كما تؤدي المنافسة إلى خفض الشركات للأسعار وزيادة المبيعات، الأمر الذي يعود بالفائدة على المستهلكين، وبالتالي تحسن مستوى المعيشة على مستوى الإقليم، إضافة إلى خفض أسعار تحويل العملة الوطنية، وتحقيق فوائد إضافية للمستهلكين. وقد بدأت دول الخليج توجهات جادة نحو مساعدة اليمن لإحداث نقلة تنموية حيث تجري اليمن ترتيبات حاليا بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لعقد مؤتمر المانحين الذي تقرر عقده في العاصمة البريطانية لندن منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري , وتعول اليمن والأمانة العامة لمجلس التعاون على ان يعمل المؤتمر على حشد اكبر قد ممكن من التمويل الدولي للمشاريع والخطط التنموية التي جدولتها اليمن في إطار الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لتنفيذها خلال الأعوام 2006 – 2010. وفي إطار الخطوات العملية التي بدأتها الحكومة اليمنية في اتجاه تنفيذ ما تضمنه البرنامج الانتخابي للرئيس صالح‘ تم تشكيل لجنة من المتخصصين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفنية والقانونية وغيرها‘لوضع برنامج زمني تفصيلي لتنفيذ ذلك البرنامج والذي كان متوائماً مع الخطة الخمسية لليمن في مكافحة الفقر والفساد و الإرهاب وكذا امتصاص البطالة وتهيئة المناخات لاستقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال العربية والأجنبية وتفعيل دور القطاعات الاقتصادية الواعدة.. وقد سارع الرئيس علي عبدالله صالح في أعقاب فوزه الكاسح في الانتخابات كرئيس للبلاد للسنوات السبع المقبلة إلى تأكيد التزامه بتنفيذ ما تضمنه برنامجه الانتخابي ،وقد بدأت ملامح هذا الالتزام تتجسد من خلال توجيهات صدرت إلى الحكومة بالبدء بتنفيذ مصفوفة إصلاحات تشريعية لكافة الاختلالات الاقتصادية والمالية والإدارية وتعزيز آلية مكافحة الفساد وحماية المال العام . وفي هذا الإطار وجه الرئيس علي عبدالله صالح الحكومة بسرعة تقديم مشروعي قانون المزايدات والمناقصات وقانون مكافحة الفساد إلى مجلس النواب لمناقشتهما واقرارهما.. وتأتي توجيهات الرئيس صالح امتداد لصدور قانون الذمة المالية مؤخرا وذلك بهدف ترجمة كافة الخطط بشكل عملي في اجتثاث الفساد واستكمال عملية الإصلاحات بشكل يتوازى مع المشروعات الاقتصادية الطموحة التي تنوي اليمن تنفيذها سواء في مكافحة الفقر وامتصاص البطالة ورفع وتيرة التنمية أو جذب الاستثمارات العربية والأجنبية إلى اليمن . كما تهدف أجندة الإصلاحات التي وعد الرئيس صالح بتنفيذها في برنامجه الانتخابي إلى تحسين بيئة الاستثمار في اليمن عبر مجموعة من الإجراءات التي تعزز الشفافية ومكافحة الفساد وترسخ سيادة القانون . وحظيت الخطوات التي تم اتخاذها حتى ألان على صعيد الإصلاحات ومكافحة الفساد بتقدير وإشادة من جانب العديد من الدول والجهات الدولية المانحة. ويرى المراقبون إن هذه الخطوات ستعزز من فرص نجاح حصول اليمن على دعم كامل لحزمة الإصلاحات التي ستقدمها إلى مؤتمر المانحين ضمن مشروع لدعم وتأهيل الاقتصاد اليمني خصوصا بعد النجاح الذي حققته الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت في 20سبتمبر المنصرم ‘وكان الرئيس صالح قد حدد ملامح المرحلة المقبلة التي سيعمل على تنفيذها عقب أدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان اليمني.. مؤكداً أن الأولويات في المرحلة المقبلة تنفيذ البرنامج الانتخابي وفق برنامج تفصيلي تضعه الحكومة ‘ بما في ذلك تقييم الأداء في كافة مؤسسات وأجهزة الدولة وإجراء التغييرات المناسبة على ضوء ذلك , ومواصلة جهود التنمية والبناء الاقتصادي وتحقيق نهضة زراعية وصناعية في الوطن , والأخذ بأيدي الفقراء من الرجال والنساء ومكافحة الفقر وإيجاد فرص عمل للعاطلين وتنفيذ العديد من المشاريع الصغيرة والكبيرة وتوزيع الأراضي الإسكانية والزراعية وتبني إنشاء مدن سكنية للمواطنين والمواطنات من ذوي الدخل المحدود والتوسع في شبكة الأمان الاجتماعي وصندوق الرعاية الاجتماعية وتشجيع الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي وخاصة الاستثمارات التي توفر فرص عمل كبيرة , متوعدا بمكافحة الفساد السياسي و الإداري و الاقتصادي وتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين والمتنفذين وتفعيل دور السلطة وتفعيل دور السلطة التشريعية وجهاز الرقابة والمحاسبة في هذا المجال , وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار والاهتمام بالمؤسسة الأمنية والعسكرية ومنتسبيها لأنها صمام أمان الثورة والوحدة والحرية والديمقراطية والشرعية الدستورية. وكما أكد الشيخ سلطان سعيد البركاني رئيس الكتلة المؤتمر الشعبي العام –الحاكم_ في مجلس النواب‘فإن البرلمان سوف يركز خلال الفترة القادمة على مناقشة و إصدار قوانين المناقصات و المزايدات و أنشاء الهيئة الفنية المختصة بذلك إضافة إلى قانون مكافحة الفساد و حيازة الأسلحة و هي القوانين التي يجب ان يناقشها المجلس ويبت فيها قبل البدء بمناقشة الميزانية العامة للدولة. ويمكن القول إن توجهات المرحلة القادمة للبرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح وخطة عمل الحكومة في سياق تنفيذ هذا البرنامج قد أعطت الحيز الاكبر لهموم التنمية وتطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق نقلة كبيرة في جذب الاستثمارات وتنفيذ مشروعات ستراتيجية في قطاعات مختلفة وتشغيل الأيدي العاملة من الشباب وتوزيع الأراضي وبناء المدن السكنية لمحدودي الدخل والاهتمام بتوسيع مشاركة المرأة. وفي إطار الخطوات التنفيذية للبرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح‘كذلك فقد صدرت توجيهات باتخاذ إجراءات عملية لتنفيذ عدد من مشروعات المدن السكنية للفئات المتوسطة ومحدودي الدخل في عدد من المحافظات اليمنية ‘وتم في هذا السياق تكليف الجهات المختصة بإعداد التصاميم والرسومات والمخططات الفنية الخاصة بهذه المشروعات التي سيتم تنفيذها خلال المرحلة الأولى في عدد من المدن الرئيسية والثانوية ذات الكثافة السكانية العالية ،وذلك بالتنسيق مع بنك التسليف للإسكان الذي سيتولى توفير التمويلات اللازمة لتلك المشروعات‘التي تم البدء بإجراءات عملية لتنفيذها من خلال عملية تنسيق بين كل من وزارة الأشغال العامة والطرق و الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني وبنك التسليف للإسكان.