الحكم الرشيد من أسمى وأرفع قيم الإسلام الحنيف، وقد جاء ذكر هذا في العديد من آيات القرآن الكريم، منها قوله عزوجل: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء..58. فالإسلام أول من نادى بالعدل والمساواة، وشدد على ضرورة حماية حقوق الإنسان، والتي ترتكز في الإسلام على مبدأين هما: الحرية والمساواة بين كل البشر.. قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات.. 10. وتأتي أهمية ذلك في هدم المصالح التي جاءت الشريعة بحمايتها جريمة، وخاصةً المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات.. كل بحسب قدرته وطاقته، ولذلك لابد أن تكون السلطة القضائية مستقلة استقلالاً كاملاً لضمان العدل في تحقيق إجراءات المحاكمات دون تأثير من رجالات السلطة.. ومن هنا جاءت أهمية استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن هنا ندرك أهمية استقلال القضاء، ولا يجوز لأي سلطة أو كائن مهما كان التدخل في شؤون القضاء أو إجراءات الخصوم..لذا تميزت رسالة الإسلام الحنيف بصفة خاصةٍ بأنها رسالة عالمية للناس كافة، فهو دين الهدى والرحمة والمساواة للبشرية جميعاً، مصداقاً لقوله عزوجل: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) الأنبياء- 107.. فالرسول عليه وآله الصلاة والسلام هو نور هذه الأمة ورحمة للعالمين، والقرآن هو المنهج القويم الذي يهدي الى الرشد ولخير الدنيا، وسعادة الآخرة، ولذلك استطاع الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- توحيد عرب الجزيرة العربية من أقصاها الى أدناها، على أساس الرابطة الروحية، والإخوة الإسلامية، بمنأى عن الروابط العرقية أو الطائفية أو الجهوية أو العشائرية، فجاءت الوثيقة التي وضعها الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- من اجتهاده في ضوء جوهر الرسالة الإسلامية، وأحكام العقيدة، والشريعة الإسلامية، وعلى أساس الشورى مع وجهاء القبائل من مختلف الفئات لتكون بمثابة النظام الأساسي لدعائم وأركان الدولة الإسلامية الأولى، إضافة الى الرابطة الروحية والهوية الإسلامية.. فآخى بين الأوس والخزرج، وأسماهم الأنصار، وقام بوضع قواعد المواطنة المتساوية لكل أبناء الدولة الإسلامية بدون تمييز..من هنا ندرك أهمية الحكم الرشيد في الإسلام، الذي بُني على أسس وقواعد سامية وراقية، تكفل سلامة وأمن واستقرار الأفراد والجماعات، وقوة وعزة لكل الأمة، لتنطلق في طريق العدل، وإعطاء كل ذي حقٍ حقه.. فدور الحاكم العادل في المجتمع الإسلامي يجب أن يكون قدوة ونموذجاً مثالياً للإتباع من قبل الآخرين، ولابد لعلماء وفقهاء الأمة أن يكونوا عوناً وسنداً للحاكم بأن يساهموا بآرائهم وأفكارهم على ضوء العقيدة والشريعة الإسلامية في جلب المصالح، ودفع المضار، وأن يسود العدل بين أفراد المجتمع فيما يتعلق بحقوق العباد في مختلف أوجه الحياة، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين الذين تركوا واقعاً فكرياً مشروخاً، وجراحات غائرة مازالت آثارها دامية في جسد الأمة حتى اليوم.. لذا لابد من إعادة إنتاج وتصحيح التاريخ الفكري والإرث الثقافي الذي شابه الكثير من التحريف والتزييف، وتحويله الى منهجية سديدة، وأفكار رشيدة للتعامل المسؤول مع مستجدات الواقع، فهماً واحتواءً، وترشيداً، والتحسب لما يفرزه المستقبل ومواكبة متطلبات العصر على ضوء نصوص الشريعة الإسلامية.. صفوة القول: المؤسف أن الأمة العربية والإسلامية تمر اليوم بمرحلة خطيرة فكرياً وعقائدياً وأخلاقياً، وكل هذا بسبب الخلافات السياسية والفكرية والمذهبية.. لذا لابد من استئناف المسيرة المعرفية والفقهية إنطلاقاً من مشروع جامع لإعادة قراءة النصوص من خلال فقه الواقع بعيداً عن الخضوع لتقريرات واجتهادات ماضوية صلحت في زمنٍ ما وانتهت، وأن يكون ذلك في إطار الكسب المعرفي البشري المشترك من علمائنا وفقهائنا الأجلاء دون تعصب أو تزمت أو تطرف، لإحداث رؤى متقاربة ومتصالحة بين النقل والعقل في ضوء الواقع.. ومن خلال دور المؤسسات الفكرية والثقافية في العالم الإسلامي، وخارجه لتوسعة باب الاجتهاد الذي يجمع علماء الأمة على كلمة سواء، ويظل باب الاجتهاد مشرع الأبواب، مرفوع الرايات ما دام المسلمون يتفاعلون مع المنهج الرباني الذي يجب أن يثوبوا إليه، ليحققوا به سعادة الدارين.. لذا علينا أن لا نخلط بين النقل الرشيد، والعقل السديد، لأن لكل زمان أحداثه وقضاياه، ولكل عصر مستجداته ورؤاه. ومضات نبوية: جاء في الحديث النبوي الشريف: "السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم".. وقال الإمام علي- عليه السلام- "العدل: الانصاف: والإحسان: التفضل، والعدل له معانٍ كثيرة متقاربة.. وقال تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة- 8.. والحاكم العادل في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. فالسلطان العادل حصن لأمته، وأمان لدولته، وركن ركين يعتصم به الضعفاء والمساكين وذوو الحاجة.. وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: "أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".