قراءة من كتاب البنيان المرصوص لمؤلفه العميد القاضي د\ حسن حسين الرصابي لا ندري لماذا انحصر الفهم الامريكي البريطاني في فكرة التسيد الدائم على البحار؟ ولا نعلم من أين استقوا كل تلك الثقة في ان نفوذهم سيظل طاغياً على الفكر الجيوسياسي وعلى الرؤية العسكرية العالمية .. وهم بهذه المفاهيم التي تجاوزها الزمن دخلوا وحشروا قواتهم واساطيلهم الى البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي مدفوعين بفهم مسبق عن خضوع عواصم عربية وافريقية للنفوذ الامريكي الغربي وتحديداً النفوذ البريطاني الذي اندفع مؤخراً معززاً بثقافة الاستعمار القديم وبأمجاد سابقة اندثرت ولم يعد لها أثر.. ووسط هذه التفاعلات والمستجدات تناسى الامريكي والبريطاني ان هناك قوى دولية اخرى بدأت تزاحم وتبحث لها عن دور وعن مكانة في اطار النفوذ الدولي على البحار سواء البحار المغلقة أو البحار المتصلة بالمحيطات مثل البحر الابيض المتوسط والبحرين البحر الأحمر والبحر العربي .. فالقوة الصينية واضحة المعالم وهي من وقت مبكر قد تواجدت على البحر الأحمر من خلال قاعدتها في جيبوتي وعلاقتها المفتوحة مع دول افريقية وبعضها مطلة على البحر الأحمر مثل ارتيريا .. يضاف اليها القوة الروسية التي هي تقليدياً متواجدة في البحر الأحمر سواء في السودان او من خلال علاقاتها الاستراتيجية مع إيران ومع الهند .. وهناك الفرنسيون المعروفون باستقلالهم كثيراً عن الرؤية الامريكية أو على الأقل لها رؤيتها الخاصة بها وهي متواجدة على مقربة من البحر العربي وخليج عدن كما انها تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي .. ومعروف أيضاً الأطماع الأوروبية وتحرك الاتحاد الأوروبي الى المنطقة وبشكل مستقل .. .. وهذا الأمر لا يعجب الصهيونية العالمية التي ترى في التواجد الامريكي العسكري البحري ضماناً حقيقياً لنفوذها وغطاء لها .. ولا تسعى الى ان ترى مثل هذا التحشيد الأجنبي الواسع من قوات بحرية يابانية وايرانية وهولندية ودنماركية وهندية لأنه في ختام المطاف كل دولة لها مصالحها ولها علاقاتها وقد نشهد متغيرات في مصالحها لا تتوافق مع المصالح الصهيونية في هذا المجرى الملاحي الخطير والحيوي . وهنا يبدأ المأزق الصهيوني الحقيقي عندما تأكد للجميع ان الاقتصاد الصهيوني قد تعرض لأعظم اهتزاز عندما استهدفت القوات المسلحة اليمنية قيادة صنعاء السفن والبوارج التي تدعم الصهاينة أو تتعامل معها أو اختارت موانئ الأرض المحتلة في فلسطين فقد ثبت ان الصهاينة ليس بالقوة التي صوروا انفسهم بها وانكشفت ألاعيبهم تماماً واتضح انه كيان هش وضعيف غير قابل للاستمرار والحياة لولا الدعم الأمريكي الغربي ولولا الاحتيال الصهيوني على ارادة الامم والشعوب وركوب موجات النفوذ والاموال التي يجنونها والموارد التي تتدفق الى مراكز الأموال في البورصات العالمية التي يهيمنون عليها ويديرونها .. وهكذا كان البحر الأحمر أكثر من مجرى ملاحي تجاري واعظم من شريان اقتصادي فقد أو ضح ان الاقتصاد العالمي قائم على مثل هذه المياه والموانئ وعلى ربط الشرق بالغرب وعلى ربط الانتاج بسلاسل المواد الخام التي تحتاجها الآليات الصناعية الاوروبية والغربية والعالمية .. بل انه مياه هذا المجرى الممر المائي العظيم قد افصحت عن اعتماد الكيان الصهيوني على صلات تجارية وعلى حركة استثمارات عالمية تعطيه أكسيداً للاستمرار والحياة ولهذا فان الاقتصاد الصهيوني قد تعرض لانكسارات وانتكاسات والفضل يعود الى اغلاق صنعاء لهذا الممر المائي امام الملاحة الصهيونية أو المتعاونة معها وهذا ما فرض واقعاً مؤلماً للاقتصاد الصهيوني الذي يوفر لهذا الكيان أدوات استمراره وسطوة توحشه ضد الشعب العربي الفلسطيني وضد اطفال ونساء وشيوخ غزة المنكوبة بالصمت الدولي المريب . التزاحم الدولي على البحر الأحمر واتجاهات عسكرة هذا المجرى الملاحي سوف تدفع ثمنه الباهظ الدول المتشاطئة على هذا البحر وسوف تشهد توترات عديدة واضطرابات في البنى السياسية والاقتصادية ومن المتوقع ان يشهد النسيج الاجتماعي للدول والشعوب تمزقات واهتزازات عديدة مما يدل على أن هذا التدافع الأجنبي والتدخل السافر واحدة من اخطر الاسباب لمثل هذه الاضطرابات الاجتماعية والسياسية واقتصادية التي لا تحتاج اليها المنطقة فهي قد عانت طوال عقود ماضية مايكفي من مثل هذه الاضطرابات .. ولكن هذا التواضع الأجنبي المدفوع بالأطماع وبالرغبة في التواجد وفي ايجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة سيكون تحدياً جدياً للنفوذ الأمريكي البريطاني إذ لن تسمح الصين أو روسيا أو الهند أو إيران أو اليابان ان يكون النفوذ أمريكياً وبريطانياً صرفاً يخدم الصهاينة ويدافع عن مصالحها فلكل مصالحه ولكل حساباته .. أي ان المنطقة مقبلة على تهديدات شتى وعلى حسابات غير منظورة وغير محسوبة ويعلم الله اين ستنتهي طالما ظلت الاطماع قائمة وكلما استمرت العنجهية الصهيونية والحسابات الملعونة في النفوذ وفي السطوة والقسوة والجريمة التي لا تراعي الثوابت الضامنة للاستقرار الحقيقي لهذه المنطقة . ويبقى الدور الأصيل للدول المتشاطئة على البحر الأحمر وعلى خليج عدن مطلوباً لاسيما وان اليمن قد بدأت بوضع النقاط على الحروف الأولى من سيادة دول المنطقة على بحارها وعلى مياهها الإقليمية , وكونها الضمانة المؤكدة للأمن والاستقرار والسلام في منطقة لا يريد الصهاينة أن تستقر حتى تكون لها الغلبة والتأثير وامتلاك كامل النفوذ على هذا الممر المائي الحيوي والخطير عالمياً وما قدمته اليمن وستقدمه هو ثمناً مستحقاً من كافة النواحي بدءاً من ناحية الاصطفاف مع المظلومين والمستضعفين في غزة المحاصرة .. ووصولاً إلى الحرص الكامل على السيادة على الامن البحري اليمني وعلى جنوبالبحر الأحمر.