لو افترضنا – مجرد افتراض – أن بنيامين نتنياهو (بيبي) أجرى استفتاءً بين المستوطنين قبل خوض مغامرته العسكرية الرعناء في مواجهة إيران، هل كان سيحصل على تفويض منهم للمخاطرة بمصير الكيان في حرب غير محسوبة العواقب؟ بحسب رأيي المتواضع، الإجابة هي نعم. ليس ذلك بسبب ثقة المصوتين المطلقة في حنكة نتنياهو السياسية أو العسكرية – إن جاز مثل هذا الافتراض – بل بسبب طبيعة المجتمع الاستيطاني، وعنصريته المُتفشية، وكرهه العميق لكل ما هو مختلف، خاصة إذا كان هذا "المختلف" عربيًا أو مسلمًا. إن فشل نتنياهو في مغامرته، ومني بهزيمة ساحقة أمام إيران، فسوف يُحاسَب حسابًا عسيرًا من قِبَل نفس القاعدة الشعبية التي فوضته. لن يكون العقاب بسبب الجرائم التي ارتكبها، بل لأن هزيمته ستُترجم إلى تدمير البنية التحتية للكيان، وتجريد المستوطنين من الأمان الوهمي الذي تمتعوا به لعقود. بالفعل، بدأ هذا السيناريو الكابوسي يظهر في خطاب بعض أعضاء الكنيست، الذين حذروا من أن الكيان قد يصبح "غزة أخرى" تحت القصف أما الكارثة الأكبر التي يخشاها المستوطنون في حال خسارة مواجهتهم مع إيران، فهي أن تُعتبر هذه الهزيمة إيذانًا ببداية النهاية لكيانهم الغاصب. فمهما طال عمره، فإن زواله حتميٌّ، تحقيقًا للوعد الإلهي الذي يؤمن به الملايين من المظلومين في العالم. اليوم، لم تعد المقاومة محصورة في غزة أو لبنان، بل امتدت إلى جبهات متعددة، من اليمن إلى العراق، مما يجعل الكيان أمام حرب استنزاف وجودية. والغريب أن حتى في حال انتصار نتنياهو – إن جاز التعبير – فإن "شهر العسل" السياسي الذي سيحظى به لن يدوم طويلًا. فستُفتح أمامه ملفات الفساد التي لاحقته قبل الحرب، والتي كانت الدافع الرئيسي لاستعراض عضلاته العسكرية. فها هو يُحاكم بينما يدير حربًا، ويُتهم باستخدام الدماء لإنقاذ كرسيه. لكنها سنة الحياة: ما لا يُصلحه الحق، يُدمّره الباطل اليوم، بعد أن كشفت إيران عن ضعف الكيان، وأظهرت المقاومة في غزة صموده لأكثر من 200 يوم، أصبح السؤال ليس "هل سيزول الكيان؟"، بل "متى؟". المستوطنون بدأوا يدركون أنهم يعيشون على قنبلة موقوتة، وأن زعيمهم قد يكون قاب قوسين أو أدنى من جرّهم إلى الهاوية.