اشارت النتائج الأولى للانتخابات البريطانية، أن حزب العمال الحاكم سيحقق نصره التاريخي الثالث على التوالي بزعامة توني بلير، ولكن بأغلبية اقل بكثير مما كان متوقعاً. وكان غوردون براون، وزير المالية المرشح بقوة لخلافة بلير على الزعامة، أول الفائزين الكبار. ومع انه مهندس الازدهار الاقتصادي الذي يحظى بثناء واسع، فقد انخفضت اغلبيته بنسة 1%. وتلاه بعد دقائق وزير الخارجية جاك سترو، الذي تمكن من الاحتفاظ بمقعده في بلاكبرن بشمال انجلترا، ولكن بأغلبية اقل بحوالي ثلاثة آلاف صوت. وفوز سترو، الذي كان موضع شك، خصوصاً بسبب معارضة أعضاء دائرته المسلمين (25 الف شخص)، يضع اشارة استفهام امام الدور الحقيقي الذي لعبته الحرب في هذه الانتخابات. وكان استطلاع للرأي شمل 19 ألف ناخب بعد الادلاء بأصواتهم قد أظهر قبل اعلان النتائج أن الحزب الحاكم سيخسر حوالي مئة من مقاعده. ومع أن مرشحي العمال في بعض معاقله التقليدية، قد احتفظوا بمقاعدهم، فإن نسبة الاقبال تراجعت بشكل ملحوظ بدل ان ترتفع، مثلما كان الحزب يأمل. وإذا كانت نسبة الاقبال في كثير من الدوائر الانتخابية بطول البلاد وعرضها على هذه الشاكلة سينجح المحافظون والديمقراطيون الاحرار خصوصاً في انتزاع عدد من المقاعد العمالية المهددة. ورأى معلقون أن عدم إصغاء الناخبين العماليين التقليدين لزعيم الحزب الحاكم رئيس الوزراء توني بلير، الذي حثهم على عدم التقاعس عن الادلاء بأصواتهم، يعود في جزء اساسي منه الى دوره في الحرب على العراق. وكانت اول النتائج قد اعلنت قبل الحادية عشرة بالتوقيت البريطاني بدقائق، مؤكدة احتفاظ وزير الدولة للشؤون الخارجية المكلف ملف افريقيا كريس مالين بمقعده عن دائرة ساندرلاند بشمال انجلترا. غير ان اغلبيته تراجعت بنسبة 6% عنها في انتخابات 2001، كما ان نسبة الاقبال في هذه الدائرة التي احتلها العمال منذ عشرات السنين قد انخفض الى 49%. يُشار الى ان نسبة الاقبال العامة في الانتخابات الاخيرة التي بلغت 59%، كانت الاقل منذ 1918. وقد تمكن المحافظون من تسجيل اصابة مباشرة، حين اختطفت مرشحته مقعد باتني بجنوبلندن من ممثله العمالي في الدورة الأخيرة. وقد اشارت واحدة تلو الأخرى من النتائج بعد الاعلان عن فوز مالين الى تراجع في أصوات العمال يصل احياناً الى 9% ونسبة اقبال متقهقرة نادراً ما صعدت الى ال 59%. كما اكدت نتائج الدوائر الواقعة بشمال انجلترا خصوصاً، الى صعود مقلق في عدد اصوات «الحزب القومي البريطاني» الذي يوصف بالتشدد والعنصرية. واظهرت انه تمكن في دوائر عدة من مضاعفة عدد الاصوات التي نالها مرشحوه في الانتخابات الماضية. يُذكر ان بلير كان قد حذر من ان تقاعس واحد من اصل كل عشرة ناخبين عماليين عن الإدلاء بأصواتهم، سيلحق بحظوظ الحزب الحاكم أضراراً كبيرة. الا ان تقارير اكدت في وقت لاحق ان بلير كان متفاؤلاً في تحذيره الى حد ما، منبهين الى ان عدم مشاركة واحد من اصل كل اربعة من الناخبين العماليين، سيفقده عدداً من مقاعده «الهامشية» التي شهدت منافسة حامية مع أحزاب أخرى. واعتبر مراقبون ان قرار الزعيم العمالي رئيس الوزراء اشراك بلاده في الحرب على العراق على رغم المعارضة الشعبية التي بلغت اكثر من 50%، كان عاملاً رئيسياً في هذه نتائج الحزب الحاكم، التي يرجح ان تأتي متواضعة. بيد ان النائب العمالي بوب مارشال آندروز، وهو من اشد معارضي الحرب على العراق حماساً بين أعضاء مجلس العموم العماليين،خسر مقعده في جنوبانجلترا، مما يشير الى ان ثمة عوامل اخرى غير العراق قد أدت الى هبوط اسهم العمال. وقال وزير المالية المحافظ السابق كينيث كلارك إن «العراق كانت القضية الاكبر» في الانتخابات. غير انه نفى ان يكون استياء الناخبين من الحرب في حد ذاتها هو سبب تحولهم عن العمال حتى في بعض المناطق التي تصنف كمعاقل تاريخية لهم. ورأى ان دور بلير في الحرب ادى الى ان «فقدان الثقة به والنفور الكبير منه» بشأن السياسة المحلية. غير ان ديفيد بلانكت، وهو وزير الداخلية السابق في حكومة بلير، وصف تشديد كلارك على دور العراق ب«المبالغ فيه»، مؤكداً انه لم يلمس هذا الاهتمام المباشر او غير المباشر بالقضية. ونفى ان تراجع اغلبية العمال سيعجّل برحيل بلير باعتباره المسؤول الاساسي عن هذه النتائج.