ما بين اليمنوبريطانيا .. لم يكن صراعاً اعتيادياً , وانما تخطى ذلك الى تعمد السياسة البريطانية سلخ اليمن عن بعضه, وإلى فرض واقع لا يقف عند حدوده الزمني, بل يتحول الى لغم مؤقت يتواصل مع تواصل الزمن وتعاقب الأجيال..وهذا ما تؤكده ايامنا الحاضرة سواء في «الجنوب» أوضياع جزر يمنية عديدة كانت تحت السيطرة البريطانية, وتم منحها لآخرين .. في كتاب الدكتور سيد مصطفى سالم البحر الأحمر والجزر اليمنية «تاريخ وقضية ».. إشارات واضحة الى مجمل ذلك الصراع بين اليمن بقيادة الامام يحيى وبين بريطانيا في عشرينات وثلاثينيات واربعينات القرن العشرين المنصرم .. وتكشف للمتابع ان البريطانيين هم المصيبة التي ابتليت بهم المنطقة ومنها اليمن , وهم اساس كل مشكلة مزمنة في هذه المنطقة التي لم تعرف الاستقرار ولا الهدوء منذ عقود زمنية مضت .., بل ان جار السوء النظام السعودي كان صنيعة بريطانية .. ومازال يحظى برعاية بريطانية الى اليوم .. وقبل العام 1962م , كانت اليمن تلح بمطالبتها بالجزر اليمنية في البحر الاحمر وهذه المطالب المشروعة عكرت الأجواء بين صنعاءولندن , مما دفع بريطانيا الى اعتبار الامام يحيى حاكم عربي غير صديق خاصة بعد فشل بعثة «حيكوب» في الوصول الى صنعاء للتفاوض مع الامام , وكذا فشل كلنتون في عقد معاهدة صداقة مع الامام في يناير العام 1926م بينما نجح غا سبار يني الايطالي في عقد اول معاهدة يعقدها الامام مع دولة اجنبية في سبتمبر من نفس العام .. وكانت بريطانيا قد بدأت الهجمات على اطراف الارض التي تحت حكم الامام , ولكن بعد ان هدأت التوترات قليلاً عادت الاتصالات والمفاوضات بين الامام وبريطانيا , ولم ينس الامام يحيى مطالبته بالجزر اليمنية في البحر الاحمر ولم تتوان بريطانيا في تقديم الحجج المختلفة لتتجاوز هذه المطالبة .. ويقول الدكتور سيد مصطفى سالم : في احدى رسائل المقيم العام مستر وايلي في عدن .. التي رد بها على مذكرة الامام التي تناولت مشكلة الحدود تمهيد اً لعقد المعاهدة بينهما , وكانت مسألة الجزر أولى النقاط التي رد عليها المقيم البريطاني فقد جاء في رسالته الاتي: أولاً هناك اشارة الى الجزر اليمنية ولم تشيروا الى اسماء تلك الجزر التي تقصدونها . ولكني افترض ان الجزر المقصودة هي الجزر التي في البحر الاحمر . ومسألة مستقبل وضع هذه الجزر متعلق بمعاهدة لوزان الموقعة في عام 1923م بين تركيا وبين الحلفاء , وكانت بريطانيا احدى الاطراف الموقعين على هذه المعاهدة لذلك فهي مقيدة بان لا تعقد اي أتفاق بخصوص هذه الجزر دون موافقة حكومات باقي الحلفاء الموقعين على المعاهدة , ولهذا فمن المستحيل على الحكومة البريطانية ان تعقد معكم معاهدة منفردة بخصوص الجزر لا نها مسألة تقرر فقط بموافقة الحكومات المعنية. وهذا هو اللؤم البريطاني الذي يختلق الاعذار ويختلق المبررات لاستمرار تسلطهم وسيطرتهم على اراضي غير اراضيهم وكأن الجزر اليمنية من ممتلكاتهم .. ولم يكتف المقيم البريطاني العام في عدن بهذه المذكرة الى الامام لكنه سارع ورفع الى حكومته في لندن مذكرة , وخطاباً الى وزارة المستعمرات البريطانية بفحوى خطابه الى الامام يحي بخصوص مفاوضات الحدود الجنوبية لليمن وخاصة ما دار حول المادة الثالثة من مشروع المعاهدة المقترحة, كذلك المطالبة بالجزر التي في البحر الأحمر عقب ذلك ارسلت وزارة المستعمرات البريطانية برقية سرية تحمل عدة تعليمات الى المقيم البريطاني في عدن : على المقيم في عدن أن لا يعطي أية ترضية فعلية بالنسبة للجزر , وهي غير الصخور والجزيرات القريبة في الساحل اليمني التي ربما يقصد ها الأن . على المقيم ان يخبر الامام انه سوف يرفع مطالبته بالجزر الى حكومة جلالتة , وعلى ان يكون واضحاً انه ليس هناك اي سبب لتفترض ان حكومة جلالة الملك قد تستطيع اتخاذ خطوة في هذا الصدد . أشارت البرقية ان الحكومة البريطانية غير مستعدة لان تشير الى رأي الامام في مسألة الجزر الى باقي الدول الموقعة وبعد تصلب الامام يحيى بشأن الجزر اليمنية ومراوغة المقيم البريطاني في عدن ورغبة بريطانيا باستيراد ملح الصليف وبناء على علاقة تعاون مع الامام .. ووافق الامام بعقد معاهدة ولكن اشترط ان تتم تسوية اوضاع الجزر اليمنية في البحر الاحمر بالعدل , واصر على ادراج هذه الفقرة في المعاهدة : تحفظ حقنا في تلك الجزر الى الأبد . ونرى اننا بحكم مسئوليتنا لا نقر اي تغيير فيه اجحاف بحكومتنا في الحاضر أوفي المستقبل ونريد ان نصيغ عبارة تحقيق هذا الغرض ولاشي غير ذلك .. وارسل المقيم البريطاني فحوى خطاب الامام الى لندن في 26يناير 1933م . امام حقوق اليمن الاساسية والطبيعية ولكن الحكومة البريطانية رفضت اضافة الملحق الى نصوص المعاهدة .. ولكن الامام لم يعدم وسيلة اخرى الى تأكيد حق اليمن في جزرها.. فعمد الامام في 11فبراير العام 1934م الى ان يوجه خطابا باسمه يطلب من المقيم البريطاني ان يرفعه الى الحكومة البريطانية جاء فيه : نسرع بأخبار سعادتكم بان الحقيقة بانه طالما لم تكن هناك اية مناقشات واشارات في المعاهدة في المعاهدة : التي عقدت الأن الى تلك الجزر التي سبق احتلالها أثنا الحرب العظمى والتي لم ترجع أو تسلم الى اليمن أمها الحقيقي فان هذا لا يضعف من حقوق ملكيتنا الاساسية والطبيعية لهذه الجزر , ولا يضر بحقنا الكامل والتام في استرجاعها واسترجاع هذه الحقوق , وسيستمر حقنا الواضح والمنطقي ثابتاً الى الابد وكان الامام يقصد بذلك ان الخطاب الى الحكومة البريطاني سوف يسجل في الارشيف البريطاني الذي يحرص على حفظ كل المراسلات والمكاتبات الرسمية وبذلك يكون قد ضمن الاشارة ولومن بعيد الى حق اليمن في جزره في البحر الاحمر . يتبع الحلقة القادمة .