اثار تعيين الدكتور علي شيبان وزيراً للصحة والبيئة العديد من الآراء، وبعضها يعكس إحباطاً من اختيار شخصية لم يسبق لها تولي مهام ادارية وقيادية في الصحة او في البيئة. وهذا يعكس فهم قاصر لاحتياجات الصحة والبيئة، ويأتي على خلفيات تقليدية سابقة كانت متبعة في التعيينات لوزراء الصحة. ومن وجهة نظر عميقة وشاملة يمكن ان يمثل هذا التعيين فرصة حقيقية للتطوير والإصلاح في القطاعين الصحي والبيئي وتحقيق نمو مستدام. اولا: التحديات والفرص: لقد عانت وزارة الصحة وقطاع البيئة لعقود من فهم قاصر للاحتياجات الصحية والبيئية، فقد جرت العادة في الماضي تعيين وزراء للصحة من تخصصات طبية محددة، اهمها جراحة القلب أو الباطنية او الأطفال الخ، حيث كان كل وزير يوجه جهود الوزارة ومواردها في تنمية وتطوير مجال تخصصه او الوسط الذي اتى منه ،الامر الذي أسهم في تفاقم الاختلالات بين قطاعات الوزارة ومكونات القطاع الصحي الثمانية -رغم وجود بصمات ملموسة للبعض منهم في مجالات معينة- كذلك البيئة ظلت تتأرجح بين مختلف القطاعات والوزرات الأخرى. مما حال دون تحقيق تنمية صحية وبيئة متوازنة وشاملة مستدامة. وتعيين الدكتور شيبان، القادم من خلفية متنوعة، قد يقدم رؤية جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للتخصصات الطبية. إن الدمج بين الصحة والبيئة يعد خطوة جريئة، وقد يكون له تأثير إيجابي على صحة المجتمع إذا تم توظيفه بشكل صحيح. ثانيا: أهمية الدمج بين الصحة والبيئة: إن الصحة والبيئة مترابطتان بعمق. فالصحة العامة تعتمد بشكل كبير على الظروف البيئية، وعلى بيئة نظيفة وآمنة، وفي الوقت نفسه، فإن تحسين الظروف البيئية يمكن أن يسهم في الحد من الأمراض وتحسين نوعية وجودة الحياة. كوجود مياه نظيفة، هواء خالٍ من التلوث، وتوافر مساحات خضراء ..الخ. يعد دمج الوزارتين خطوة جريئة وفرصة لتعزيز هذا الترابط وبناء استراتيجيات شاملة تعالج المشكلات من جذورها. ومع ذلك، تثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا الدمج قد جاء نتيجة فهم قاصر لمهام كلا القطاعين. فمفهوم البيئة يتجاوز مجرد الاهتمام بالمخلفات أو التلوث، ويشمل قضايا معقدة مثل التغير المناخي، التنوع البيولوجي، وموارد الطبيعة. لذا، يعد هذا الدمج بحد ذاته تحدياً يواجه الدكتور شيبان، يتطلب رؤية جديدة شاملة تتجاوز الحدود التقليدية للتخصصات وعملاً متكاملاً. ثالثا: التقاطعات بين الصحة والبيئة: تتجلى التقاطعات بين القطاعين في عدة مجالات، من اهمها: 1.الوقاية من الأمراض: التلوث البيئي يمكن أن يؤدي إلى تفشي الأمراض. لذا، فإن تحسين البيئة يسهم في تعزيز الصحة العامة. 2.الصحة النفسية: البيئات النظيفة والمزدهرة تعزز من الصحة النفسية وتقلل من مستويات التوتر. 3.التخطيط العمراني: المدن المصممة بشكل جيد تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الصحية والبيئية، مما يعزز جودة الحياة. رابعا: كيف يمكن للدكتور شيبان أن يحدث التغيير؟ يمكن للدكتور شيبان أن يكون رائداً في هذا التحول من خلال: 1.تبني رؤية شاملة: العمل على تطوير استراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار التكامل بين الصحة والبيئة والتوازن بين مكونات كل منهما من جهة، ومن جهة اخرى الشراكة مع الوزارات الأخرى ذات العلاقة كالزراعية والثروة السمكية والاشغال ومؤسسات المياه والصرف الصحي والتعليم بمختلف مستوياته والجهات الاخرى ذات العلاقة. 2.تفعيل المشاركة المجتمعية: تفعيل المشاركة الشعبية المدروسة والمنضبطة للاسهام في تمويل الخدمات الصحية وتشجيع المجتمع على المشاركة في الأنشطة البيئية، مثل حملات التنظيف وزراعة الأشجار، ونشر السلوكيات والممارسات الصحية والبيئة السليمة ومما يعزز من روح التعاون ويساهم في تحسين البيئة المحلية والصحة العامة. 3.تعزيز الشراكات: التعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتوسيع نطاق الجهود المبذولة في كلا القطاعين وتوجيه جمع الجهود والموارد في اطار اهداف وسياسة الوزارة. 4.تطوير واستدامة التوعية والتثقيف الصحي والبيئي: يمكن أن يلعب التوعية والتثقيف دوراً محورياً في دعم جهود الوزارة، خاصة في ظل النقص الموجود في الموارد، فالمعلوم بان القاعدة (تقول بان استثمار دولار واحد في التوعية يعود بنتائج تتجاوز صرف عشرة دولارات في مجالات الصحة العامة) من خلال استدامة العمل على رفع مستوى الوعي بأهمية العوامل البيئية في الصحة العامة والوقاية من الامراض ومسبباتها والسلوكيات والممارسات السليمة. وكذلك تعزيز ثقافة الاستدامة، من خلال تحفيز المجتمع على تبني ممارسات مستدامة في حياتهم اليومية، مثل إعادة التدوير، وتقليل النفايات، وتوفير استهلاك الطاقة. هذه الجهود لا تساهم فقط في تحسين البيئة، بل تساعد أيضاً في تقليل الضغوط المالية. 5.تفعيل التطبيق المرحلي للتأمين الصحي المجتمعي ،هذا سيكون له اثر كبير في تحسين جودة الخدمات الصحية من خلال التنافس بين القطاع العام والخاص وتطويرها وسيخلق مورد مستدام. 6.تطوير السياسات: وضع سياسات تدعم الاستدامة البيئية والصحية، مما يؤدي إلى تحسين جودة الحياة للمواطنين. 7.تعزيز وتوسيع اللامركزية: منح مكاتب الوزارة في المحافظات والمديريات والهيئات والبرامج ،المزيد من الصلاحيات والمهام التنفيذية والتخطيطية: يعد محوراً مهماً لتحسين الأداء الحكومي في مجالات الصحة والبيئة مثل: * تخصيص الموارد بشكل أفضل * تقدير الاحتياجات المحلية بدقة * تحسين التخطيط والتنفيذ يتيح تقديم خطط ملائمة تتناسب مع السياقات المحلية، مما يعزز فعالية البرامج والمبادرات. * تسريع عمليات التنفيذ من خلال اتخاذ القرارات محلياً دون الحاجة للانتظار للموافقات المركزية * تحسين جودة الخدمات المقدمة. * زيادة المرونة والاستجابة للتحديات والمشكلات الصحية والبيئية. * تعزيز الشفافية والمساءلة ومراقبة الأداء محلياً * تحفيز الابتكار والابداع. فعبر الصلاحيات الممنوحة، يمكن للمديريات تجربة حلول جديدة ومبتكرة تتناسب مع احتياجاتها الخاصة. * تعزيز التعاون بين القطاعات وتنسيق الجهود: يمكن للفروع تنسيق الجهود مع القطاعات الأخرى، مثل التعليم والزراعة، لتحقيق نتائج أفضل في مجالات الصحة والبيئة. * زيادة فاعلية المشاركة المجتمعية. 8.تطوير برامج تدريبية: يمكن إنشاء برامج تدريبية تستهدف العاملين في القطاع الصحي والبيئي لتعزيز مهاراتهم في التصدي للأزمات. هذه البرامج يمكن أن تشمل استراتيجيات إدارة الأزمات وتقديم الرعاية الصحية في الظروف الصعبة. 9.تسليط الضوء على الحلول البديلة: مع نقص الموارد، يمكن استخدام أساليب مبتكرة بالاعتماد على المصادر المحلية وإعادة استخدام الموارد المتاحة. يجب تشجيع المواطنين على استخدام البدائل الطبيعية والموارد المتاحة محلياً مثل: * تطوير الزراعة الحضرية: يمكن تشجيع الزراعة الحضرية في المناطق السكنية، مما يتيح للأفراد زراعة الخضروات والفواكه في حدائقهم أو حتى على أسطح المنازل. هذه الممارسة: _تعزز الأمن الغذائي: تساهم في تقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة. _تحسن الصحة العامة: توفر طعاماً طازجاً وصحياً، مما يعزز من التغذية السليمة. * إعادة تدوير النفايات: تحويل النفايات البلاستيكية إلى مواد خام يمكن استخدامها في صناعة جديدة، مثل الأثاث أو مواد البناء. يمكن إنشاء مشاريع صغيرة تعتمد على إعادة تدوير النفايات في المجتمعات المحلية. * استخدام المياه الرمادية: يمكن استغلال المياه الناتجة عن غسل الملابس أو الأطباق لري الحدائق أو استخدامها في عمليات التنظيف، مما يقلل من استهلاك المياه العذبة. خامسا: الخلاصة: إن التحديات التي تواجه دمج الصحة والبيئة هي فرصة حقيقية لإحداث تغيير إيجابي. يتطلب ذلك من الدكتور علي شيبان و قيادات وزارة الصحة والبيئة العمل بشكل متكامل، وتبني رؤية جديدة شاملة تبرز أهمية التوازن والتنسيق الفعال بين جميع المكونات والقطاعات والمستويات. إن العمل الجماعي والشامل هو المفتاح لمواجهة هذه التحديات وتحقيق التنمية المستدامة في ظل الظروف الحالية. فإذا تم استثمار هذه الفرصة بشكل مدروس فقد نشهد تحولات حقيقية في مسار التنمية الصحية والبيئة.