الشهيد أحمد محمد أحمد الكبسي زاده الرحمن هدى فازداد وعيًا وإيمانًا بما وعد الرحمن عباده المخلصين، تشربت نفسه نهج الثقافة القرآنية، وتعبدت ناصيته في محاريب الجهاد، فحرر نفسه من حب الحياة فآثر حب الله على كل هوى فمضى في سبيل الله بكل شجاعة واستبسال، وجعل من نفسه شمعة تحترق ليحيا الآخرون ومن عظامه جسرا ليعبر الأخرون إلى الحرية والكرامة، إستقر في نفسه حب الله وحب الجهاد وإعلاء كلمة الحق، فحمل هم الوطن وهم الأمة فكان للشهيد- سلام الله عليه في هذا الزمان دورا ًوموقفا ًأبى الضيم والانكسار، رجلا اختزل آلاف الرجال في شخصه العظيم، فكل قطرة دم منه سقت نخيل الوطن فارتفع شامخاً، وكسرت قيود كل الطواغيت، صدق ماعاهد الله عليه فطلق الدنيا الوضيعة واتجه مجاهدا ًصادقا ًشامخا ًنحو جبهات العز والشرف والبطولة، فكان خير القدوة لمن بقي خلفه أو ارتحل بعده. حمل الشهيد أحمد سلام الله عليه صفات إيمانية، لذلك كانت المسؤولية الدينية هي من أبرز الدوافع التي جعلته يتحرك للجهاد في ميادين الجهاد سواء هنا في صنعاء من خلال عمله أو في جبهات العز والشرف والبطولة، كذلك رؤيته للمجازر الوحشية وقصف المدارس والمباني والمساجد والمستشفيات والأسواق وكل البنية التحتية من قبل العدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي، فكان من السباقين المنطلقين للجهاد فكان يقول: "لا أحب أن اتخلف عن الجهاد"، فكان يقرأ هذه الآية: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. كل هذا حفز الشهيد للتحرك في سبيل الله بكل همة وعزم وشجاعة واستبسال أنطلق الشهيد أحمد مع الشهيد ماجد ابن عمه انطلاقة كلها استشعار للمسؤولية، فكان مقدامًا شجاعًا لم يتوانى أبدًا أو يتواهن عن الذهاب للجبهات بل كان دائمًا من السباقين المنطلقين لدرجة أنه أصيب في أحدى المرات إصابة بالغة، ولكن رغم ذلك لم تثنهِ عن الجهاد، ولم يستكين، فكان يدعو الله دائما ويرجوه بأن يتقبل عمله، للأسف لم يتعرف أهله على عظمته إلا بعد استشهاده من خلال حديث رفاقه في درب الجهاد وسرد القصص الكثيرة عن شجاعته واستبساله وايثاره واحسانه . تميز الشهيد سلام الله عليه بصفات نادرة جدًا كالحكمة والذكاء والفطنة والقول الرشيد، فقد جُسدت فيه هذه الآية: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} كان عليه السلام من المتقين المخلصين أتاه الله علما وحكما من رأسه إلى أخمص قدميه، كان منذ نعومة أظفاره طاهرا تقيا كريما مميزا ورعاً ذو عقل راجح، قدم روحه الطاهرة في سبيل الله ضد إعداء الاسلام رغم أنه كان حديثاً بالزواج ولديه عملاً مرموقا، ولكن رغم ذلك شارك في معظم الجبهات لعدة سنوات حتى ارتقاه الله شهيدا عظيما الشهيد أحمد اتصف بالأدب والورع والاخلاص في كل عمل، والذكاء والفطنة فكان حكيما في تصرفاته وكان يحرص أشد الحرص على الصلاة وقيام الليل، وكان طيب القلب رحيم محسن لكل الناس فمن أبرز صفات الاحسان فيه كثرة الإنفاق والإحسان لأسر الشهداء والأسر الفقيرة من جيرانه وأصدقائه، فكل رزق يأتيه ينفق منه مطبقاً لقوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون)، فكان ينفق للجبهات أيضا ويشارك في إعداد وتجهيز المقاتلين وتمويل الجبهات من مال ومونة رصاص، لقد كان يؤثر الآخرين على نفسه ولوكان به خصاصة فقبل أن ينطلق إلى أي جبهة كان يقوم بمواساة عدة أسر فقيرة، لدرجة أنهم قالوا "لولا أن الشهيد أحمد يأكل ويشرب لقلنا أنه من الملائكة"، ومن احسانه أيضًا أنه كان يؤثر الآخرين على نفسه، كان كثير الإحسان لأصدقائه وجيرانه وخاصة أهله. شارك الشهيد في عدة جبهات منها جبهة البيضاء في جبل النار، و جبهة الساحل، وجبهة الحدود في عسير وفيها استشهد، كان الشهيد في جبهة عسير يُجسد العزة والرفعة التي أرادها الله لعباده لست أقلل من تضحيات الشهداء سلام الله عليهم فكلهم شهداء، ولكن للأمانة هذا ما ذكره رفاقه عندما سردوا لنا قصة استشهاده، لقد كان الشهيد قائد للمجموعة الأمامية في جبهة عسير وكان في الصفوف الأولى، فعندما زحف العدو بشكل مكثف وعنيف حوالي الساعة العاشرة صباحًا طلب أحد رفاقه منه الرجوع للصفوف الخلفية لأنها مُؤمّنة اكثر من الجبهة الأمامية، ونظرا لتكالب العدو عليهم، ولكن الشهيد أحمد رفض وقال: "لا يمكن أن نتراجع والعدو أمامنا ونفتح للعدو أي ثغرة أو فرصة للتقدم، فمسك بندقيته واخذ يواجه الزحف هو ورفاقه ويصدونه، فجاءت للذي بجانبه طلقة لبندقيته فتعطلت، ولكن الشهيد استبسل بكل شجاعة ونكل بحوالي 86 من مرتزقة العدوان، ظل شامخا رافعا رأسه أبدا ما انحنى ثابتا، استشهد عليه السلام إثر طلقة قناص غادرة هو وأحد رفاقه ونال ما كان يتمناه، والحمدلله أنهم صدوا الزحف ونكلوا بأعداء الله أشد التنكيل. كان للشهيد موقفا عظيما جسد قوة ايمانه وارتباطه القوي مع الله، قال أحد رفاقه: "جرحت قبل الزحف المكثف علينا جرح بالغ فضمني أحمد إلى صدره وتواصل بالمدد من أجل إسعافي، وظل يتلو علي آيات من القرآن الكريم، حينها كنت لا اشعر بأي وجع واشعر بالطمأنينة والسكينة وعندما كان يتوقف الشهيد أحمد من التلاوة كنت أشعر بالوجع والألم الشديد فأقول للشهيد يا ابو محمد أقرأ لي فيقرأ لي فيختفي الألم واشعر بارتياح، واستمر الشهيد يتلو علي لثلاث مرات، وعندما وصلت للمستشفى أخبرني الطبيب قائلًا: لا إله إلا الله الرصاصة ابتعدت عن القلب ثلاثة سنتيمتر، فقلت حينها في نفسي والله أنها بركة تلاوة أبو محمد سلام الله عليه" سيظل الشهيد نموذجا للصمود والإيمان، وملحمة بطولية وأسطورة إحسان متكاملة، فسلام الله على الشهيد أحمد وعلى جميع الشهداء الصادقين الأخيار، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.