مع أن الكثير من الثورات والانتفاضات الشعبية اشتعلت في منتصف القرن الماضي، لكن تظل ثورة الرابع عشر من أكتوبر تجربة نضالية هائلة وثورة نابضة بدماء الشهداء والتضحيات، مشحونة بكلّ ما هو عظيم وأصيل في تاريخ شعبنا اليمني، حملت العفوية النضالية النادرة، والوفاء الفذّ للمناضلين المكافحين. وما أجدرنا وأحوجنا اليوم لدراسة مبادئ ومحطات وأهداف هذه الثورة المجيدة ونستمدّ منها الدروس والحقائق، ومن هذا المدخل نجد أن الحقيقة الأولى والرئيسية التي قدم فيها أبناء الشعب اليمني ثمناً باهظاً في مواجهة المستعمر البريطاني هي الحرية ورفض الاستعمار. فعلى إمتداد الإحتلال ولأكثر من قرن وربع من الزمن كانت الأجيال تتوارث غليانها وامتعاضها ورفضها للوجود الاستعماري على أرضها، وتشكلت عدد من التنظيمات والأحزاب وكان على رأسها التنظيم الثوري الشعبي الذي سمي فيما بعد بجبهة تحرير الجنوب المحتل. ففي حقبة الخمسينيات غزت المجتمع الأفكار الثورية النضالية وترسخت قناعة الكفاح المسلح، وبدأت الحركات تعمل على تنفيذ عمليات عسكرية وفق استراتيجية جديدة يستهدف من خلالها جنود الاحتلال البريطاني ومصالحه في عدن على وجه الخصوص. ومن هنا تشكلت الحركات الفاعلة من المحافظاتاليمنية الشمالية والغربية والوسطى وهيأت مناخاً وبيئة خصبة ووفرت فرصاً مواتية لقيام ثورة في المحافظاتالجنوبية، وهي ظروف وفرص كانت تفتقر إليها الحركة الوطنية اليمنية عمومًا ومنها تلك التي كانت قد نمت وتشكّلت في عدن منذ بداية الخمسينيات، وظلت ضعيفة وحبيسة مدينة عدن نفسها، حتى ظهور فصائل أخرى استطاعت أن تمتد إلى خارج عدن من مناطق اخرى لتستقر هناك كقوى يناضل بعضها من أجل جنوب محرر. وبالفعل اسهمت شخوص وحركات في عدد من المحافظاتاليمنية بإطلاق شرارة الحراك الشعبي الثوري الذي ارتقى ليصبح ثورة في وجه المحتل.. حيث بدأت الانتفاضة الشعبية في عدد من ضواحي عدن باعتبارها عاصمة الإحتلال وانطلقت نحو التحرير بدءاً من الرابع عشر من أكتوبر 1963م، وحينها عجزت القوات البريطانية وجيش الاتحاد عن صدها أو وقف امتدادها خاصة نحو عدن التي شهدت عمليات فدائية اشعلت الشارع وافزعت المحتل المتغطرس واذنابه من العملاء في الداخل. كما تنامى خلق وعي سياسي مع بداية الثورة في الجزائر، وقد تجاوبت هذه الروح مع الروح الوطنية العفوية في اليمن، وازدادت حدة المعارضة نتيجة استغلال العمال اليمنيين الذي مارسته بريطانيا في عملية الانتخابات، إضافة إلى سياسة التوظيف والتمييز في مجال التعليم، وسياسة الترحيل ضد اليمنيين الشماليين، وخاصة عندما رحلت مجموعة بعد أحداث 57-1958م، الأمر الذي أدى الى تنفيذ وقفات احتجاجية واضرابات عمالية فجرت حملة اعتقالات واسعة، وقبض على الأمين المساعد للمؤتمر العمالي، وأغلقت جريدة العامل، ثم عادت للظهور باسم العمال، وفرض قانون التحكيم الإجباري قبل القيام بأي إضراب عام 1960، وشكلت محكمة لحل النزاعات والخلافات في حينه. والجدير بالذكر أن موقف بريطانيا من الإتحاد قد تغير عام 1956؛ فقد أدركت ضرورة اتحاد عدن والمحميات، وقد أحدث ذلك انقسامًا في الجمعية العدنية 1958 إلى جماعة سمّيت "مؤتمر الشعب الدستوري". عموماً كانت ثورة الرابع عشر من أكتوبر من أجل طرد المحتل الانجليزي ناجحة في فكرها الثوري النضالي الذي ضحى من أجلها رجال رفضوا المفاوضات مع المحتل وأبوا إلا ان يخرج الإنجليز من عدن وكل المناطق المحتلة وهو ما تحقق في الثلاثين من نوفمبر 1967م بخروج آخر جندي بريطاني من الأراضي اليمنية. *منسق العلاقات والتواصل