شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن 2023 .. عام حسم الخيارات ..!
نشر في 26 سبتمبر يوم 04 - 01 - 2023

من أصعب المقالات وأكثرها مجازفة تلك التي تحاول قراءة المعطيات الحالية لمحاولة استشراف المستقبل، ولكنها في نهاية المطاف تبقى فرضيات وتخمينات مبدئية قد تتحقّق وقد لا تتحقق، ليس من قبيل التنجيم بقدر ما هي محاولة على طريقة أهل البحوث العلمية الذين يحاولون الوصول إلى اليقين من الظنيات.
في نهاية عام 2021، وضعنا سؤالاً استشرافياً عن عام 2022: هل يكون عام تسوية أم حسم؟ لم نخِب ولم نصب، إذ كان خليطاً بين الأمرين، ذلك أن «وقائع ملعونة»- على حدّ توصيف أحد الفلاسفة- جاءت من خارج التوقعات والمقاربات النسقية، وولدت من رحم التحولات الإقليمية والدولية، فأفرزت حالاً من المراوحة بين التسوية والحسم، وتوّجت عام 2022 في الحالة اليمنية بلقب «عام اللاسلم واللاحرب».
ابرز الاحداث
ومن المفيد هنا التذكير بأبرز الأحداث العسكرية والسياسية خلال عام 2022، ووضعها ضمن سياقاتها الإقليمية والدولية، لمحاولة قراءة مآلاتها واستنتاج عواقبها، والله وحده يعلم بما سيكون، وهو وحده من يرسم العواقب.
عام المراوحة بدأ هذا العام عسكرياً بامتياز، انطلاقاً من المعارك البرية الشرسة جداً في مارب وشبوة وما اقتضته من رد يمني حاسم باتجاه العمقين الاستراتيجيين للسعودية والإمارات، فكانت عمليات «إعصار اليمن» الثلاث باتجاه العمق الإماراتي في يناير، و"عمليات كسر الحصار" في الشهر الثالث باتجاه العمق السعودي، جزءاً من الرد على التصعيد العسكري والاقتصادي، وخصوصاً ما يتعلق بالحصار النفطي.
ومع أنّ العمليات شكّلت صدمة استراتيجية لدول العدوان، وخصوصاً أنّها تزامنت قبيل وبعد اندلاع العملية الروسية في أوكرانيا وما ترتب عليها من تبعات على أسعار النفط، فقد قدمت صنعاء من موقع القوة والاقتدار مبادرة سلام في نهاية مارس 2022، في لحظة تاريخية وذهبية كانت ستسلب دول العدوان فرصها في استغلال ارتفاع النفط لسد عجزها المالي وتمويل استثماراتها الداخلية.
الرياض: وقف مفاجئ للعمليات
كابرت الرياض، ولم تردّ على مبادرة صنعاء، لكنَّها أعلنت من جانبها، وبشكل مفاجئ، وقف عملياتها العسكرية في اليمن نهاية مارس 2022، أي قبل يومين من إعلان ممثل الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غراندبرغ سريان الهدنة في أبريل، التي نصت على بنود كثيرة، أبرزها تجميد العمليات العسكرية والسماح بدخول 32 رحلة تجارية من وإلى مطار صنعاء لوجهتين فقط (مصر والأردن) وعدد محدد من السفن النفطية.
انتهت الهدنة، ومُددت مرتان من دون أن تلتزم دول العدوان بما تعهّدت به.
وحين تبيَّن لصنعاء أن لا جدية لدى دول العدوان في معالجة الملفات الإنسانية، فضلاً عن وقف العدوان ورفع الحصار، رأت أنه لا بد من موقف حازم لفرض استحقاقات إنسانية غير قابلة للتسويف والتأجيل، فأحال الوفد المفاوض الملفّ إلى العسكريين الذين ثبتوا بدورهم عمليات حماية الثروة ومنع سرقة النفط وتهريبه عبر الموانئ المحتلة في المحافظات الجنوبية والشرقية.
ارهاب سياسي
وعلى الرغم ممّا رافق تلك العمليات من إرهاب سياسي إقليمي ودولي، فإن صنعاء لم تكترث إلى ذلك، بل لوحت بأنَّ القوات المسلحة جاهزة لخيارات تنهي حالة اللاسلم واللاحرب، لكن المبعوث الأممي والمبعوث الأميركي وبعض الوسطاء الإقليميين حركوا جهودهم الدبلوماسية من أجل احتواء غضب صنعاء.
وفيما انتظرت صنعاء ما ستؤول إليه الجهود على مدى 3 أشهر أعقبت هدنة الأشهر الستة، أدركت أن دول العدوان تماطل في الوقت وتقدم الوعود، فيما الأمور تراوح مكانها من دون حسم، مع تحركات دبلوماسية وعسكرية مشبوهة في المحافظات الجنوبية وفي البحر الأحمر والجزر الاستراتيجية، فجرجرت صنعاء إلى إعلان عدم القبول باستمرار حالة اللاسلم واللاحرب والتلويح بخيارات تأديبية، ثم لم تمضِ سوى أيام حتى أُرسل الوفد السلطاني العماني إلى صنعاء لاحتواء الموقف ومحاولة سد الهوة بين الطرفين، وها هو العام ينتهي من دون حسم في ملف المرتبات، وملف الحصار، وملف الأسرى، وملفات كثيرة.
2022 عام المراوحة
وعلى الرغم من أنّ عام 2022 اتّسم بالمراوحة والمماطلة وشدّ الحبال، فإنه شكّل نقطة تحول نسبية في مسار الحرب الممتدة على مدى 8 سنوات، فبدأ عسكرياً بامتياز. ومع اندلاع الحرب الغربية الروسية في أوكرانيا، وجد المشغلون الكبار أنَّ من مصلحتهم تجميد الملف اليمني أو تبريده أو تهدئته، لا لأجل مصلحة اليمنيين والتخفيف من معاناتهم الإنسانية والاقتصادية الأسوأ في العالم نتيجة ما تركته الحرب من أعباء على اليمن واليمنيين، إنما حفاظاً على مصالحهم، وخصوصاً فيما يتعلّق بالنفط وطرقه البحرية.
ومن ناحية أخرى، اتضح لأقطاب العدوان على اليمن أن الخيار العسكري لم ولن يحسم لهم معركة، ولم يحقق لهم هدفاً.
صنعاء رقم صعب
على العكس تماماً من أهدافهم المعلنة وغير المعلنة، كانت النتائج لمصلحة صنعاء التي تحولت إلى رقم صعب في المعادلة الإقليمية والدولية، وباتت تملك القدرة على التأثير عسكرياً في عصب الاقتصاد الدولي من بوابة سوق النفط العالمية ورد العاصفة إلى العمق الاستراتيجي للدول النفطية. كما أنّ سنوات الحرب والحصار أكسبت صنعاء خبرة إلى خبرتها وقوة إلى قوتها، فذهبت تراكم قدراتها النوعية، وخصوصاً العسكرية منها، لتتحول من قوة محلية إلى قوة إقليمية، ووجدنا خلال العام 2022 ما وصلت إليه صنعاء في هذا المضمار من خلال العروض العسكرية وما كشفت فيها من قدرات نوعية بحرية وجوية وبرية وعدة وعتاد بتنظيم ودقة عاليين أبهرا الصديق قبل العدو، واتضح للجميع أن اليمن دخل مرحلة تحول مرعبة، وبات يلوح بخيارات ذات أبعاد استراتيجية قد لا تتوقف عند حدوده، بعدما ثبّت معادلة حماية الثروة.
2023 عدم قبول حالة اللاسلم واللاحرب
كيف سيكون العام 2023؟ حتى الساعات الأخيرة من عام 2022، كان الموقف الرسمي السعودي من المقترحات التي حملها الوفد العماني نهاية ديسمبر غير واضح، وانتهى العام من دون حسم الملفات التي تعد في العلوم السياسية من بوادر حسن النية وبناء الثقة، أولها الملف الإنساني (المرتبات والحصار والأسرى). وبالتالي، يبقى الأمل معقوداً على أن يتحقّق تقدّم في الأيام أو على الأقل الأشهر الأولى من العام 2023، تثميراً للجهود العمانية التي وصفتها صنعاء بالإيجابية.
وما لم يتحقق تقدم، فإن صنعاء سبق أن أعلنت عدم القبول باستمرار «حالة اللاسلم واللاحرب» إلى ما لانهاية، وهددت بعودة الأمور إلى نقطة صفر. ليس من مصلحة السعودية ولا أميركا ولا الاتحاد الأوروبي أن تعود الأمور إلى نقطة صفر، وأن تفعّل صنعاء خياراتها ومفاجآتها، وخصوصاً إذا ما ربطنا الأمر بالمتغيرات الدولية، إذ لا يبدو أن هناك أفقاً لحسم الأزمة الغربية الروسية في أوكرانيا، بل إنّ انعكاساتها تتشظى سياسياً واقتصادياً، والعرب في أمس الحاجة لتهدئة في منطقة الخليج ومحيطها حفاظاً على مصلحتهم، كما أنَّ اليمن ليس مستعداً لإبقاء مصالح الغرب مع مصادرة حقوقه ومصالحه وانتهاك سيادته، فإن أرادوا الأمن، فعليهم أولاً أن يحترموا اليمن وسيادته وأمنه وكرامة أبنائه. من هذا المنطلق، سنكون أمام عدة فرضيات:
– التوصل إلى تمديد الهدنة مع تحسين شروطها، بصرف المرتبات، وتعدد وجهات الرحلات التجارية، وزيادة عدد السفن النفطية إلى ميناء الحديدة، وربما حدوث تقدم ما في ملف الأسرى.
– استمرار المماطلة والتلاعب بالوقت، وبالتالي إقدام صنعاء على فرض معادلات جديدة، إلى جانب معادلة حماية الثروة.
– المراوحة بين التهدئة والعمليات العسكرية.
– محاولة السعودية الانسحاب من المشهد اليمني عسكرياً، مع الرهان على واقع سياسي وجغرافي مفخخ، وبروز دعوات الانفصال والحشد والحشد المضاد، وتأليب الرأي العام في الداخل اليمني على صنعاء.
بعيداً من هذه الفرضيات والتخمينات، قد يأتي من خارج حسابات السياسية والسياسيين أمر من عند الله يقلب كل الموازين، ويرجّح كفة اليمنيين، والعواقب في نهاية المطاف بيد الله وحده، وإن غداً لناظره قريب.
*علي ظافر / كاتب واعلامي يمني
من أصعب المقالات وأكثرها مجازفة تلك التي تحاول قراءة المعطيات الحالية لمحاولة استشراف المستقبل، ولكنها في نهاية المطاف تبقى فرضيات وتخمينات مبدئية قد تتحقّق وقد لا تتحقق، ليس من قبيل التنجيم بقدر ما هي محاولة على طريقة أهل البحوث العلمية الذين يحاولون الوصول إلى اليقين من الظنيات.
في نهاية عام 2021، وضعنا سؤالاً استشرافياً عن عام 2022: هل يكون عام تسوية أم حسم؟ لم نخِب ولم نصب، إذ كان خليطاً بين الأمرين، ذلك أن «وقائع ملعونة»- على حدّ توصيف أحد الفلاسفة- جاءت من خارج التوقعات والمقاربات النسقية، وولدت من رحم التحولات الإقليمية والدولية، فأفرزت حالاً من المراوحة بين التسوية والحسم، وتوّجت عام 2022 في الحالة اليمنية بلقب «عام اللاسلم واللاحرب».
ابرز الاحداث
ومن المفيد هنا التذكير بأبرز الأحداث العسكرية والسياسية خلال عام 2022، ووضعها ضمن سياقاتها الإقليمية والدولية، لمحاولة قراءة مآلاتها واستنتاج عواقبها، والله وحده يعلم بما سيكون، وهو وحده من يرسم العواقب.
عام المراوحة بدأ هذا العام عسكرياً بامتياز، انطلاقاً من المعارك البرية الشرسة جداً في مارب وشبوة وما اقتضته من رد يمني حاسم باتجاه العمقين الاستراتيجيين للسعودية والإمارات، فكانت عمليات «إعصار اليمن» الثلاث باتجاه العمق الإماراتي في يناير، و"عمليات كسر الحصار" في الشهر الثالث باتجاه العمق السعودي، جزءاً من الرد على التصعيد العسكري والاقتصادي، وخصوصاً ما يتعلق بالحصار النفطي.
ومع أنّ العمليات شكّلت صدمة استراتيجية لدول العدوان، وخصوصاً أنّها تزامنت قبيل وبعد اندلاع العملية الروسية في أوكرانيا وما ترتب عليها من تبعات على أسعار النفط، فقد قدمت صنعاء من موقع القوة والاقتدار مبادرة سلام في نهاية مارس 2022، في لحظة تاريخية وذهبية كانت ستسلب دول العدوان فرصها في استغلال ارتفاع النفط لسد عجزها المالي وتمويل استثماراتها الداخلية.
الرياض: وقف مفاجئ للعمليات
كابرت الرياض، ولم تردّ على مبادرة صنعاء، لكنَّها أعلنت من جانبها، وبشكل مفاجئ، وقف عملياتها العسكرية في اليمن نهاية مارس 2022، أي قبل يومين من إعلان ممثل الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غراندبرغ سريان الهدنة في أبريل، التي نصت على بنود كثيرة، أبرزها تجميد العمليات العسكرية والسماح بدخول 32 رحلة تجارية من وإلى مطار صنعاء لوجهتين فقط (مصر والأردن) وعدد محدد من السفن النفطية.
انتهت الهدنة، ومُددت مرتان من دون أن تلتزم دول العدوان بما تعهّدت به.
وحين تبيَّن لصنعاء أن لا جدية لدى دول العدوان في معالجة الملفات الإنسانية، فضلاً عن وقف العدوان ورفع الحصار، رأت أنه لا بد من موقف حازم لفرض استحقاقات إنسانية غير قابلة للتسويف والتأجيل، فأحال الوفد المفاوض الملفّ إلى العسكريين الذين ثبتوا بدورهم عمليات حماية الثروة ومنع سرقة النفط وتهريبه عبر الموانئ المحتلة في المحافظات الجنوبية والشرقية.
ارهاب سياسي
وعلى الرغم ممّا رافق تلك العمليات من إرهاب سياسي إقليمي ودولي، فإن صنعاء لم تكترث إلى ذلك، بل لوحت بأنَّ القوات المسلحة جاهزة لخيارات تنهي حالة اللاسلم واللاحرب، لكن المبعوث الأممي والمبعوث الأميركي وبعض الوسطاء الإقليميين حركوا جهودهم الدبلوماسية من أجل احتواء غضب صنعاء.
وفيما انتظرت صنعاء ما ستؤول إليه الجهود على مدى 3 أشهر أعقبت هدنة الأشهر الستة، أدركت أن دول العدوان تماطل في الوقت وتقدم الوعود، فيما الأمور تراوح مكانها من دون حسم، مع تحركات دبلوماسية وعسكرية مشبوهة في المحافظات الجنوبية وفي البحر الأحمر والجزر الاستراتيجية، فجرجرت صنعاء إلى إعلان عدم القبول باستمرار حالة اللاسلم واللاحرب والتلويح بخيارات تأديبية، ثم لم تمضِ سوى أيام حتى أُرسل الوفد السلطاني العماني إلى صنعاء لاحتواء الموقف ومحاولة سد الهوة بين الطرفين، وها هو العام ينتهي من دون حسم في ملف المرتبات، وملف الحصار، وملف الأسرى، وملفات كثيرة.
2022 عام المراوحة
وعلى الرغم من أنّ عام 2022 اتّسم بالمراوحة والمماطلة وشدّ الحبال، فإنه شكّل نقطة تحول نسبية في مسار الحرب الممتدة على مدى 8 سنوات، فبدأ عسكرياً بامتياز. ومع اندلاع الحرب الغربية الروسية في أوكرانيا، وجد المشغلون الكبار أنَّ من مصلحتهم تجميد الملف اليمني أو تبريده أو تهدئته، لا لأجل مصلحة اليمنيين والتخفيف من معاناتهم الإنسانية والاقتصادية الأسوأ في العالم نتيجة ما تركته الحرب من أعباء على اليمن واليمنيين، إنما حفاظاً على مصالحهم، وخصوصاً فيما يتعلّق بالنفط وطرقه البحرية.
ومن ناحية أخرى، اتضح لأقطاب العدوان على اليمن أن الخيار العسكري لم ولن يحسم لهم معركة، ولم يحقق لهم هدفاً.
صنعاء رقم صعب
على العكس تماماً من أهدافهم المعلنة وغير المعلنة، كانت النتائج لمصلحة صنعاء التي تحولت إلى رقم صعب في المعادلة الإقليمية والدولية، وباتت تملك القدرة على التأثير عسكرياً في عصب الاقتصاد الدولي من بوابة سوق النفط العالمية ورد العاصفة إلى العمق الاستراتيجي للدول النفطية. كما أنّ سنوات الحرب والحصار أكسبت صنعاء خبرة إلى خبرتها وقوة إلى قوتها، فذهبت تراكم قدراتها النوعية، وخصوصاً العسكرية منها، لتتحول من قوة محلية إلى قوة إقليمية، ووجدنا خلال العام 2022 ما وصلت إليه صنعاء في هذا المضمار من خلال العروض العسكرية وما كشفت فيها من قدرات نوعية بحرية وجوية وبرية وعدة وعتاد بتنظيم ودقة عاليين أبهرا الصديق قبل العدو، واتضح للجميع أن اليمن دخل مرحلة تحول مرعبة، وبات يلوح بخيارات ذات أبعاد استراتيجية قد لا تتوقف عند حدوده، بعدما ثبّت معادلة حماية الثروة.
2023 عدم قبول حالة اللاسلم واللاحرب
كيف سيكون العام 2023؟ حتى الساعات الأخيرة من عام 2022، كان الموقف الرسمي السعودي من المقترحات التي حملها الوفد العماني نهاية ديسمبر غير واضح، وانتهى العام من دون حسم الملفات التي تعد في العلوم السياسية من بوادر حسن النية وبناء الثقة، أولها الملف الإنساني (المرتبات والحصار والأسرى). وبالتالي، يبقى الأمل معقوداً على أن يتحقّق تقدّم في الأيام أو على الأقل الأشهر الأولى من العام 2023، تثميراً للجهود العمانية التي وصفتها صنعاء بالإيجابية.
وما لم يتحقق تقدم، فإن صنعاء سبق أن أعلنت عدم القبول باستمرار «حالة اللاسلم واللاحرب» إلى ما لانهاية، وهددت بعودة الأمور إلى نقطة صفر. ليس من مصلحة السعودية ولا أميركا ولا الاتحاد الأوروبي أن تعود الأمور إلى نقطة صفر، وأن تفعّل صنعاء خياراتها ومفاجآتها، وخصوصاً إذا ما ربطنا الأمر بالمتغيرات الدولية، إذ لا يبدو أن هناك أفقاً لحسم الأزمة الغربية الروسية في أوكرانيا، بل إنّ انعكاساتها تتشظى سياسياً واقتصادياً، والعرب في أمس الحاجة لتهدئة في منطقة الخليج ومحيطها حفاظاً على مصلحتهم، كما أنَّ اليمن ليس مستعداً لإبقاء مصالح الغرب مع مصادرة حقوقه ومصالحه وانتهاك سيادته، فإن أرادوا الأمن، فعليهم أولاً أن يحترموا اليمن وسيادته وأمنه وكرامة أبنائه. من هذا المنطلق، سنكون أمام عدة فرضيات:
– التوصل إلى تمديد الهدنة مع تحسين شروطها، بصرف المرتبات، وتعدد وجهات الرحلات التجارية، وزيادة عدد السفن النفطية إلى ميناء الحديدة، وربما حدوث تقدم ما في ملف الأسرى.
– استمرار المماطلة والتلاعب بالوقت، وبالتالي إقدام صنعاء على فرض معادلات جديدة، إلى جانب معادلة حماية الثروة.
– المراوحة بين التهدئة والعمليات العسكرية.
– محاولة السعودية الانسحاب من المشهد اليمني عسكرياً، مع الرهان على واقع سياسي وجغرافي مفخخ، وبروز دعوات الانفصال والحشد والحشد المضاد، وتأليب الرأي العام في الداخل اليمني على صنعاء.
بعيداً من هذه الفرضيات والتخمينات، قد يأتي من خارج حسابات السياسية والسياسيين أمر من عند الله يقلب كل الموازين، ويرجّح كفة اليمنيين، والعواقب في نهاية المطاف بيد الله وحده، وإن غداً لناظره قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.