جعلت من الفن التشكيلي لوحات تعبر عن روح المقاومة والحياة اليومية للمجتمع، لتجد نفسها بين فرشاة وألوان حملت في طياتها رسائل عميقة جمعت بين اليمن وقضايا الأمة لا سيما القضية الفلسطينية. الأستاذة. أمة الجليل الغرباني، إحدى المبدعات في الفن التشكيلي لمحافظة ذمار، أدركت منذ التحاقها بقسم التربية الفنية في كلية التربية بجامعة ذمار خلال العام 2006م، أن الفن سلاح إبداعي لا يُهزم ابدا، يبقى مدافعا عن الثوابت الدينية والوطنية والإنسانية.. تأثرت بالمدرسة الانطباعية، وصقلت اسلوبها الخاص القائم على الألوان الصافية والرموز المعبرة، أصبحت لوحاتها شهادات حية توثق جرائم تحالف العدوان على اليمن، وقبسا من الأمل لانتصار القضية الفلسطينية. لقاء: محمد العلوي * ما الذي دفعك إلى خوض غمار الفن التشكيلي؟ ** كان لدي حب وشغف كبير للرسم والتلوين، ورسم الخرائط منذ أيام الدراسة، وبحكم ظروف الأسرة، اخترت دخول الفنون الجميلة في كلية التربية بجامعة ذمار، حينها رأيت الفن التشكيلي سلاحا ورسالة إبداعية للدفاع عن مظلومية الأمة، وكذلك التمسك بالثوابت الدينية والوطنية والإنسانية. الشغف بالفكرة * أين يتجلى مكمن الشغف في أعمالك الفنية؟ ** طبعا الشغف ينبت الإحساس بالفكرة فيزهرها لوحة فنية تعكس مدى اختيار الألوان بعناية كي تسمع صوت من لا صوت له يتجاوز كل الحدود، تلقيت الدعم من أسرتي والتشجيع من أساتذتي، على متابعة ودراسة أعمال المدرسة الانطباعية، صقلت مواهبي وأضافت عمقا إلى لوحاتي. الأمل والثبات * من أين تنبثق تلك الأفكار التي تحدد مسار اللوحات؟ ** من الهوية والقضية، ومن الطبيعة والمظلومية، ومن البورتريهات لوجوه معبرة، فكل لوحة أراها تضيء قبسا من الأمل والثبات، أنظر من خلالها للنصر القادم للأمة، بإذن الله. لليمن وفلسطين * تحدثت عن الهوية والقضية.. كيف يتم ترجمة ذلك بالألوان؟ ** القضية الفلسطينية متجذرة في وجداني منذ أن نشأت وترعرعت، هكذا وجدتها مصاحبة لي، ولهذا شاركت بأعمال عديدة تعبر عنها، وعندما بدأ العدوان على اليمن، مزجت ألم فلسطين بألم اليمن في لوحاتي، لتكون صوتا للجميع. ألواني صافية هل تستخدمين رموزا محددة في أعمالك وما دلالاتها؟ بالنسبة لي أعتمد على الألوان أكثر من الخطوط، وألواني صافية حتى في الظلال، أستبدل البني الداكن بالبرتقالي والبنفسجي، لتعكس الأمل وسط الظلام. قراءة متعمقة * ما دور الفن التشكيلي في تعزيز الوعي بقضايا الأمة؟ ** للفن التشكيلي ومختلف الفنون دور كبير في تعزيز الوعي بلغة بصرية بسيطة، لكنها متعمقة في التأمل، يستطيع التشكيلي نقل المعاناة إلى أكبر شريحة دون حاجة إلى شرح وتفسير، فلوحة صغيرة تلخص معاناة سنوات من الحرب والحصار على بلادنا، وهناك الكثير من المعارض الفنية وثقت جرائم العدوان على بلادنا خلال السنوات الماضية، والأمر ذاته كذلك مع القضية الفلسطينية منها حملة المقاطعة لبضائع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، من خلال المعارض التي أقيمت في المدارس والجامعات والتجمعات الثقافية وغيرها. القمح والاكتفاء * ما هي أفضل أعمالك التي تركت فيك أثرا إلى اليوم؟ ** طبعا هي لوحة من المقاس الصغير، تعود تقريبا للعام 2007م، شاركت بها في مهرجان أسعد الكامل بذمار، تمثل الوطن العربي بألوان معينة، استخدمت اللون "الأوكر" بدرجة أساسية الذي يرمز للون القمح، وعليها حرف "ض"، ولون آخر بالأسود يرمز ل"الاحتلال الإسرائيلي"، بينما كان اللون الفيروزي للدول الإسلامية، أما اللون الأحمر رمز لدماء الشهداء، وقصدت باللون "الأوكر" الذي يرمز بدرجة أساسية للقمح للدلالة على أهمية الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي الأساس في انتصار الأمة. اللوحة كانت جميلة جداً ومعبرة، نالت اعجاب جمهور واسع في المهرجان، ورفضت الكثير من العروض لأبيعها، لكنني فضلت أن احتفظ بها، تم اهداؤها فيما بعد لشقيقتي التي هي فعلا تستحقها دون غيرها. ثقافة محدودة * برأيك ما أسباب تراجع الفن التشكيلي في ذمارواليمن بشكل عام؟ ** قبل أن اتحدث عن الأسباب، دعني أقول لك شيئاً، وقد تكون شهادتي مجروحة، بإن ذمار مدينة الفن التشكيلي، والمبدعين من أبنائها كثير الذين برزوا خلال العقود الماضية، لا يزال العديد منهم يمارسون ابداعاتهم بشغف، ولكن افرازات العدوان والحصار، أجبرت العديد منهم على البحث عن مصادر رزق أخرى تحسن من أوضاعهم المعيشية، دون احتواء وتشجيع من الجهات المعنية. الحركة التشكيلية في بلادنا مستمرة، ولكن حضورها ضئيل من خلال بعض الأنشطة الثقافية الثانوية المصاحبة لبعض الفعاليات، لكنها لا ترتقي للمستوى الذي يجب أن تتصدر المشهد ليكون لها دور مؤثرا وفاعل على الرأي العام العربي والدولي للعديد من الأسباب المختلفة. حيث تبرز في مقدمة تلك الأسباب، ارتفاع أسعار المواد الفنية والتقنية المستخدمة في الفن التشكيلي، مع استمرار غياب دعم الحكومة والوزارة لمكتب الثقافة، وكذلك لبيت الفن الذي يحتوي كافة الفنانين، كذلك لا يوجد توجه جاد لاقتناء أعمال الفنانين التشكيلية سواء من الجهات الرسمية الحكومية أو الخاصة، بما في ذلك أبناء المتجمع، جراء محدودية ثقافة اقتناء الاعمال الفنية التشكيلية، للأسف الشديد تجدهم يفضلون شراء الاعمال التجارية الجاهزة، بعكس الشغف على اللوحات التشكيلية في بقية المجتمعات. الذاكرة التاريخية * من خلال حديثك ما الذي يجب حاليا على الحكومة ووزارة الثقافة؟ ** ما نأمله من الحكومة هو دعم وتفعيل صندوق التراث، وألا ينظر للفنون بالإهمال خلال هذه الفترة التي يفترض أن تشهد حراكاً ثقافياً لاسيما الفن التشكيلي ليكون مواكبا لتفاصيل المرحلة، التي ستكون أعمالها الراهنة جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الثقافية التاريخية لليمن خلال العقود المقبلة. ينبغي إعادة الحركة التشكيلية لتكون في سياق الفن الوطني المقاوم على المستوى المحلي، لا تختلف عن الفن الشعبي ل "الزامل" الذي تصدر المشهد ليس على الصعيد المحلي، بل وصل إلى المستويين العربي والإسلامي والعالمي، من خلال التركيز على القضية الوطنية، وكذلك مشاركة اليمن الفاعلة في الدعم والمساندة للمقاومة الإسلامية قولا وعملا ضمن معركة طوفان الأقصى في العمليات العسكرية اليمنية المختلفة. يجب أن يكون الفن التشكيلي حاضرا في قضايا الامة بقوة، وخصوصا دعم غزة في معركتها المصيرية، حتى النصر.