لم تعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مجرد قوة إقليمية فاعلة في ميدان الصواريخ، بل تحولت إلى دولة تمتلك واحدًا من أكثر برامج التسليح الصاروخي تطورًا على المستوى العالمي، خاصة في قطاع الصواريخ الفرط صوتية (Hypersonic Missiles)، التي تشكل اليوم رأس الحربة في معادلات الردع وتوازن القوى الاستراتيجية. زين العابدين عثمان فبالرغم من العقوبات والحصار التقني والعسكري غير المسبوق لأكثر من أربعة عقود، نجحت إيران، بفضل الله تعالى، في كسر الحصار المفروض عليها، وتمكّنت من توطين الصناعات الصاروخية فائقة الدقة والسرعة بجهد ذاتي وقدرات هندسية وتقنية وطنية. برنامج الصواريخ الإيرانية القدرات التي وصلت إليها إيران في مجال الصواريخ تُعدّ من المستويات الحديثة للغاية، حيث بات بعضها ينافس أحدث النظائر التي تصنعها روسيا والصين، ومنها الصواريخ الجوالة (كروز)، والصواريخ الباليستية النقطية، والصواريخ الفرط صوتية (هايبرسونيك)، التي تُعتبر أحدث وأفتك تقنية في مجال الصواريخ (أرض - أرض) على مستوى العالم، إذ لم تتمكن أي دولة من تطويرها، خصوصًا من القوى العظمى كأمريكا وبريطانيا وغيرها، باستثناء روسيا والصين، وإيران التي تُعد حاليًا الدولة الثالثة في هذا المجال. أنواع أحدث صواريخ إيران تأتي في المقدمة صواريخ خيبر شكن ونظائرها من النسخ المعدلة التي تعمل بالوقود الصلب، مثل صواريخ الحاج قاسم (خيبر شكن 2)، والتي تُعد أول باكورة تقنية فوق سرعة الصوت، إذ تمتلك قدرة تسارع من 1 إلى 8 ماخ، مع خاصية التحليق خارج الغلاف الجوي. تليها صواريخ عائلة فتاح (FTTAH)، وهي نسخ تم تطويرها خلال عامي 2020–2021 انطلاقًا من نموذج خيبر شكن، وتُعد الأحدث من حيث التجهيزات والقدرات الخارقة، مثل الدقة العالية والقدرة على المناورة والسرعات الكبيرة التي تصل إلى 1–15 ماخ في الجيل الأول (فتاح-1)، وإلى 1–20 ماخ في الجيل الثاني (فتاح-2) المزود برأس حربي انزلاقي (HGV). خصائص صاروخ فتاح1 1- القدرة العالية على المناورة، حيث يمكن ل«فتاح-1» اتخاذ مسار تحليق مختلف عن المسار الباليستي التقليدي، خصوصًا في مرحلته النهائية، بفضل امتلاكه معزز دفع إضافيًا يمنحه القدرة على تنفيذ مناورات خارقة ضد أحدث أنظمة الدفاع الجوي. 2- القدرة على التسارع من 1 ماخ إلى 15 ماخ، وهي سرعة كافية لتأيين ذرات الهواء المحيطة بالصاروخ بشكل كبير، ما يؤدي إلى تكوّن طبقة من البلازما تغطي الرأس الحربي أثناء التحليق، وتمنحه قدرة فعالة على الإفلات من إشارات الرادارات وأنظمة الإنذار المبكر الجوية والأرضية. 3- إصابة الأهداف بدقة عالية، مع هامش خطأ قد يصل إلى خمسة أمتار من مدى يبلغ 1450 كيلومترًا، فضلًا عن تزويده برأس حربي يزن نحو نصف طن، ما يمنحه قوة تدميرية كبيرة، خصوصًا ضد الأهداف المحصنة. وبهذه الخصائص تُعد صواريخ فتاح من أفتك وأخطر الصواريخ الفرط صوتية ذات النمط الباليستي، وتوازي في قدراتها صواريخ كينجال وتسيركون الروسية، مع فارق تفوق فتاح في تجهيزاته وقدراته وتأثيراته التدميرية في مسرح العمليات، وهو ما ثبت خلال عمليات الوعد الصادق 3 (حرب الاثني عشر يومًا)، التي قدّمت مشهدًا لافتًا في استهداف كيان العدو الصهيوني بضربات دقيقة ومؤثرة. نقلة علمية واستراتيجية نوعية الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية ليست مجرد إنجاز تقني، بل تمثل تتويجًا لتطور علمي استثنائي في الصناعات العسكرية الإيرانية، من الديناميكا الهوائية، إلى تكنولوجيا الدفع، مرورًا بأنظمة التوجيه المتطورة التي تتيح للرأس الحربي تغيير مساره داخل وخارج الغلاف الجوي، وتنفيذ مناورات مباغتة بسرعات هائلة، ما يعزز القدرة على الإفلات وتجاوز أحدث أنظمة الدفاع الجوي بمختلف فئاتها الصاروخية والإلكترونية. فهذه الصواريخ تمثل جيلًا جديدًا من الحروب، حيث لم تعد المسألة تقتصر على القوة التدميرية أو المدى، بل تشمل سرعة الوصول، والقدرة على المناورة والاختراق، والدقة، والفعالية التكتيكية في ساحات القتال الحديثة. قواعد الاشتباك وتوازن القوة والردع امتلاك إيران للصواريخ الفرط صوتية لا يهدف فقط إلى تحقيق توازن ردع، بل يمثل رسالة مباشرة لمعسكر الهيمنة الأمريكي–الغربي وكيان العدو الصهيوني، مفادها أن أي عدوان جديد على إيران لن يكون محدودًا أو تقليديًا، وأن الرد الإيراني سيكون مدمّرًا وساحقًا، وبمستوى يفوق عملية الوعد الصادق 3، التي ألحقت خسائر كبيرة بكيان العدو الإسرائيلي خلال 12 يومًا فقط. ويمثل إدخال إيران لهذه التكنولوجيا المتقدمة في خط المواجهة مع العدو الإسرائيلي خطوة نوعية، منحت القوات المسلحة الإيرانية، بعون الله تعالى، أفضلية واضحة في تجاوز مختلف طبقات الدفاع الجوي بسهولة، إضافة إلى القدرة على تدمير بنك الأهداف الحساسة والدقيقة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة. فهذا الصاروخ، بما يمتلكه من قدرات، قادر على توجيه ضربات خاطفة لا يمكن صدّها، وبصورة لا تتيح للعدو الإسرائيلي الوقت الكافي لتشغيل منظوماته الدفاعية أو إخلاء مستوطنيه إلى الملاجئ، إذ تمكّنه سرعاته العالية التي تصل إلى 15 ماخ من قطع المسافة المفترضة من إيران إلى يافا أو حيفا المحتلتين خلال 3–4 دقائق فقط، وهي مدة حرجة تتجاوز قدرة أحدث الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي والأرضي على تنفيذ أي رد عملياتي.