يبدو أن الأوضاع في حوض البحر الأسود لا تزال تتجه نحو مزيد من التعقيد، في ظل عدم توصل كييف وموسكو إلى اتفاق يخفض حدة التوتر بين الطرفين، وذلك رغم محاولات الوساطة والتفاوض التي يقودها قادة لدول أجنبية. ووسط حشد عسكري روسي يُعَدّ الأكبر من نوعه منذ سنة 2014 على الحدود الأوكرانية وفي شبه جزيرة القرم، تلوح نُذُر حرب جديدة في الأفق بين الطرفين، تتبادل فيها روسياوأوكرانيا الاتهامات بخرق الهدنة الهشة المبرمة بينهما. وكانت قد استمرت الاشتباكات العسكرية منذ أسابيع في منطقة دونباس إثر مقتل جنود أوكرانيين على يد الانفصاليين الموالين لروسيا، في اشتباك ليس الأول من نوعه، وسرعان ما تطورت المواجهة بين الطرفين رغم إنكارهما عبر القنوات الرسمية، نية شنّ حرب واتهام كل طرف للآخر بمحاولة الاستفزاز وإثارة الصراع. ادّعت موسكو أنها قامت بنشر قواتها للقيام بمناورات عسكرية، إلا أن محللين ومراقبين يعدّون هذه التحركات ليست من باب المناورات ولا من باب القيام بإعادة الانتشار، بل محاولة لزعزعة الأمن والقيام بعمليات استفزازية. وأعادت التحركات الأخيرة والحشد العسكري، مخاوف كييف وعدد من العواصم الغربية، من أن تقوم روسيا بمحاولة غزو جارة لها، بعد أن قامت في السابق بضمّ شبه جزيرة القرم إلى أراضيها بشكل غير قانوني. وفي السياق ذاته صرّح رئيس هيئة الأركان العامة الأوكراني رسلان خومتشاك في كلمة له أمام البرلمان يوم 30 مارس/آذار الماضي،بأنه يوجد نحو 28 كتيبة روسية في شمال وشرق الحدود الأوكرانية وشبه جزيرة القرم، وفي ذلك تهديد صارخ للأمن العسكري لأوكرانيا، الأمر الذي دفع بأوكرانيا إلى تحشيد دعم سياسي أمريكي وأوروبي، لمجابهة التهديد الروسي. في أي اتجاه يمضي التصعيد؟ قد يبدو الحشد العسكري الروسي في ظاهره مجرد جولة من التصعيد السياسي، بخاصة أنه لم يتطور حتى الوقت الحالي إلى إعلان صريح بشن الحرب، وذلك باستثناء بعض المواجهات بين الجانب الأوكراني والانفصاليين المواليين لروسيا، وخرق الطرفين لوقف إطلاق النار، إلا أن موسكو لا تستبعد الخيار العسكري في الوقت ذاته لحماية مُواليها. وفي سياق الأزمة بين روسياوأوكرانيا، أعلنت جهات رسمية عن عبور مرتقَب لسفن أمريكية باتجاه البحر الأسود عبر مضيق البوسفور، وذلك وفق معاهدة مونترو، وأن السفن الأمريكية من المقدر أنها ستبقى في البحر الأسود إلى الرابع من مايو/آيار المقبل، ويعتبر ذلك أكبر وجود أمريكي في الممر المائي منذ ثلاث سنوات. وأفادت جهات رسمية روسية بأن حلف شمال الأطلسي "ناتو" زاد أنشطته العسكرية مؤخراً على حدودها، إذ أعلن مسؤولون في الأسطول السادس الشهر الماضي، أن سفناً من مجموعة "آيزنهاور كاريير سترايك" قامت بدورية في البحر الأسود مع طائرات أمريكية وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، كما تم تدريب مدمرة وطائرة استطلاع تابعة للبحرية في البحر الأسود في يناير/كانون الثاني الماضي. لذلك ترى موسكو أن عليها أن تتخذ بعض الإجراءات اللازمة لما اعتبرته ضمان أمن حدودها، وأن إرسال السفن الحربية جاء في إطار عمليات التفتيش لتفقُّد جاهزية القوات العسكرية في المنطقة. من جانبها عبّرت واشنطن عن تزايد قلقها بشأن الحشد المفاجئ للقوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، ودعا الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى خفض التوترات، مشدداً على دعم أمريكا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. وفي ذلك صرح المتحدث باسم البحرية الأمريكية كايل رينز بأن الانتشار في البحر الأسود "يوضح أننا نقف مع حلفاء وشركاء الناتو للحفاظ على بيئة أوروبية آمنة ومزدهرة". ولكن تداركت الولاياتالمتحدةالأمريكية ذلك بإلغاء عبور السفينتين الحربيتين الأمريكيتين المضايق التركية باتجاه البحر الأسود الخميس 15 أبريل/نيسان، وأعلمت بذلك وزارة الخارجية التركية، لتكون رسالة نية حسنة وتجعل الحل الدبلوماسي للأزمة أمراً ممكناً.