لم تكن الولاياتالمتحدةالامريكية ومعها بريطانيا تظن أن ما يجري في غزة من حرب إبادة ومن استهداف متواصل للأطفال والنساء والتجريف للحياة البشرية فيها يمكن ان توصل الأمور الى هذا المستوى من التعقيدات ومن التشابك . حسبما كانت أوامر الحكم والقرار الأمريكي ومن خلفها الصهيونية ترى ان الجبروت الامريكي كفيل بان يخرس كل العرب والمسلمين ويفزعهم وهذا الفهم والتغاضي الأمريكي مع المنطقة العربية قائم على خبرات سابقة من فرض الهيمنة وفرض الوصاية ومن حسم الموقف مسبقاً لمصلحتها .. فهي دبلوماسياً قد ظلت أمريكا وهي رمز للطاغوت المهيمن تملي على حكام المنطقة أوامرها وتجعل المنطقة أداة طيعة ولبنة في يد الصهاينة .. ولهذا تمادى الكيان الصهيوني وواصل افتراءاته وقوية تفوقه وتعززت منافذ السيطرة الخفية والواضحة في العلاقات الدولية وكذا في العلاقات الإقليمية .. وساد فيها اعتقاد ان الصهاينة قد امتلكوا كامل القوة وإرادة الإملاءات قائمة عبر نفوذها الاستخباري المتعدد والواسع عبر أدواتها العديدة , وتارة عبر القوة الامريكية البريطانية وهذا قائم من تاريخ تأسيس دولة بني صهيون منذ 1948م وقبله .. وهذا ما جعل أنظمة عربية وقيادات عربية عديدة تفقد سيطرتها على دولها وعلى بلدانها وعلى شعوبها فاتجهت إلى التطبيع والى الخضوع وإلى الاستكانة والى السير على غير هدى في مواكب التطبيع المعلن والتطبيع الخفي مع كيان صهيوني غاصب ومتعالي ومسيطر .. وهذا الاعتقاد ساد فترات عديدة حتى ظن المواطن العربي أن هذا قدره وأن هذه معطيات حياته ينبغي أن يسير عليها هذا المواطن العربي المغلوب على أمره , والمنكوب بقيادات ورقية غير متمكنة من إدارة الصراع ومن فرض ارادة وطنية .. حتى انبرى اليمن بموقفه وبدأ يهز ام الرشراش " ايلات " في جنوبفلسطينالمحتلة والكيان الصهيوني وكانت الشرارة الأولى التي حملت مؤشراً مهماً أن امريكا والصهاينة امام اختبار حقيقي في الجانب العسكري والجانب الجيوستراتيجي.. فاليمن الذي كان ينظر إليه كبلد ممزق وبلد أنهكته الصراعات والحروب والعدوان لن يمثل تهديداً للصهاينة واجندتهم في المنطقة .. وثبت إن كل حساباتهم قدغطاها الخطأ وعلت رؤوسها الضبابية .. وتأكد بالملموس انهم امام مارد حقيقي وانهم أمام ارادة جديدة .. فيها من القوة ومن الاصرار ما يجعل اسئلة عدة تفرض نفسها على اجندة عملهم وحساباتهم العسكرية .. ثم أنطلق التحدي الى البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر العربي لتفرض معادلات عسكرية وامنية مهولة ولم تعد أمريكاوبريطانيا قادرتين على السيطرة أو على فرض أية إرادة .. ويكفي ان نعرف أن الخطاب السياسي والاعلامي لهاتين القوتين تعتمدان مصطلحاً مضحكاً ويثر الريبة والسخرية معاً عندما يذيلون كل خطاباتهم وبياناتهم العسكرية بان ما يقومون به من عمل عدواني بكلمة دفاعاً عن النفس .. أي دفاع عن النفس وهم يملكون كل تلك القوة المفرطة والقدرات التسليحية ويتسيدون في الجو بطائرات وبأقمار صناعية وبقدرات لامحدودة , ولكنها مواقف الضعف وهشاشة القضية التي يقاتلون من اجلها وهي الدفاع عن الصهيونية وحماية للكيان الصهيوني الذي انكشفت عدوانيته ووحشيته امام العالم اجمع وإذا جئنا لنقرأ بعض ملامح قوة المواجهة القائمة سنرى أنه لأول مرة يدرك العالم واوروبا ان الكيان الصهيوني والدفاع عنه والاصطفاف مع اجندته التوسعية وحربه العدوانية الوحشية قد بدأ يكلفها أثماناً باهظة وان الاقتصاد العالمي بدأ يترنح وما أسمي سلسلة الانتاجية والخدمات السلعية للاقتصاد العالمي يدفع ثمناً باهظاً وكلفة اضافية بعد أن وجد في اليمن قوة لم يكونوا يتوقعونها .. وهكذا تحول الابحار في الممر الدولي البحر الأحمر كابوساً حقيقياً للدول والاقتصادات العالمية كون مطالب اليمن مشروعة ومقنعة في ايقاف العدوان الصهيوني على شعب أعزل ومظلوم ومقهور في غزة المحاصرة .. إذ لم يعد امام كل داعم للصهاينة من مبرر اخلاقي أو مبرر قانوني أو حتى مبرر مقنع حتى تواصل أوروبا وامريكا تحمل اعباء المواجهة وفي تبعاتها من آثار اصبح الاقتصاد الدولي غير قادر على احتمالها أو احتمال خسائر ها المتضاعفة يومياً وقد أدرك العالم اجمع ان شريان البحر الأحمر هو شريان حياة للاقتصاد العالمي , وهو الحبل السري للاقتصادات الأوروبية .. وان الكيان الصهيوني قد افصح ان مقتله وحياته في هذا الشريان الاقتصادي والملاحي , وهذا يفسر الاهتمام الكبير الذي يبديه الصهاينة بالبحر الأحمر كما ان الدول المشاطئة على هذا الممر الدولي العالمي ادركت أن بيدها شريان غاية في الخطورة وغاية في الاهمية, وانه نقطة قوة كان ينبغي أن يعلموا هذا خلال هذه المواجهة .. وكان هذا البحر والمضيق مغيباً لدى ثقافة هذا الاقليم ولم يسمح لدول المنطقة من ادراك ذلك وقد طوقت بقواعد عسكرية عديدة كانت تعي بصورة مضاعفة مثل هذه الخطورة والجيوستراتيجية للمجرى الملاحي الدولي . اليوم .. دول المنطقة مطالبة بالوقوف معاً ودراسة الابعاد المهمة لمجرى البحر الأحمر وحوضه والاتفاق على جملة من المسائل التي تسهم في بناء شراكات توفر لدول المنطقة فرصة الاستثمار الأمثل لهذا المجرى الملاحي والاستفادة بإيجابية عالية من هذا الموقع والسعي بجدية أكبر لفرض واقع سيادي جديد يضمن للدول المشاطئة عليه سيطرة وفاعلية في تعزيز التنمية الاقتصادية والانمائية والخدماتية لدول المنطقة لان البحر الأحمر مازال يعلمنا ويقدم لدول المنطقة امكانيات كبيرة لبناء شراكات مثمرة وتوسع من عطاءاته الجيوستراتيجية والجيوبولوتيكية حتى تحول البحر الأحمر من لعنة الجغرافية إلى نعمة الجغرافية .