لم يكن مستبعدًا أن يُحرّك الاستعمار البريطاني والأمريكي أدواته الإقليمية والمحلية في المحافظاتالجنوبية لتقويض ثورة 14 أكتوبر بعد 62 عامًا، فأهمية هذه الثورة ودلالاتها وأثرها الكبير على القوى الاستعمارية الغربية جعلها حاضرة في ذاكرة تلك القوى التي لم تغمض عينيها عن المحافظاتالجنوبية منذ عقود. فمشاريع الاستعمار التي سقطت بسقوط الاستعمار البريطاني في ستينيات القرن الماضي، عادت بمسميات مختلفة وبأيادٍ استعمارية إقليمية ومحلية منذ سنوات، وهو ما يعكس عظمة هذه الثورة التي تمكن فيها شعبنا في المحافظاتالجنوبية من كسر الغطرسة الاستعمارية الأجنبية. وكما يبدو، فإن الاحتلال السعودي الإماراتي الجديد في الجنوب قد استند إلى حسابات خاطئة في هذا الشأن ليُحيي مشاريع غابرة، أو أنه يتوهم بأن شرارة ثورة ال14 من أكتوبر قد انطفأت بعد ستة عقود، وأن البندقية التي أطلقت رصاصة الرحمة على الاستعمار البريطاني غير قادرة على حماية مكتسبات ثورة أكتوبر المجيدة، والعكس صحيح. وما يجب أن تدركه قوى الاحتلال الناعمة الجديدة في المحافظاتالجنوبية، أن مصيرها سيكون أسوأ من مصير الاستعمار البريطاني، وأن استمرار عبثها بثروات ومقدرات الجنوب الوطنية لن يمنحها أي نفوذ استعماري في أرض الجنوب، وعمر المستعمر الجديد أقصر بلا شك من عمر الاستعمار البريطاني. فثورة 14 أكتوبر التي انطلقت من جبال ردفان، لم تكن مجرد حدث تاريخي عابر في حياة شعبنا، بل حدثًا تاريخيًا غيّر مجرى التاريخ في جنوب الوطن، وتمكن من خلالها شعبنا من إنهاء حقبة الاستبداد والطغيان الإنجليزي من جنوباليمن بعد 129 عامًا من الاستعمار، كما أسقط كافة المشاريع التآمرية التي أسسها الاستعمار على مدى عقود زمنية. لذلك، فإن كافة محاولات إعادة تلك المشاريع بمسميات مختلفة لن يُكتب لها النجاح، لأن شعبنا اليمني الذي صنع فجر أكتوبر المجيد قبل 62 عامًا وانتزع الحرية والاستقلال من قبضة الاستعمار البريطاني، قادر على حماية منجزات الثورة وإسقاط كافة محاولات الالتفاف على الثورة وعلى أهدافها ومكاسبها العظيمة. فشعبنا اليمني اليوم أقوى من أي وقت مضى، رغم الانقسام السائد الناتج عن العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، وقدرات قواتنا المسلحة التي فرضت معادلات عسكرية على المستوى البحري والجوي، وكسرت الغطرسة الأمريكية في البحر الأحمر، وفرضت معادلة ردع عسكرية غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني من خلال عمليات الإسناد لغزة، قادرة على دحر الاحتلال الجديد وإنهاء كافة المشاريع الاستعمارية. وهنا نؤكد أن شعبنا لم يتجاهل مخطط الاستعمار الذي يحاول إعادة الوضع في الجنوب إلى ما قبل ثورة 14 أكتوبر 1963م، فهذا التوجه الاستعماري الذي تقف وراءه دول التحالف السعودي الإماراتي يُعد أحد المحاولات البائسة التي يرمي الاحتلال الجديد من خلالها إلى تنفيذ مخطط استعماري قديم تحت مسمى "دولة الجنوب العربي"، وهو مشروع بريطاني استعماري يهدف إلى إفراغ ثورة 14 أكتوبر من مضمونها ومن أهدافها الأساسية، المتمثلة بالاستقلال الكامل، وإيجاد حكومة شكلية تابعة للاستعمار الأجنبي وليست حكومة وطنية كما هو جارٍ اليوم. فالحكومات التي يفرضها الاحتلال الجديد تمثل السعودية والإمارات وتنفذ أجنداتهما، ولا تمثل الشعب اليمني ولا تحمي مصالحه ومكتسبات ثورته الوطنية، وبالمثل عادت أجندات الاستعمار وأدواته من مشاريع تجزئة وتفتيت ومليشيات متعددة الولاءات. لذلك، نؤكد أن الممارسات والوقائع والأحداث التي تجري في المحافظاتالجنوبيةالمحتلة تُعد امتدادًا للاستعمار البريطاني البغيض، فالمشاريع الاستعمارية متشابهة، ولا فرق بين محتل وآخر، فالاحتلال يدمر الأوطان وينهب الثروات الوطنية، ويرى أن تدمير المقدرات الوطنية وتعطيلها ضرورة لإطالة بقاء الاستعمار. في الختام، نؤكد أن بندقية الشهيد راجح غالب لبوزة التي أرعبت الاستعمار البريطاني وأشعلت فتيل ثورة 14 أكتوبر المجيدة، لا تزال باقية، وعلى المحتل الجديد أن يقرأ تاريخ اليمن جيدًا، وأن يستفيد من دروس وعِبر ثورة أكتوبر المجيدة، كونها إحدى أعظم الثورات العربية التي انتزعت الحرية وفرضت التحرر والاستقلال بقوة الإرادة الشعبية.