ذكرنا في الحلقات السابقة الرسائل المتبادلة بين حاكم عدن ووزارة المستعمرات بخصوص طلب الإمام يحيى حميد الدين بأن تضم مطالبته بالجزر اليمنية في البحر الأحمر .. وبعد سلسلة من اجتماعات اللجان في وزارة المستعمرات البريطانية بين عدد من مندوبي الوزارات المختلفة بما في ذلك مندوب وزارة الخارجية , أرسلت وزارة المستعمرات برقية سرية إلى المقيم في عدن تحمل الرد على رسالته المؤرخة 22أكتوبر 1932م , والتي تتضمن فحوى الرسالة التي أرسلها إلى الإمام " وتحمل البرقية السرية عدة تعليمات هامة إذ على المقيم في عدن ألا يعطي للإمام أية ترضية فعلية بالنسبة للجزر وهي غير الصخور والجزيرات القريبة من الساحل اليمني التي بما يقصدها الآن – وتخبره أنك (أي المقيم ) سوف ترفع مطالبته بالجزر إلى حكومة صاحب الجلالة الملك , وعلى أن يكون واضحاً أنه ليس هناك أي سبب لتفرض أن حكومة صاحب الجلالة الملك قد تستطيع اتخاذ أية خطوة في هذا الصدد وأشارت البرقية ايضاً أن الحكومة البريطانية غير مستعدة الآن تشير إلى رأيه (رأي الإمام ) في مسألة الجزر إلى باقي الدول الموقعة على معاهدة لوزان . وعاد المقيم بعدئذ على خطاب الإمام – المؤرخ 1351هجرية الموافق16\يناير\ 1932م الذي يوافق على ما جاء بالمادة الثالثة في مشروع المعاهدة بخصوص الحدود أما بالنسبة للجزر فإنه يريد تسوية أوضاعها بالعدل ويريد أن يدرج فقرة في المعاهدة تحفظ حقنا في تلك الجزر وترى أننا بحكم مسئوليتنا لا نقر أي تغيير فيه إجحاف بحكومتنا في الحاضر أو في المستقبل ونريد نصيغ عبارة تحقق هذا الغرض ولا شيء غير ذلك . وقد ردت وزارة المستعمرات إلى المقيم برأيها بشكل عام في خطاب الامام وقد جاء فيه بخصوص الجزر إن حكومة صاحب الجلالة لايمكن أن تضم إلى المعاهدة أية إشارة إلى الجزر وينبغي على المقيم أن يخير الإمام أنه بعد عقد تلك المعاهدة وعندما يصبح مستقبل هذه الجزر التي عند النهاية الجنوبية للبحر الأحمر والتي تشملها المادة (16) من معاهدة لوزان وعندما يكون موضوعها معروضاً للبحث سيؤخذ بالاعتبار جميع آراء الإمام التي يرغب في وضعها بهذا الخصوص وأنهت وزارة المستعمرات برقيتها بأن على المقيم أن يخبر الإمام بأنه ليس هناك أية تنازلات لدى حكومة جلالة الملك لتتقبل آراء الإمام فيما جاء بمشروع المعاهدة عموماً وأنه إذا حاول الضغط بمقترحاته أبعد من ذلك بأن المراسلات سوف تتوقف. ويلاحظ أن وزارة المستعمرات قد تعمدت ألا تسمي الجزر المقصودة بل حددتها بالمواقع وبارتباطها بالمادة (16) من معاهدة لوزان ولعل هذا يرجع إلى ملاحظة المقيم البريطاني رايلي الذي أشار إلى إن الإمام لم يذكر أسماء الجزر التي يطالب بها وذلك كما ذكرنا من قبل . وعندما رفضت الحكومة البريطانية إضافة أية إشارة إلى هذه الجزر بين نصوص تلك المعاهدة وضع الإمام في نهاية تلك المعاهدة المعروضة عليه ملحقاً سرياً تضمن أيضاً الإشارة إلى تلك الجزر وقد ذكر في هذا الملحق أن الجزر اليمنية يجب أن تعود الى اليمن وهي التي حتى الآن لم ترجع إلى أصحابها منذ الحرب العظمى ويجب أن تتعهد حكومة صاحب الجلالة الملك أن تحافظ على هذا الحق وعلى ألآ تساعد في خلق أية صعوبات أمام حقوق اليمن الأساسية والطبيعة . وقد رفضت الحكومة البريطانية إضافة الملحق أيضاً إلى نصوص المعاهدة وإزاء هذه المحاولات جميعها عمد الإمام في يوم 11فبراير 1934م وهو يوم توقيع المعاهدة في صنعاء بينه وبين المقيم البريطاني رايلي أن يوجه إليه خطاباً باسمه يطلب منه رفعه إلى الحكومة البريطانية وجاء في هذه الرسالة بعد الديباجة والحمد لله الذي وفق الطرفين إلى عقد المعاهدة فإننا ونسرع بإخبار سعادتكم بأن الحقيقة طالما لم يكن هناك مناقشات أو إشارات في هذه المعاهدة التي عقدت الآن إلى الجزر التي سبق احتلالها أثناء الحرب العظمى والتي لم ترجع أو تسلم إلى اليمن أمها الحقيقي إن هذا لا يضعف ولا ينقص من حقوق ملكيتنا الأساسية والطبيعية لهذه الجزر ولا يضر بحقنا الكامل والتام في استرجاعها واسترجاع هذه الحقوق , وسيستمر حقنا الواضح والمنطقي ثابتاً إلى الأبد وقد رد عليه مستر رايلي بنفس اليوم بأنه تسلم خطابة الذي به إشارة إلى الجزر وأنه عند عودته إلى عدن سوف يرسل خطاب بدون تأخير إلى حكومة صاحب الجلالة الملك . يقول الدكتور سيد مصطفى سالم لا ندري السبب الذي دفع الإمام يحيى حميد الدين إلى عدم ذكر أسماء الجزر اليمنية التي طالب بها حتى إنتهى من عقد المعاهدة رغم الصعوبات التي وضعتها الحكومة البريطانية ورفضها الإشارة إلى مسألة الجزر بين نصوص المعاهدة أو حتى في ملحقاتها السرية بل اكتفى في الإشارة اليها بأنها الجزر التي احتلت أثنا الحرب العظمى هل يرجع ذلك إلى أنه كان يجهلها أم كان يقصد التعميم فأستعمل تلك العبارة لأنها كانت جزراً كثيرة وتحتوي على صخور وجزيرات ؟ أم أنه يعد نفسه خليفة العثمانيين وأنه يجب أن يرث كل ما خلفوه براً وبحراً أم كان يدرك أن بريطانيا كانت تعرف ما يقصده من ورى تلك العبارة ؟ وكيفما كان الأمر فقد سميت هذه الجزر من قبل على لسان مستشاره للشئون الخارجية القاضي راغب بك غالب وبحضور صالح جعفر الوكيل السياسي لبريطانيا في الحديدة الذي استدعاه الأمام إلى صنعاء فحضر اليها مرتين بموافقة المقيم البريطاني في عدن للمشاركة في شرح بعض بنود المعاهدة مشروع المعاهدة وقد أكد راغب بك أثناء المحادثة أن عبارة " الجزر " لم يقصد بها جزيرة بريم , وقال أنها تشير إلى مجموعة فرسان وكمران وحنيش والجزر الأخرى الأصغر في البحر الأحمر وقد شرح للإمام كما جاء في تقرير مستر رايلي إلى وزارة المستعمرات أن بريطانيا لا تستطيع أن تعقد اتفاقاً منفرداً خاصاً بتلك الجزر دون الرجوع إلى باقي دول الحلفاء الموقعين على معاهدة لوزان .