تعكف الحكومة حاليا على تبني جملة من الإجراءات والسياسات لتحسين بيئة الاستثمار, في ضوء تنامي تدفق الاستثمارات الخليجية والعربية والعالمية, وارتفاع طلبات الاستثمار في مشاريع عملاقة تتجاوز تكاليفها المعلنة المائة مليار دولار. وتهدف السياسيات الاقتصادية اليمنية الجديدة إلى مواصلة جهود الإصلاحات الشاملة وتطوير التشريعات القائمة ومعالجة الإختلالات الهيكلية وتحسين أداء الإدارة الحكومية والاستغلال الأمثال للموارد الطبيعية للوفاء بمتطلبات النمو المتسارع وتحقيق النهوض الشامل. وترتكز السياسات الحكومية على مقومات كبيرة وواعدة للاستثمار وتسهيلات واسعة يكفلها قانون الاستثمار سواء من حيث الإعفاءات الضريبية والجمركية أو من حيث ضمان تدفق وتحويل الأموال ومنع تأميم المشروعات أو الاستيلاء عليها أو مصادرتها أو تجميدها أو فرض الحراسة عليها في أي ظرف إلا من خلال حكم قضائي . وقد شهدت السبعة الأشهر المنصرمة التي أعقبت مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار المنعقد بصنعاء أواخر إبريل المنصرم، إعلان شركات عالمية عن توجهات جادة لتنفيذ مشاريع ضخمة وعملاقة في اليمن وفي مقدمتها مجموعة شركات متعددة الجنسيات بقيادة شركة "نامج كين جونز" التي أعلنت عزمها تنفيذ مشاريع استثمارية في عدة قطاعات واعدة و بكلفة 70 مليار دولار على مدى عقد من الزمن ، وشركة خليجية شرعت في استكمال إجراءات تنفيذ مدينة النور السياحية الصناعية في منطقة باب المندب المطلة على البحر الحمر،مع تنفيذ جسر بحري يربط اليمن بجيبوتي ضمن مشروع ضخم يتوقع أن تتجاوز تكلفته20 مليار دولار. ودشنت شركة القدرة القابضة الإماراتية باكورة استثمارات عملاقة بمشروع أبراج صنعاءوعدن العقارية والسياحية, فضلا عن شروع مستثمرون خليجيون ومصريون ويمنيون في إجراءات تنفيذ مشروع مدينة "فردوس عدن "السكنية والسياحية بتكلفة تقدر ب 10 مليارات دولار واستكمال إجراءات بدء تنفيذ مشروع " مدينة جنان عدن السياحية " التابعة لمجموعة بغلف وشركاه القابضة السعودية مع شركاء يمنيين وخليجيين وبتكلفة تقدر ب 4 مليارات دولار . وتدفق على اليمن وفود من عدة شركات عالمية أوروبية و صينية وروسية وأمريكية, لتتوج زياراتهم بإعلان عزم شركاتهم تنفيذ مشروعات استثمارية في عدة مجالات فور استكمال إجراء دراسات الجدوى لتلك المشاريع من قبل فرق فنية أوفدت لهذا الغرض. ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار, فإن الجمهورية اليمنية شهدت في الفترة من ابريل - سبتمبر 2007 نموا ملحوظا في تدفق الاستثمارات الخارجية وسيما الخليجية, وبنسبة زيادة بلغت 5.75% عن نفس الفترة من العام 2006. وأظهرت إحصائية فصلية لهيئة الاستثمار ارتفاعا ملحوظا للمشاريع المرخصة في الفصل الثالث من العام 2007 والتي بلغت 110 مشاريع, وهو رقم تجاوز إجمالي المشاريع المرخصة في الستة الأشهر الأولى من نفس العام ، والتي لم تتعد 102 مشاريع, رغم الزيادة الملحوظة في المشاريع المرخصة في النصف الأول من هذا العام مقارنة ب 78 مشروعا في الفترة المقابلة من العام 2006. واعتبرت الهيئة العامة للاستثمار, تدفق الاستثمارات الضخمة على اليمن بعد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار المنعقد بصنعاء أواخر أبريل الماضي برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية, مؤشر إيجابي على تحسن بيئة الاستثمار و ثمرة للإصلاحات الحكومية والإجراءات والاستراتيجيات التي اتخذت لتحسين المناخ الاستثماري، فضلا عن معالجة المعوقات التي كانت تواجه المستثمرين، وتسهيل إجراءات تسجيل المشاريع من خلال تبنى نظام النافذة الواحدة وتخصيص أراضي للاستثمارات وتحديد مناطق صناعية بالمحافظات. وفي ضوء هذا الزخم والنشاط المتنامي للحركة الاستثمارية, أطلقت الهيئة العامة للاستثمار مطلع ديسمبر الحالي بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي, مشروعاً يستهدف تبسيط إجراءات إنشاء الشركات التجارية والاستثمارية في اليمن, بالتزامن مع صدور تقرير ممارسة الأعمال 2008 – العدد الخامس في سلسلة التقارير السنوية التي يصدرها البنك الدولي بالاشتراك مع مؤسسة التمويل الدولية والذي أظهر تقدم اليمن لتحتل المركز التاسع بين بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمركز 113 من إجمالي 178 بلداً في قائمة تصنيف الدول في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال. ويقول نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي عبد الكريم الأرحبي:" إن مشروع تبسيط إجراءات إنشاء الشركات التجارية والاستثمارية في اليمن، يأتي ضمن الخطوات والإجراءات العاجلة التي حرصت الحكومة على تنفيذها في مرحلة ما بعد انعقاد مؤتمر فرص الاستثمار، بهدف تفعيل وتطوير البنية التشريعية والمؤسسية المرتبطة بالاستثمار وبما يساعد على تكوين أنظمة إدارية محفزة لعملية تطبيق التشريعات بكفاءة عالية في ظل بيئة تنافسية". ويوضح ..أن من بين الإجراءات التي تعكف الحكومة حاليا على تبنيها تطبيق نظام النافذة الواحدة وإعادة النظر في الترتيبات المؤسسية المعنية بالاستثمار ومراجعة القوانين ذات الصلة بالاستثمار وتطبيق دليل الخدمات الحكومية الذي يتضمن كافة الإجراءات اللازمة لسرعة إنجاز المعاملات وبما يوفر الجهد والوقت والتكلفة, بالإضافة إلى استكمال الإصلاحات النقدية والمالية في القطاع المالي بهدف تعزيز القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وتكوين مؤسسات مالية ومصرفية قادرة على المنافسة. رئيس الهيئة العامة للاستثمار صلاح العطار يقول من جانبه :" إن الإصلاحات الحكومية تستهدف مواصلة جهود تحسين البيئة الاستثمارية وتشمل مراجعة جميع السياسات المشجعة للاستثمار الأجنبي المباشر والقوانين المنظمة ومنها قانون البنوك وقانون البنك المركزي اليمني والقانون التجاري وقانون الشركات التجارية وقانون الأسماء التجارية وقانون الملكية الفكرية والعلامات التجارية وقانون الجمارك وقانون الضرائب وقانون تملك الأجانب وقانون الاستثمار". وكانت حركة الاستثمار بدأت بالانتعاش بعد تنفيذ الدولة برنامج طموح للإصلاحات الشاملة منذ منتصف التسعينات, استهدف معالجة الاختلالات الهيكلية التي واجهت اليمن بعد إعادة توحيد شطرية في 22مايو 1990، وكذا مواجهة التحديات الأخرى ذات العلاقة بالمتغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم مطلع التسعينات, وأثمرت في سنوات تعد قياسية في رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى 5.5% في 2006 م مقارنة مع سالب 1.4في عام 90, فضلا عن تحقيق نجاحات كبيرة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية , ما أنعكس بشكل ايجابي في تحسين بيئة الأعمال والاستثمار واسهم في استقطاب الاستثمارات وخصوصا الخليجية. وبحسب المستشار الاقتصادي لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف ابراهيم المقرن, فإن حجم الاستثمارات الخليجية في اليمن خلال الفترة (95-2005) بلغت حوالي 539 مليون دولار تشكل الاستثمارات السعودية أكثر من 80% منها.. في حين بلغ حجم الاستثمارات اليمنية في دول المجلس 418 مليون دولار خلال نفس الفترة. ويسعى اليمن من خلال خطة تنمية عشرية مدعومة من المانحين رفع معدلات النمو الاقتصادي السنوي من 4.1 % حاليا إلى 7.1 % وبما يؤهله للاندماج في الاقتصاديات الخليجية وصولا إلى اندماج اليمن الكامل في عضوية مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2015 م . ويتوقع خبراء ومسؤولون أن يشهد اليمن في الفترة القادمة طفرة كبيرة في استقطاب الاستثمارات الخليجية والعالمية نظرا للمقومات الاستثمارية الكبيرة والتحسن المستمر لبيئة الاستثمار./ سبا نت