انتهت القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا وسط رضا الطرفين, وإعتبارها قمةً تاريخية بناءة بإمتياز, بعد ما نُوقشت فيها العديد من النقاط المتعلقة بأوكرانيا, لكنها لم تستطع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار, وانتهت على أمل حصول اللقاء التالي في موسكو, في حين أشارت وسائل إعلام أوروبية إلى التفوق الواضح الذي حققه الرئيس بوتين, فيما اعتبرت بضعة أوساطٌ أمريكية بأن القمة خيبت الأمال, وأجلّت السلام وحصول ترامب على لقب "صانع السلام" بإعتمادها شعار "البحث عن السلام", فيما رأى اّخرون بأنها بداية جيدة لكسر الجليد في الحوار الروسي - الأميركي. وفي كافة الأحوال, نالت القمة العلامة الكاملة وفق تقييم الرئيس ترامب, خصوصاً وأنها أظهرت الإحترام المتبادل بين القوتين العظميين، لكنها فضحت في الوقت ذاته حالتي الإرتباك والذعر في بروكسل وكييف, ومنعت قادة الإتحاد الأوروبي رغم المكالمة الهاتفية مع الرئيس ترامب, من اعتماد بيان مشترك حول القمة, مكتفين بوعود "مواصلة الضغوط وتشديد العقوبات على روسيا وإقتصادها الحربي إلى أن يتم تحقيق السلام العادل والدائم". لقد قادهم ضعفهم نحو إكتفاء (ميرس، ماكرون، ميلوني، ستارمر، والرئيس الفنلندي ستاب، ورئيس الوزراء البولندي توسك، رئيسة المفوضية فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي كوستا ) بتوقيع وثيقة تنص على ضرورة حصول كييف على "ضمانات أمنية لحماية سيادتها وسلامة أراضيها, ورفع القيود المفروضة على توريد الأسلحة إلى كييف، وتأكيداً على استمرار سعي أوكرانيا للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي والناتو". في وقتٍ لم تَحسم فيه نقاشاتهم إختلاف رؤاهم عن رؤية ترامب لحل الأزمة الأوكرانية, مع إصرار ترامب على توقيع معاهدة سلام تُوفّر الضمانات الأمنية واّلية حل القضايا الإقليمية، وما بين إصرارهم على ضرورة إبرام اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار بشكل مؤقت. كذلك كشفت تصريحاتهم إنكسارهم ويأسهم, وإعتبارهم أن قمة ألاسكا حققت إنتصاراً كبيراً لروسيا على الساحة الدولية، وبأن الخاسر الأكبر هو الإتحاد الأوروبي, في وقتٍ رحبت فيه الهند والسعودية وسلوفاكيا وغير دول بالقمة، وبإتاحتها الفرصةً لإعادة فتح صفحةٍ جديدة في تاريخ العلاقات بين موسكووواشنطن. إن ضعف الأوروبيين وعجزهم عن ضمان أمنهم, دفع بعضهم كفرنسا وبريطانيا للإختباء وراء المطالبة بضمان أمن أوكرانيا, وحقها بالسعي للإنضمام للناتو, متجاهلين شروط روسيا وخطتها التي قدمها بوتين لترامب في ألاسكا, لإبرام اتفاق سلام مع أوكرانيا, وإصرارها على نزع سلاحها وتطهيرها من النازية، وانسحاب القوات الأوكرانية من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ومنطقتي خيرسون وزابوروجيا, والإعتراف الدولي بشبه جزيرة القرم, ورفض انضمام أوكرانيا إلى الناتو, ورفع العقوبات الدولية المفروضة على روسيا. لقد أكدت القمة بشكلٍ قاطع, إمكانية نجاح اللقاء والحوار المرن ما بين القوى العظمى, بعيداً عن الذهنية البيروقراطية الأوروبية, التي حجبت الرؤية وقدرة إستيعاب الأوروبيين للتغيرات السياسية التي فرضتها التغيرات العسكرية على الأرض, خصوصاً في معارك خسرتها الدول الأوروبية وسلطة كييف, بما يفرض عليهم التراجع واستيعاب أسباب عدم دعوتهم لحضور القمة, عوضاً عن اللجوء إلى تشويه نتائج القمة, والإصرار على عزل روسيا والإستمرار بتطبيق الضغوط والعقوبات عليها, ناهيك عن سباقهم الإستعراضي نحو تدمير إقتصادها. بات من المؤكد أن ما قبل قمة ألاسكا يختلف عما بعدها بالنسبة لكييف والأوروبيين, وأصبح من الصعب على دول الإتحاد الأوروبي بلورة موقف موحد حول أوكرانياوروسيا والولايات المتحدة, وباتت أصواتهم مبهمة استراتيجياً واقتصادياً, الأمر الذي سيدعم مستقبلاً تهميشهم الدبلوماسي في الملف الأوكراني وغير ملفات حول العالم, ويبشرهم بإنتهاء العمل بمسابقة وجائزة الصراخ الأوروبي. لا يمكن لزيلينسكي والأوروبيين الرهان على إحداث أي اختراق في مواقف ترامب في لقاء اليوم الإثنين في واشنطن, رغم الإعلان عن إنضمام الأمين العام للناتو ورئيس الوزراء البريطاني إلى الاجتماع, بهدف دعم زيلينسكي, ولتحقيق أهدافهم بعيدة المدى, حتى لو تطلب ذلك استمرار الصراع الذي تتم تحت جنحه إعادة تسليح أوروبا, وتعزيز أمنها, أو بموافقتهم على وقف إطلاق النار والسلام, مقابل نشر قوات دولية على الأراضي الأوكرانية تكون فيها حصة الأسد من نصيب الأوروبين, بما يمكنهم من فتح جبهة ثانية ضد روسيا لمحاصرتها في منطقة البلطيق. 18/8/2025