نحن اليوم في حالة فوضى إدارية وعجز مالي. اغتيالات أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني سبب رئيسي لاشتعال حرب عام 1994م، والحرب سبب رئيسي لما نحن فيه اليوم. النظام الإداري الذي كان وما زال سائدًا هو نظام تركي ومصري، بطيء وممل، بينما النظام الإداري الذي كان في جنوب الوطن هو الأفضل. عشرات الحالات من الاغتيالات كانت تُسجَّل ضد مجهول. بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام مشايخ أو تجار لم يدخلوا مدرسة، ولم يمرّوا من جانب مدرسة. بعد شهر مايو من عام 1990م، عملت قيادة شطري الوطن بأمور ومسائل عوجاء، فأوجدت نتائج عوجاء، ومع مرور السنين تنامت الأخطاء المسكوت عنها وأوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم من فوضى إدارية وعجز مالي. بعد الوحدة، ساد النظام الإداري الذي كان معمولًا به في دولة الجمهورية العربية اليمنية، وهو في الأصل نظام تركي ومصري، يتصف بالروتين الممل، وهو معروف للجميع ببطئه وتعقيده. وكان أبناء المحافظاتالجنوبية يظنون، خطأً، أنهم مستهدفون بالإهمال بسبب هذا النظام الإداري الذي ما زال سائدًا حتى اليوم. أحد زملائي من أبناء منطقة ردفان قال لي بما معناه: "إن معاملته في الوزارة لها عدة أسابيع ولم يجد ردًا، وقال إن المعنيين أهملوه لكونه جنوبيًا". قلت له: هذا النظام لا يعرف شماليًا أو جنوبيًا، فهذه طبيعته، وهو ممل وبطيء على الجميع. قال: لماذا لم يعملوا بالنظام الإداري الذي كان سائدًا عندنا في جنوب الوطن؟ قلت له: هذا السؤال أكبر مني ومنك، وجّهه للمسؤولين الكبار، والكبير الله. واستمر النقاش، وانضم إليه مجموعة من الزملاء من عدن وصنعاء، وأجمعنا أن النظام الإداري الذي كان سائدًا في جنوب الوطن هو الأفضل. المحطة العاشرة، أو العشرين، والأكثر تعقيدًا، التي أضرّت بالوحدة كثيرًا، هي حالات الاغتيالات التي طالت قيادات وكوادر وقواعد الحزب الاشتراكي اليمني، وكانت تُسجَّل دائمًا ضد مجهول. كانت حالات كثيرة ومؤلمة، والأكثر إيلامًا أن بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام كانت تُسمّيها وتُعلنها حالات ثأر، هكذا، دون حياء أو خجل، يسمّونها ثأرًا، وكل ذلك يتناقض مع حديثهم المتكرر الذي قالوه بالحرف الواحد: "إن الوحدة اليمنية تجبّ ما قبلها". والواقع أن أعضاء الجبهة الوطنية الديمقراطية وأعضاء الحزب الاشتراكي اليمني لم يكن أحد منهم قاتلًا أو قاطع طريق، بل كانوا يحملون مشروع دولة نظام وقانون، دولة مؤسسات. ولهذه الاعتبارات، لم يكن من المناسب أن يقول قياديون من المؤتمر، شريك الوحدة: "إنها حالات ثأر". قال رفاقنا من أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني، الذين ينتمون جغرافيًا إلى المحافظاتالجنوبية، لنا نحن أعضاء الحزب الاشتراكي الذين ننتمي جغرافيًا إلى المحافظاتالشمالية: ليس من اللائق بقيادات كبيرة وواعية في أكبر حزب سياسي في اليمن أن تقول هذا الكلام، وتتقول بعدة ادعاءات معادية للاشتراكي أو غيره، يقصدون الكلام غير اللائق والمتعدد السوء، بما في ذلك القول إن فلانًا وفلانًا قُتلوا بسبب الثأر. قلنا لهم: إن القيادات غير الجيدة في المؤتمر ليست واعية، فمعظمهم من المشايخ والتجار الذين لم يدخلوا مدرسة ولم يمرّوا من جانب مدرسة، والمؤتمر ليس حزبًا بالمعنى الدقيق، بل هو تنظيم جماهيري شعبي كبير، تنظيم فضفاض يقبل في صفوفه كل الناس، على غرار سفينة نوح. وبصرف النظر عن توصيف المؤتمر كحزب وسطي "ديماغوجي"، لا ننكر انتماءه الوطني، إلا أنه غير منظم، ومعظم قياداته "خجفان"*. بعضهم حرّض الأعضاء وحرّض أفراد المجتمع على محاربة الحزب الاشتراكي، الذي استشهد مئات من أعضائه في عمليات اغتيال لا أحد يعرف منفذيها، ولم يُقدَّم أحد إلى المحاكمة، وجميعها سُجِّلت ضد مجهول. ولا تفسير لتلك الحالات البشعة إلا أن المؤتمر وحليفه حزب الخونج هم المسؤولون، ولا أحد سواهم. أنا هنا أجزم القول، ومن غير حلفان، أن تلك الاغتيالات كانت السبب الرئيسي لاشتعال حرب صيف 1994م، وتلك الحرب الملعونة هي السبب الرئيسي لما نحن فيه اليوم من فوضى إدارية وعجز مالي. الهوامش: ديماغوجي: مصطلح سياسي ويعني غير الواضح في اتجاهه السياسي، أو المتذبذب من اليسار إلى اليمين والعكس.