شهدت إيران أعنف أحداث شغب منذ تولى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد منصبه، وذلك بعد بدء تطبيق خطة تقنين البنزين فى ساعة متأخرة من الليل بدون منح مهلة كافية للمواطنين، الذين فوجئوا بتطبيق القرار بعد نحو ساعتين فقط من اعلانه. واصطف سائقو السيارات الايرانيون الغاضبون أمام محطات البنزين لساعات، بعد أن بدأت إيران، رابع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، تنفيذ خطة لتقنين توزيع الوقود اثارت فورا حالة من الفوضى، وادت الى اضرام حرائق في محطات بنزين عديدة في العاصمة طهران ومناطق أخرى. ويأتي ذلك فيما أفادت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء بأن نوابا إيرانيين يسعون الى طرح قانون للتصويت في شكل عاجل للالغاء خطة تقنين البنزين بعد أعمال العنف. ويسعى النواب، ومعظمهم اصلاحيون ومعتدلون، الى طرح الاقتراح المذكور على التصويت، خصوصا أن اعمال العنف شملت ايضا مدنا في المحافظات، ويخشى ان تتواصل وتؤدي الى خسائر مادية كبيرة. ويلحظ مشروع القانون الذي أعده النواب التخلي عن التقنين وابقاء سعر ليتر البنزين على الف ريال (08.0 يورو). من جهته، توجه وزيرا الداخلية مصطفى بور محمدي والنفط كاظم وزيري همانة الى البرلمان للمشاركة في اجتماع مغلق مع النواب، وأكد همانة ان البنزين بسعر غير مدعوم لن يتم بيعه قبل شهرين على الأقل. وقال «نريد تحليل المعطيات خلال الشهرين المقبلين ثم سنحدد كمية البنزين التي ستباع بسعر حر»، وذلك بهدف تهدئة الغضب الشعبي. وقد تسابق السائقون للتزود بالوقود، مشكلين صفوفا امتدت مئات الأمتار، أو 5 كليومترات بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، بعد أن أعلنت وزارة النفط الايرانية، أن الخطة المؤجلة ستنفذ أخيرا اعتبارا من منتصف ليل أمس، بعد تضارب التصريحات على مدى شهور. وبعد بدء التنفيذ اضرمت النيران في محطة بنزين في حي بوناك الفقير في العاصمة طهران، في حين أحرقت جزئيا محطة أخرى في شرق المدينة. وقال شهود عيان ان اثنين من مضخات البنزين بها احترقتا تماما. وذكر عامل بمحطة بنزين (55 عاما) «نشبت شجارات كثيرة الليلة الماضية، الناس غاضبون بسبب القرار المفاجئ». اما الأشخاص الذين لم يتمكنوا من التزود بالوقود قبل منتصف ليل الثلاثاء، فقد ظلوا يواجهون زحاما شديدا صباح امس في بلد يرى الكثيرون فيه ان توافر الوقود الرخيص حق اساسي حتى بعد أن رفعت الحكومة في مايو (أيار) الماضي سعر لتر الوقود بنسبة 25 في المائة الى الف ريال (11 سنتا اميركيا). وعلى الرغم من احتياطياتها النفطية الضخمة، إلا أن ايران تفتقر للطاقة التكريرية، ويتعين عليها استيراد نحو 40 في المائة من احتياجاتها من البنزين، وهي مسألة حساسة في الوقت الذي تهدد فيه قوى عالمية بفرض عقوبات جديدة في اطار خلاف مع طهران بسبب برنامجها النووي. وقال عامل محطة البنزين في شمال طهران «ما زال الزحام مستمرا هذا الصباح لأن الكثيرين غادروا الليلة الماضية من دون التزود بالوقود»، وأثناء حديثه اندلع شجار بين المنتظرين للتزود بالوقود. ونقلت وكالات الانباء الايرانية، انباء عن صفوف طويلة من المنتظرين امام المحطات في مدن أخرى. ولم تقتصر اعمال العنف على العاصمة طهران التي تسير على طرقها نحو نصف عدد السيارات في ايران، المقدر بأكثر من سبعة ملايين سيارة. ففي بيرجاند عاصمة محافظة خوزستان الجنوبية (جنوب) وقع عراك بالأيدي بين سائقي سيارات امام محطات البنزين، بحسب وكالة انباء فارس. وأكدت وكالة انباء الجمهورية الاسلامية الايرانية، ان بعض اعضاء البرلمان يعدون على عجل مشروع قانون لوقف خطة التقنين. وبسبب نقص المواصلات العامة، يعتمد أغلب سكان طهران على سياراتهم الخاصة والسيارات الأجرة في التنقل في شوارع المدينة المزدحمة، التي يقطنها 12 مليون نسمة. لكن واردات الوقود تمثل عبئا كبيرا على خزائن الدولة، لأن جميع الوقود سواء المستورد أو المنتج محليا يباع بأسعار مدعمة بشدة، مما يشجع على اهداره. وقال التلفزيون الحكومي، ان السيارات الخاصة ستحصل على مئة لتر من البنزين شهريا، لكن الكمية قد تقل عن ذلك اذا كانت السيارات تستخدم الغاز الطبيعي كذلك. وقال سائق سيارة أجرة هو حسن محمدي «انا معارض مائة في المائة للتقنين، نحن نسبح فوق بحر من النفط، وكل ما يفعلونه هو زيادة الضغوط على الناس». ويباع البنزين بالفعل باستخدام بطاقات الكترونية «ذكية» لكن بعض السائقين لم يحصلوا عليها. ويقول المسؤولون ان البطاقات ستخفض احتمالات ظهور سوق سوداء للوقود. وقالت الولاياتالمتحدة التي تقود جهودا لعزل ايران بسبب طموحاتها النووية، ان واردات ايران من البنزين قد تكون «ورقة ضغط». وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد أحرقت في طهران وحدها 12 محطة وقود وفقا لعناصر الإطفاء في العاصمة، فيما ذكرت اذاعة طهران ان «مشاغبين الحقوا اضرارا بمحطات بنزين عدة». وظل التوتر سيد الموقف في محطات وقود عدة في العاصمة الإيرانية مع تسجيل صدامات احيانا بين عناصر الشرطة وسائقين غاضبين. واحرق متظاهرون ليلا محطة وقود في حي شعبي بشمال غربي طهران، ثم رشقوا قوى الامن بالحجارة، ورددوا شعارات معادية للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، اذ ردد متظاهرون في حي بوناك شعارات تدعو الى قتل الرئيس الايراني. وكان أحمدي نجاد وعد في حملته الانتخابية عام 2005 بأن يستفيد الايرانيون من العائدات المالية للنفط. لكن مالية ايران، ورغم كونها رابع دولة منتجة للنفط في العالم، تعاني بسبب عجز في انتاج البنزين، الذي تستورد اربعين في المائة من حاجاتها منه. وتنص خطة تقنين البنزين التي وضعت مبدئيا لمدة اربعة اشهر، وقد تمدد شهرين اضافيين على تحديد حصة 100 لتر بنزين شهريا لكل سيارة. وتخفض هذه الكمية الى 30 ليترا للسيارات التي تشغل ايضا بألغاز المسيل وترفع الى 800 لتر لسيارات الأجرة الرسمية والى 600 لتر لسيارات الأجرة الخاصة والمسجلة رسميا. وقال علي فرحاني المسؤول عن توزيع المنتجات النفطية، ان الحكومة تكون قد انفقت اعتبارا من 23 يوليو (تموز) مبلغ ال2.5 مليار دولار التي يخصصها مجلس الشورى (البرلمان) لشراء البنزين من الخارج للسنة الايرانية التي تنتهي في 20 مارس (آذار) 2008. وتقدر الحكومة تكلفة الواردات من البنزين ب9.5 مليون دولار من دون خطة التقنين. وتفاقمت هذه المشكلة لأن الدولة تخصص دعما كبيرا لكميات البنزين، التي يتم شراؤها من الأسواق الخارجية بأسعار مرتفعة. وزادت إيران سعر ليتر البنزين من 800 ريال (08.0 دولار) الى ألف ريال (10.0 دولار) في 22 مايو (أيار) الماضي. لكن هذا السعر يكاد يشكل خمس تكلفة اللتر الواحد في الأسواق الدولية. ولا تنتج المصافي الإيرانية سوى 44.5 مليون لتر من البنزين يوميا في حين يصل الاستهلاك اليومي من هذه المادة في البلاد حاليا الى 79 مليون لتر. وفي مطلع يونيو اطلقت الحكومة المرحلة الاولى من برنامج تقنين البنزين والتي استهدفت فقط السيارات التي تستخدمها الأجهزة الحكومية. وفي واشنطن، تبنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي اقتراح قانون يدعو الإدارة الأميركية الى معاقبة الشركات النفطية الأجنبية التي تتعامل مع إيران وهو يستهدف ضمنا شركات أوروبية مثل توتال. ويتهم اقتراح القانون الذي تبنته اللجنة بأغلبية 37 صوتا، مقابل صوت واحد طهران باستعمال اموال الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة من اجل تمويل نشاطاتها النووية ونشاطات «ارهابية». وقال النائب الديمقراطي غاري اكيرمان ان «الاستثمارات في القطاع النفطي في ايران تسمح لهذا البلد بتمويل برنامجه المتعلق بالأسلحة النووية وتسليح المتمردين الذين يحاربون القوات الأميركية ومساعدة حزب الله وحماس». وأضاف ان »الاستثمارات الاجنبية في إيران تستعمل لتمويل الإرهاب ومهاجمة الاميركيين». يشار الى انه لا توجد أي شركة اميركية في ايران والشركات الموجودة هي أوروبية ويابانية. واتهم رئيس اللجنة توم لانتوس (ديمقراطي) ادارة بوش بالتساهل كثيرا بعدم معاقبتها ابدا الشركات الأجنبية. وقال «حان الوقت كي توقف اوروبا استثماراتها في صناعة النفط في ايران، وسوف يساهم قانوننا في هذا الأمر». من ناحيته، اوضح النائب الجمهوري كريس سميث «نريد فرض عقوبات» لإفساح المجال امام الدبلوماسية كي تعمل. وكانت الولاياتالمتحدة فرضت في 1996 عقوبات على الشركات النفطية المرتبطة بإيران، ولكن الحكومة اختارت عام 1998 عدم تطبيق هذه العقوبات على الاتحاد الاوروبي. على صعيد آخر، دعت منظمة العفو الدولية ايران في تقرير نشر امس، لوضع حد لإعدام الأطفال أو تعديل القانون لعدم اصدار احكام بالإعدام بحق قاصرين. وأشارت هذه المنظمة التي تدافع عن حقوق الانسان ومقرها لندن الى ان 71 طفلا في ايران، متهمين بارتكاب جنح مختلفة ينتظرون حاليا صدور احكام بالإعدام بحقهم، وأن البلاد اعدمت من القاصرين اكثر من أي دولة أخرى في العالم منذ 1990. ومنذ ذلك التاريخ، أعدم 11 طفلا كانوا لا يزالون قاصرين كما أعدم 13 شخصا آخر، بعد أن ابقوا في السجن حتى بلوغهم سن ال18، حسب تقرير المنظمة. وقال مالكولم سمارت، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في هذه المنظمة غير الحكومية، ان «ايران هي عمليا الدولة الوحيدة التي أعدم فيها اطفال، كانت تقل اعمارهم عن 18 عاما، عندما صدرت احكام بالاعدام بحقهم لارتكابهم جرائم». وأضاف «حان الوقت كي تضع السلطات الايرانية حدا لهذه الممارسة المعيبة، وان تجاري باقي الأسرة الدولية التي توقفت منذ زمن طويل عن اعدام الاطفال، الذين يرتكبون جرائم». وأوضحت المنظمة انها سجلت اعدام طفلين في عام 2007 هما محمد موسوي، وقد اعدم بعد بلوغه سن ال19 عاما وسعيد قنبر زاهي، 17 عاما، بالرغم من نفي طهران لهذا الأمر. وبالاضافة الى ايران، فإن الدول التي ذكرت المنظمة في تقريرها، انها نفذت احكام اعدام بحق اطفال منذ 2003 هي الصين والسودان باكستان، داعية طهران الى تبني قانون حول هذه الاعدامات او وضع حد نهائي لها. " الشرق الاوسط"