أكاديميون وخبراء ومرشدون ومسؤولون في القطاع الزراعي ل«26سبتمبر»: هناك العديد من الحلول والمعالجات العاجلة في طريقها لحماية النحل البلدي وتوفير البيئة المناسبة لنموه واستدامته معاناة النحالين جراء رش المبيدات تتكرر كل عام في مختلف المناطق اليمنية، حيث تموت مئات الخلايا سنوياً بسبب انتقال السمّ المحمول من المزروعات إلى داخل الخلية، مما يؤدي إلى موت الحواضن وإمكانية موت الملكة. يواجه النحّالون في اليمن عددا من المشاكل في مجال عملهم، وأبرزها الرشّ غير المنضبط للمبيدات الزراعية، وقلّة تنوع وكثافة المراعي، وعدم توفر ظروف بيئية ومناخية مناسبة، وتقصير الجهات الرسمية في دعم تربية النحل. "26سبتمبر"، ومن منطلق الحرص على نشر الوعي بخطورة المشكلة، قامت بإجراء هذا التحقيق، الذي تناولت فيه، مع النحالين والمزارعين والمختصين من باحثين وأكاديميين ومسؤولين وخبراء في الجانب الزراعي، خلفيات المشكلة بعمق تجدونه في التفاصيل التالية: يحيى الربيعي يختلف الضرر الناتج عن رش المبيدات الزراعية باختلاف أوقات الرش بحسب ما يراه مربو النحل عبد الله جُزيلان (35 عاماً)، ويقول شارحا: "عندما تُرش المبيدات في الصباح الباكر، يكون الضرر أكبر؛ لأنه وقت انتشار النحل في الحقول وبين الأشجار، وهذا أيضاً يضر بشكل مباشر محصول المزارع، فالمبيد يتسبب بموت النحلة التي تقوم بنقل غبار الطلع من زهرة إلى أخرى، وتقوم بتلقيح المحصول بشكل مجاني"، ويناشد المربي جزيلان المزارعين تأجيل عملية رش المبيدات إلى أوقات المساء؛ لأن النحل يكون قد عاد إلى خلاياه، وتخفّ فعالية المبيد حتى صباح اليوم التالي. وفي سرد أدلى به في اتصال هاتفي أجرته معه "26 سبتمبر"، أكد النحال (إبراهيم محمد سود بهلول من أبناء مديرية القناوص بمحافظة الحديدة) أنه لا يلق بالمسؤولية في هلاك نحله على أحد، جهة كانت أو فردا، معللا تأكيده ببعد المسافة ما بين موقع النحل وأقرب مزرعة والتي يقدرها بعشرة كيلومترات، مؤكدا أن أقوى نحلة تستطيع الطيران إلى 8 كيلومترات كأبعد مسافة، وفي المتوسط 5 كيلومترات. كما أفاد النحال إبراهيم أن آخر حملة نفذت ضد البعوض كانت في شهر شوال الماضي، وهي الحملة التي تأثر بها النحل في حينه، لكنه استعاد عافيته وحصر النحال خلفية ما حدث مؤخرا، في تعرض نحلِه للإبادة الجماعية بمبيد عال السمية، لم يمهل النحل سوى ساعات حتى صارت كالصريم، تعرضت أجسام النحل لجفاف غير عادي. مؤكدا أن خسارته تجاوزت ثلاثة ملايين ريال بمتوسط قيمة عود النحل ثمانية عشرة آلاف ريال مضروبة في 165 عودا إجمالي ما هلك باستثناء 5 أعواد باقية، وهي في حالة سيئة. وفضلا عما ستلحقه الخسارة من تبعات كبيرة لاسيما على مستوى معيشة أسرته التي كانت تعتمد على عائد هذه الأعواد من النحل اعتمادا كليا، سيتطلب مشوار بناء المشروع البديل تكاليف وجهد، وهذا بالطبع سيترتب عليه ديون منهكة. قاتل فظيع قصة ابراهيم، ليست إلا حلقة من حلقات مسلسل رواية لها ضحايا كثر، رواية فيها يسرد النحال الصغير (معتز زيد حسن علي عوض، 15 عاماً)، جبل برع- محافظة الحديدة ل"26سبتمبر" تجربته مع أضرار المبيدات على النحل، قائلا: بدأت حكايتي قبل حوالي سنتين، وتحديدا، في إحدى المحافظات المجاورة للعاصمة صنعاء والمشهورة بزراعة القات بكثافة، وفي موسم السدر بالذات. كان أصحاب مزارع القات يرشون المبيدات في وقت الظهيرة، وهو ذروة الوقت الذي يرعى فيه النحل أشجار العلب. كنا نجلس مع المزارعين، ونحاول إفهامهم: يا خبرة، كونوا على الأقل، رشوا في الليل. البعض منهم، تحت الضغط، كان يستجيب ويرش في الليل، والبعض يتأخر إلى العصر، والبعض الآخر، الله يهديهم، كان يزيده رجاؤنا إصراراً وتعنتاً على الاستمرار في الرش نهاراً. لم يكن أمامنا سوى الانتقال إلى محافظة الجوف، لأن زراعة القات مقتصرة على بقع قليلة فيها. المبيدات الحشرية قاتل فظيع وفتاك للنحل، حيث فقدت بسببها أكثر من 100 خلية، المفترض على من يستخدم المبيدات أن يرشها في الوقت المناسب، وهو الليل، لأن النحل يسري بحثاً عن غذاء مع طلوع الشمس وحتى قرب المغيب، ثم يعود إلى مساكنه. وهنا نناشد المزارعين تفادي رش النباتات والأعشاب والبذور المزهرة المتخللة لحقول القات، سواء بشكل طبيعي أو بالزراعة البينية، لأن المزارع ليس بحاجة لنموها، بينما يتغذى النحل على رحيق أزهارها. لذا نناشدهم تجنب رش المبيدات وقت تواجد النحل على الأزهار، خاصة وأن للمبيد أثر متبق، قد يؤدي إلى أضرار فتاكة على النحل الناقل للرحيق أو المستقبِل له في الخلية، مما يتسبب في وفاتها بالكامل. معدلات الموت روايات النحالين، هي حكايات معاناة تعززها الباحثة صفاء هدوان، معيدة بكلية الزراعة جامعة صنعاء بالتأكيد على أن أبرز تأثير للمبيدات على النحل، هو تسمم خلايا النحل وموتها. وتشير الأكاديمية صفاء، بالتوافق مع مختصين في الهيئات والإدارة المختصة بوزارة الزراعة والري، إلى أن المبيدات التي على شكل غبار أو مسحوق قابل للبلل تميل أن تكون أكثر خطورة على النحل من مبيدات المحاليل أو المركزات القابلة للاستحلاب. وفي ذلك، أوضح مدير عام الإرشاد والإعلام الزراعي، المهندس يوسف صبرة أن المبيدات تختلف في أثارها على النحل، عادة ما يتم رش المبيدات على النباتات ويمكن أن يقتل النحل عندما يحبو فوق أسطح النباتات التي رشت أو بوسائل أخرى، المبيدات الجهازية من ناحية أخرى عادة ما تدمج مع التربة أو على البذور وتصل إلى الجذع، الأوراق، الرحيق، وحبوب لقاح النبات. مؤكدا "يتضرر النحل من المبيدات التي ترش بالحقل بشكل مباشر عن طريق موته مباشرة وأحياناً بشكل غير مباشر عن طريق نقله للرحيق وحبوب اللقاح المعرضين للمبيد مما يؤدي إلى موت (الحضنة) وأحياناً الملكة بتأثير المبيد. ويتفق معهما في الرأي المهندس أنور المقطري، من الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، والذي بدوره أشار إلى أن هناك موتاً طبيعياً في النحل يتراوح عادة بين 100 إلى 200 نحلة، ويُعتبر طبيعياً، أما إذا كان الموت بين 400 إلى 900 نحلة، فهو موت متوسط، وأكثر من ألف نحلة يعتبر موتاً كبيراً أو ضرراً كبيراً للنحل. بالنسبة للمبيدات شديدة الخطورة، يجب على المزارع تجنب استخدام المبيدات ذات السمية العالية لضمان سلامة الطوائف. وبيَّن المهندس المقطري أن تأثيرات هذه المبيدات تستمر لفترات طويلة وتؤدي إلى هلاك العديد من النحل، لذا يُنصح بعدم استخدامها أو تداولها في الأسواق، وفي كل الأحوال، في حالة الرش، يجب على النحال نقل نحله إلى مكان يبعد عن موقع الرش مسافة لا تقل عن 5 كم". قلة الوعي من جانبه يقول مدير عام وقاية النباتات بوزارة الزراعة والري، المهندس علي مُحْرِز، محذرا: "المبيدات ذات سُمية قوية، ويجب على أصحاب محلات بيع المبيدات أن لا يبيعوا للمزارعين مثل هذه المبيدات إلا في حالات الضرورة"، ويذكر محرز أنه "من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى موت النحل قلة الوعي بالطرق السليمة لتربية النحل لدى أغلب النحّالين، كما أن قلة المراعي والأمطار وضيق مساحة الأراضي التي تحتوي على الأشجار، وأهمها السِّدْر والسُمَر، من ضمن الأسباب". ترتيب وضع من جانبه، أوضح الأمين العام للاتحاد التعاوني الزراعي، المهندس محمد مطهر القحوم أن الاتحاد التعاوني الزراعي نفذ، بالشراكة مع مؤسسة بنيان التنموية وتحت رعاية اللجنة الزراعية والسمكية العليا، لقاءً موسعا عن سلسلة قيمة النحل والعسل ضم كافة شركاء التنمية في الحكومة والسلطات المحلية والقطاعين العام والخاص وكبار النحالين، وتم في اللقاء استعراض مجمل قضايا النحل والنحالين وعلى رأسها المهددات التي تواجه الثروة القومية من نحل العسل اليمني، والفصائل النادرة التي بدأت في التناقص وتلاشي البعض ببعض قلة الوعي على مستويات عدة سواء على مستوى طرق ووسائل تربية النحل والعناية به ووقايته من الأمراض والمهددات الطبيعية أو من العشوائية في استخدام المبيدات من قبل المزارعين وغياب التنسيق بين المزارعين والنحالين من ناحية الوقت المناسب للرش والمسافات الآمنة بين مناطق الرش والمناحل. مشيرا إلى أن اللقاء أوصى بوجوب تفعيل وتشكيل جمعيات متخصصة بالنحالين، ليصبح من الممكن ترتيبات لوضع سلسلة قيمة النحل والنحالين والخلايا وتنفيذ برامج تدريب وتأهيل للنحالين والجمعيات التعاونية متعددة الأغراض والمتخصصة والمزارعين، من أجل رفع وعي الجميع بأهمية هذه الثروة وضرورة توفير البيئة المناسبة لنمو واستدامة هذه الثروة المهمة، وبرنامج أخرى لدعم إنتاج وتسويق العسل البلدي. الخطر الأساسي في السياق، يؤكد المهندس نافع العبسي المستشار والخبير الزراعي في قطاع الاستثمار باللجنة الزراعية والسمكية العليا، أن النحل تتعرض للعديد من المشاكل مثل الأمراض والآفات كتكلُّس وتعفن الحضنة والفاروا والوروار إلا أن مشكلة التسمم بالمبيدات، تكاد تشكل الخطر الأساسي خصوصا عند استخدامها بصورة غير صحيحة مسببة موت النحل. مشيرا إلى أن الأمر ينعكس سلباً على النحال من جهة وعلى المزارع والبيئة من جهة أخرى، حيث تنخفض إنتاجية المحاصيل المعتمدة على التلقيح بواسطة الحشرات. كما وتتفاقم المشكلة من الناحية البيئية بشكل عام، وذلك بسبب نقص ملقحات النباتات البرية. تخطيط مسبق من جهته، يقول خبير الإرشاد المجتمعي بمؤسسة بنيان التنموية، المهندس القدير محمد أبو طالب: لا ينبغي للمزارع أن يركز فقط في القضاء على الآفة أو المرض باستخدام المبيد فوراً، بل يجب أن يكون هناك تخطيط ورش مبيدات بطريقة مدروسة، كل آفة أو حشرة أو مرض له حد اقتصادي، وقد تكون الإصابة موجودة ولكن لن تؤثر على المحصول إذا تم الاعتماد على الأعداء الحيوية التي تحد من ضرر الحشرات. مضيفا "من أولويات مهام الجمعيات التعاونية والجهات ذات العلاقة بوزارة الزراعة والري والسلطات المحلية العمل على رفع وعي المزارعين حول كيفية مكافحة أي إصابة باستخدام مبيد ذي فعالية محددة وبسيطة، وتجنب استخدام مبيدات ذات فترة فعالية طويلة إلا عند الضرورة القصوى، معظم الإصابات الحشرية يمكن علاجها بجرعات بسيطة. وعند استخدام المكافحة الكيميائية، يجب أن يكون ذلك في وقت محدد وبالتنسيق مع المزارعين، لا يجب أن يتم الرش أو المكافحة بشكل فردي، بل يجب التنسيق مع مربي النحل لضمان عدم تأثر النحل بالمبيدات، يمكن القيام بالمكافحة بعد الغروب، عندما يتراجع نشاط النحل ويعود إلى الخلايا". مشددا أن على مربي النحل أيضاً اتخاذ التدابير اللازمة لحماية نحله من التأثيرات السلبية للمبيدات، مثل إغلاق الخلايا في اليوم التالي وتقديم التغذية المناسبة، كما أكد على أهمية التنسيق التام بينهم وبين مربي النحل لتجنب أي كوارث، يتحمل المزارعون مسؤولية كبيرة أمام الله تعالى إذا تسببوا في قتل أو تدمير النحل أو الزراعات، وأنه يجب كذلك إشعار المزارعين للنحالين بجوارهم في حال استخدام مبيد ذو فعالية طويلة الأمد لتوفير حماية للمنطقة، والابتعاد عن الموقع بمسافة لا تقل عن 5 كيلومترات لتجنب تأثير المبيد على النحل". النحل لقاح للمحاصيل في السياق، يؤكد خبير الإرشاد الزراعي، المهندس، صالح أحمد قاسم، أن أهمية نحل العسل في زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية واضحة قائلا: ربما لاحظ العديد من المزارعين عدم انتظام شكل بعض الثمار، وأن الطعم والمحتوى من المواد السكرية ليس كما يجب، وبعضهم يشكو من قلة إثمار حاصلاتهم البستانية". ويتابع "العلاقة بين النحل والمحاصيل الزراعية هي علاقة تبادل منفعة، فعندما تقوم شغالات نحل العسل بزيارة المحاصيل الزراعية في أوقات أزهارها، تنقل حبوب اللقاح من الأعضاء الذكرية في الزهرة إلى الأعضاء الأنثوية، مما يساهم في عملية التلقيح دون أي أضرار بالنبات. بالمقابل، يستفيد النحل من حبوب اللقاح كغذاء وفي بناء الحضنة، تكمن أهمية النحل في التلقيح في تحسين نوعية المحصول وزيادة نسبة التلقيح الخلطي في الأصناف التي تعتمد على الملحقات". مشيرا إلى أن حوالي 35% من المحاصيل الزراعية في العالم معتمدة على الملحقات، ومن أهم المحاصيل التي تحتاج إلى النحل في التلقيح في اليمن هي التفاح، البطيخ، القرع، الأفوكادو، التوت، الحمضيات، اللوزيات، والبن. مشيرا "لا يدرك العديد من المزارعين والمرشدين الزراعيين حول العالم أهمية تلقيح النحل، وبالتالي يُقتل الكثير من النحل بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات". ويتفق المهندس قاسم مع العديد من المزارعين كبار السن، والذين سنحت لنا فرص الحديث معهم، على أن النحل يلعب دورا كبيرا في تلقيح المحاصيل الزراعية إلى درجة نجد المزارعين في البلدان الأجنبية لا يحرصون على سلامة النحل فحسب، وإنما يقومون بمكافأة النحال على هذه الخدمة، وذكر على سبيل المثال، يقوم مزارعو اللوزيات باستئجار خلايا النحل في موسم التزهير ويدفع للنحال 150 دولاراً كأجرة للخلية الواحدة مقابل ما يقوم به النحل من تلقيح لأشجاره، أي ما يعادل 20% من تكاليف الإنتاج، من هنا تظهر أهمية النحل في تلقيح المحاصيل الزراعية للتقليل من تساقط الأزهار وزيادة عقد الثمار وتحسين جودتها، وبالتالي زيادة الإنتاج. خسائر فادحة الجدير بالذكر أن ظاهرة رش المبيدات الزراعية تسبّبت، وخلال الفترة من عام 2015م حتى 2021م، بموت 105 آلاف خلية نحل في 6 محافظات، هي صنعاءوذماروالحديدة وحجّة وعمران وصعدة، وفق تأكيد الخبير في وزارة الزراعة، المهندس هلال محمد الجشاري. فيما أشار تقرير بعنوان "التأثيرات المحتملة للمبيدات على سلاسل إنتاج العسل" صدر عن الأممالمتحدة في أغسطس من عام 2020م إلى تناقص عدد خلايا إنتاج النحل من مليون و322 ألف خلية في عام 2014م إلى مليون و197 ألف خلية في عام 2018م، يمتلكها 100,000 نحّال يمني يعتمدون عليها في معيشتهم. وتقول الإحصاءات: "قتلت المبيدات الزراعية 15 ألف خلية نحل في محافظة ذمار في أبريل من عام 2020م، وفي عام 2021م نفقت 942 خلية جراء رش المبيدات في مديريات صوير والعُصَيمات والسوادية بمحافظة عمران. فيما نفقت بين يوليو وأكتوبر من عام 2021م 1200 خلية في مناطق حَرَض ومِيدي ووادي حَيْران ومُستَبأ وكُحْلان عَفّار في محافظة حجّة، وكل ذلك بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات. وقد أثر نفوق النحل على إنتاج العسل؛ إذ انخفض من 2381 طنا في عام 2018م إلى 1580 طنا في عام 2020م، بحسب كتاب "الإحصاء الزراعي" الصادر عن وزارة الزراعة والري.