في عالم أصبحت فيه المواقف تُشترى والحقوق تُباع والكرامة تُساوم وقف اليمن ليكون الاستثناء وليكون ذلك الصوت الذي لا يعرف الانحناء، الصوت الذي بدأ بصرخةٍ انطلقت قبل عقدين من الزمن، حتى أصبح اليوم تهز عروش طغاة العالم وتتردد على أفواه أحراره قاطبة وفي ذكرى انطلاق الصرخة كان المشهد كلماتٍ تُردد، وموقفًا يتجسد في الساحات وفي القلوب وفي الميدان العسكري، فقد خرج اليمنيون بمسيراتٍ مليونية في المحافظات الحرة يصرخون بالموت لأمريكا وإسرائيل، قولا وعملا، فكانت الصرخة في الميادين وصداها يهز الكيان الصهيوني، فمع ساعات الصباح الباكر انطلقت الصواريخ اليمنية نحو العدو وفي المساء تكررت العملية وتوالت البيانات العسكرية للناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية تُعلن عن تنفيذ ضرباتٍ موجعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتبقي الصهاينة في ملاجئهم في هذه الذكرى ولتثبت أن اليمن يُقرن كلماته بأفعال تجعل الطغاة يعيدون حساباتهم فيما يفعلون. اليمن وبرغم العدوان الأمريكي والبريطاني المستمر عليه ورغم الحصار والقصف الذي لا يتوقف سيبقى ثابتًا، ولن يتراجع أو يستسلم، بل سيواصل الضربات المتوالية التي تربك أعداءه، فكيف لبلدٍ محاصرٍ ومدمر، بلدٍ كان يُنظر إليه على أنه ضعيفٌ تابعٌ للقوى الأجنبية، أن يكون اليوم في مقدمة المواجهة؟ كيف له رغم ما تعرض له من دمارٍ وحصارٍ وتجويع أن يرفض الذل ويُطلق صواريخه نحو العدو ويصبح اليوم درع الأمة وسنداً لغزة؟فاليمنيون لا يرضون بالهزيمة ولا ينسون حقهم إنهم يقاتلون بقوة الإيمان، بعزيمةٍ لا تضعف وعيٍ لا ينطفئ، وبرؤيةٍ تجعلهم الاستثناء في عالمٍ يسوده الظلم والإجرام.. في هذه الذكرى كان احتفالًا عمليًا وشعبيا وتأكيدًا أن اليمن لن يتخلى عن موقفه، انطلقت الصرخة لأول مرة من أحد مساجد محافظة صعدة وأمام مجموعةٍ قليلة من الناس لا يتجاوزون العشرات، لم يكن أحدٌ حينها يتخيل أن هذه الكلمات التي أطلقها السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي ستتحول إلى منهجٍ يُتبع، إلى موقفٍ يُطبق راية يرفعها الملايين، اليوم الصرخة تُردد في كل شبرٍ من أرض اليمن، بل إنها وصلت إلى العالم، وإلى كل من لا يزال يحمل ضميرًا حيًا، إلى كل من قرر أن يرفض الظلم، إلى كل من لا يقبل أن يكون جزءًا من عالمٍ منافق ومتخاذل وظالم، ففي وقتٍ خذل فيه الجميع غزة وأصبح الدفاع عن المظلومين مستحيلًا، كان هنا اليمن الصوت الذي لم يضعف، والثورة التي لم تنطفئ، والعقيدة التي لم تُباع، اليوم يُثبت اليمن أنه رقمٌ صعب وأنه المعادلة التي لا يُمكن تجاوزها والبلد الذي رفض أن يكون جزءًا من منظومة الذل، اليوم هو يومٌ يُكتب في التاريخ ليس فقط لأنه ذكرى للصرخة وبل لأنه لحظةٌ يُعاد فيها تعريف المواجهة، ويُعاد فيها رسم طريق الكرامة، اليمن لا ينهزم.. لأن الإيمان أقوى من العدوان، ولأن الصرخة أصبحت أمةً كاملةً تصرخ ضد الطغيان.