تستكمل الحكومة اليمنية حاليا إعداد جملة من الإجراءات والسياسات الجديدة لتحسين بيئة الاستثمار، فى ضوء تنامي تدفق الاستثمارات الخليجية والعربية والعالمية، وارتفاع طلبات تمويل مشاريع ضخمة وعملاقة تتجاوز تكاليفها المعلنة حاجز المائة مليار دولار وخصوصا بعد انعقاد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار فى صنعاء أواخر إبريل/ نيسان المنصرم. وتهدف السياسيات الجديدة إلى مواصلة جهود الإصلاحات الشاملة وتطوير التشريعات القائمة لمنح المزيد من التسهيلات وتحسين أداء الإدارة الحكومية وكبح الفساد وتعبئة الموارد اللازمة للوفاء بمتطلبات النمو المتسارع للاقتصاد اليمني. ويقول رئيس الهيئة العامة للاستثمار صلاح العطار إن الإصلاحات الحكومية تستهدف مواصلة جهود تحسين البيئة الاستثمارية. و بين أن الجهود الحكومية منصبة على مراجعة جميع السياسات المشجعة للاستثمار الأجنبى المباشر والقوانين المنظمة ومنها قانون البنوك وقانون البنك المركزى اليمنى والقانون التجارى وقانون الشركات التجارية وقانون الأسماء التجارية وقانون الملكية الفكرية والعلامات التجارية وقانون الجمارك وقانون الضرائب وقانون تملك الأجانب وقانون الاستثمار ". وتسند السياسات الحكومية الجديدة إلى مقومات كبيرة وفرص متميزة للاستثمار وضمانات وتسهيلات واسعة مكفولة بقانون استثمارى متميز، سواء من حيث الإعفاءات لضريبية والجمركية المنافسة على المستوى الإقليمى أو من حيث الضمانات الموثقة والتى تمنع تأميم المشروعات أو الاستيلاء عليها أو حجز أموالها أو مصادرتها أو تجميدها أو التحفظ أو فرض الحراسة عليها تحت أى ظرف إلا من خلال حكم قضائي. وكان تقرير ممارسة الأعمال 2008 – العدد الخامس فى سلسلة التقارير السنوية التى يصدرها البنك الدولى بالاشتراك مع مؤسسة التمويل الدولية_ الصادر حديثا أثنى على الجهود الحكومية المبذولة لتحسين مؤشرات بيئة الأعمال والاستثمار، مما أهل اليمن إلى أن يحرز تقدما فى عديد من المؤشرات ويتقدم إلى المركز 113 من بين 187 فى مجال سهولة ممارسة الأعمال، بينما جاء ترتيب اليمن فى المركز التاسع بين بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقول المؤلف الرئيسى لتقرير ممارسة الأعمال 2008 سيمون جانكوف "تسبق اليمن نسبياً بعض البلدان الأخرى فى المنطقة فيما يتعلق بالتعامل مع اللوائح التنظيمية الخاصة باستخراج التراخيص، حيث تحتل المركز 35، بينما جاءت عمان فى المركز 130، كما احتلت اليمن المركز 41 بالنسبة لمؤشر سهولة تنفيذ العقود، بينما جاء ترتيب الإمارات 144 , إلا أنها فى المقابل تأتى فى مراكز متأخره فى عدد من مؤشرات التقرير وخصوصا ذات الصلة ببدء المشروعات ما أثر على ترتيبها وهو ما يتطلب ثمة إصلاحات فى هذا الشأن". وبالتزامن مع صدور هذا التقرير, أطلقت الهيئة العامة للاستثمار مطلع دسيمبر الجارى مشروعاً طموحا يستهدف تبسيط إجراءات إنشاء الشركات التجارية فى اليمن بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي. ويقول نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولى عبد الكريم الأرحبى إن مشروع تبسيط إجراءات إنشاء الشركات التجارية والاستثمارية فى اليمن، يأتى ضمن الخطوات والإجراءات العاجلة التى حرصت الحكومة على تبنيها فى مرحلة ما بعد انعقاد مؤتمر فرص الاستثمار، بهدف تفعيل وتطوير البنية التشريعية والمؤسسية المرتبطة بالاستثمار وبما يساعد على تكوين أنظمة إدارية محفزة لعملية تطبيق التشريعات بكفاءة عالية فى ظل بيئة تنافسية.. مبينا أن من بين تلك الإجراءات والتى تعكف الحكومة حاليا على استكمالها تعزيز نظام النافذة الواحدة وإعادة النظر فى الترتيبات المؤسسية المعنية بالاستثمار وتطبيق دليل الخدمات الحكومية الذى يتضمن كافة الإجراءات اللازمة لسرعة إنجاز المعاملات وبما يوفر الجهد والوقت والتكلفة، بالإضافة إلى استكمال الإصلاحات النقدية والمالية فى القطاع المالى بهدف تعزيز القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطنى وتكوين مؤسسات مالية ومصرفية قادرة على المنافسة . وشهدت السبعة الأشهر المنصرمة التى أعقبت مؤتمر فرص الاستثمار توالى إعلان شركات عالمية عن توجهات جادة لديها لتنفيذ مشاريع ضخمة وعملاقة فى اليمن وفى مقدمتها مجموعة شركات متعددة الجنسيات بقيادة شركة "نامج كين جونز" التى أعلنت عزمها تنفيذ مشاريع استثمارية فى اليمن بكلفة إجمالية تصل إلى نحو 70 مليار دولار على مدى عقد من الزمن ومباشرة شركة خليجية فى استكمال إجراءات بدء تنفيذ مدينة النور فى المنطقة المطلة على باب المندب مع تنفيذ جسر يربط اليمن بجيبوتى ضمن مشروع ضخم يتوقع الخبراء أن تتجاوز تكلفته 20 مليار دولار. وفيما دشنت شركة القدرة القابضة الإماراتية باكورة استثمارات عملاقة بمشروع أبراج صنعاءوعدن، شرع مستثمرون خليجيون ومصريون ويمنيون فى إجراءات تنفيذ مشروع مدينة "فردوس عدن "السكنية والسياحية فى رأس عمران بتكلفة تقدرب 10 مليارات دولار بالتزامن مع بدء إجراءات تنفيذ مشروع " مدينة جنان عدن السياحية " التابعة لمجموعة بغلف وشركاه القابضة السعودية مع شركاء يمنيين وخليجيين و بتكلفة 4 مليارات دولار، و تدشين شركات خليجية أخرى إجراءات تنفيذ مشاريع استثمارية فى المجالات العقارية والسياحية بمئات الملايين من الدولارات ومنها شركة الديار القطرية التى تنفذ مشروع سياحى فى صنعاء بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار. إلى ذلك أعلنت عدة شركات أوروبية و صينية وروسية وأمريكية عزمها تنفيذ مشروعات عملاقة فى اليمن خلال الفترة القادمة فور استكمال إجراء دراسات الجدوى لتلك المشاريع من قبل فرق فنية أوفدتها لهذا الغرض. ووفقا لأحدث بيانات صادره عن الهيئة العامة للاستثمار, فإن الجمهورية اليمنية شهدت فى الفترة من ابريل - سبتمبر 2007 نموا ملحوظا فى تدفق الاستثمارات الخارجية وسيما الخليجية، وبنسبة زيادة بلغت 57،5 بالمئة عن نفس الفترة من العام 2006. وحسب تقرير إحصائى حديث لهيئة الاستثمار فان المشاريع المرخصة فى الفصل الثالث من 2007 والبالغة 110 مشاريع تجاوزت إجمالى المشاريع المرخصة فى النصف الأول من العام 2007، والتى لم تتعد 102 مشاريع، رغم الزيادة الملحوظة فى المشاريع المرخصة فى النصف الأول من الاعم 2007 مقارنةب 78 مشروعا فى الفترة المقابلة من 2006. واعتبرت الهيئة العامة للاستثمار، تدفق الاستثمارات الضخمة على اليمن بعد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار المنعقد بصنعاء أواخر أبريل الماضى برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشر إيجابى على تحسن بيئة الاستثمار و ثمرة للإصلاحات الحكومية والإجراءات والاستراتيجيات التى اتخذت لتحسين المناخ الاستثماري، فضلا عن معالجة المعوقات التى كانت تواجه المستثمرين، وتسهيل إجراءات تسجيل المشاريع من خلال تبنى نظام النافذة الواحدة وتخصيص أراضى للاستثمارات وتحديد مناطق صناعية بالمحافظات. وكانت حركة الاستثمار بدأت بالانتعاش بعد شروع الدولة فى تنفيذ برنامج طموح للإصلاحات الشاملة منذ منتصف التسعينات, استهدف تجاوز جملة المشكلات التى أعقبت إعادة توحيد شطرى اليمن فى 22مايو 1990، ومواجهة التحديات الأخرى ذات العلاقة بالمتغيرات التى شهدتها المنطقة والعالم مطلع التسعينات، وتمكنت فى سنوات تعد قياسية من رفع معدلات النمو الاقتصادى الى 5،5 بالمئة فى 2006 مقارنة مع سالب 1،4 فى عام 90 وانعكس ذلك بشكل ايجابى فى استقطاب الاستثمارات وخصوصا الخليجية. وبحسب المستشار الاقتصادى لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجى / عبداللطيف ابراهيم المقرن, فإن حجم الاستثمارات الخليجية فى اليمن خلال الفترة "95-2005" بلغت حوالى 539 مليون دولار فى حين بلغ حجم الاستثمارات اليمنية فى دول المجلس 418 مليون دولار خلال نفس الفترة.. موضحا أن استثمارات المملكة العربية السعودية تشكل أكثر من 80 بالمئة من الاستثمارات الخليجية فى الجمهورية اليمنية. ويسعى اليمن من خلال خطة تنمية عشرية مدعومة من المانحين رفع معدلات النمو الاقتصادى السنوى من "4،1" بالمئة إلى "7،1" بالمئة وبما يؤهله للاندماج فى الاقتصاديات الخليجية وصولا إلى اندماج اليمن الكامل فى عضوية مجلس التعاون الخليجى بحلول عام 2015. ويتوقع خبراء ومسؤولون أن يشهد اليمن فى الفترة القادمة طفرة كبيرة فى استقطاب الاستثمارات الخليجية والعالمية نظرا للمقومات الاستثمارية الكبيرة والتحسن المستمر لبيئة الاستثمار ./ العرب أونلاين