كم كنت سعيداً وأنا في طريقي لزيارة محافظة إب ولشغفي بهذه المدينة, لم تقو نفسي على كبت المشاعر, وبدأت بكتابة انطباعاتي عنها منذ وصلت بنا السيارة جبل سمارة, الجبل الأخضر المطل على مدينة إب والحارس والسائد لعدد من الأودية الزراعية الجميلة مثل وادي السحول ومنطقة القفز. كنا في قمته التي حولها السياح إلى منتزة حاضن للمفتونين بجمال الطبيعة المبينة لقدرة الله الإبداعية, الذي رسم بمدرجات زراعية لوحة في غاية الإدهاش, وشيئاً فشيئاً بدت لنا مدينة إب من على قمة الجبل روعة في السحر والإبداع. كنت قد رسمت في مخيلتي صورة مصغرة لهذه الفاتنة الجميلة, فإذا بها تفوق الخيال وهي تتكئ في دلال, تحرسها شاهقة, عشقتها الخضرة. فاتنة مستبدة وزينتها سهول راقصة, تحمل معاني الفرح, وشلالات مرحة تعزف أنغام المتعة! نعم إنها مدينة إب التي تحتم على زائرها قبل أن تطأ قدماه عشب أرضها السابحة في طقوس حالمة, أن يتوضأ وضوء الحياة وطهارة القلب, وأن يهيئ نفسه لمشاهدة كينونة الجمال وصور الدهشة والافتتان بطبيعة خلابة مكسوة بالبهاء, وغنية بالماء. فيروزة خضراء تسحرك إب بخضرتها الدائمة وأجوائها البديعة وتجذبك مآثرها العظيمة, وبساطة ناسها الطيبين, فهي بحق كما أطلق عليها العاصمة السياحية لليمن ومدينة الصيف لكثير من الخليجيين والعرب والأجانب. * الخضرة هنا هي السمة الرئيسية لهذه المدينة البهية الضرورية, كساءً مخملياً رقراقاً يُظهر أشهى مفاتنها دون استحياء أو خجل!! تتزين به سهولها. غانية ساحرة قال عنها أحد السياح إنها كغانية فاتنة زينها المولى عزوجل بجمال بديع وروعة فريدة, وزاد يقول: إنها واحة خضراء جمعت في طياتها فنون المتعة ونشوة الحياة وهيام الطبيعة, وغانية تنافس بيروت! * فيما وصفها آخرون بالجنة, إلا أنهم أيضاً أبدوا عتبهم لغياب المنشآت السياحية والمنتزهات, ناهيك عن الدليل السياحي.. خلية نحل نعم هكذا قيل عنها, لكن هذا الأمر كان قبل انتخاب قيادة السلطة المحلية الحالية ممثلة بالقاضي الفاضل أحمد عبد الله الحجري – محافظ إب رئيس المجلس المحلي – والأستاذ أمين الورافي – أمين عام المجلس بالمحافظة – اللذين يمثلان معاً ثنائياً متجانساً ويعملان معاً كخلية نحل واحدة, دون كلل أو ملل لتحسين المحافظة واستكمال البنية التحتية لها, فقد شهدت المحافظة في عهدهما العديد من المنجزات في مجالات شتى لا مجال لحصرها. درة المدن ونفحة التاريخ نعم هذه هي مدينة إب درة المدن ونفحة التاريخ, تتميز بمرتفعاتها ومنخفضاتها ومدرجاتها وسهولها واعتدال مناخها وعبق الحضارة, ففيها العديد من المدن التاريخية التي كانت عواصم لملوك حمير كحصن حب في بعدان, قصر ريدان في ظفار يريم وجبل العود الذي اكتشفت فيه مؤخراً العديد من أثار الحميريين, ومذيخر التي كانت عاصمة لعلي ابن الفضل, والأفيوش التي سكنها وأسسها القيل سلامة ذو فائش الحميري بعد إنهيار سد مأرب وزاره عبد المطلب ابن هاشم لتعزية الملك سلامة ذو فائش الجبري بوفاة نجله. * لم تخلُ زيارة جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, من خطبة شهيرة قالها في تعزية الملك سلامة جاء فيها: "أما بعد فأعلم سلامة ذو فائش أن ما قد ذهب عنك فليس براجع إليك وأن العزاء حرباء الرجال.." إلى أخر ما جاء فيها مما لم تحضرني الذاكرة, كما وردت في كتاب نشوان الحميري, حتى أن سلامة ذو فائش أعجب بها ورفعه على كرسي الملك خاصة من بين الوفود العربية كافة. كما زاره الشاعر الأعشى, وكان الملك سلامة لم يعد يملك من الدنيا سوى تاج الملك, فاحتار في زيارة الأعشى, فقال له أحد مستشاريه أعطه تاج الملك فسيقول فيك قصيدة تخلدك مدى الدهر, فأهداه تاج الملك فكان مما قال فيه الأعشى: "رأيت سلامة ذو فائش إذا زاره الضيف حيا وبش" وهي عبارة عن شدة الكرم, وكان الأعشى قد زار الأفيوش وحصن "المرايم" وقلعة "البيني" وقلعة "باب الناخ" وقلعة "عمامة البنيان" وحصن "ظفار". مهد العمالقة وأنجبت مدينة إب العديد من العمالة والمفكرين والسياسيين, أمثال: الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح – المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية – والدكتور عبد الكريم الإرياني – المستشار السياسي لرئيس الجمهورية – والقاضي عبد الله الحجري – رئيس الوزراء الأسبق – والقاضي عبد الرحمن الإرياني – ثاني رؤساء اليمن الجمهوري, وقائد الثورة السبتمبرية – والشهيد البطل علي عبد المغني, والأستاذ الشهيد جار الله عمر وغيرهم الكثيرين. كرسي حكم أروى * وقيل هؤلاء سكنتها الملكة أروى الصليحي التي حكمت اليمن لفترة من الزمن جاوزت الخمسين عاماً من كرسي حكمها ومعقل سلطانها في مدينة (جبلة) التاريخية, عاصمة الدولة اليمنية الصليحية. آمال وطموحات * نصل إلى وقفة تأمل مع مدينة إب عاصمة اليمن السياحية, فهنا تراودنا الآمال والطموحات لمستقبل محافظة إب الخضراء بعد إعلانها عاصمة للسياحة في الجمهورية اليمنية من قبل فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية – حفظه الله – في أكثر من مناسبة كان آخرها في احتفالات بلادنا بالعيد الوطني السابع عشر لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية, التي حضرها فخامته مشرفاً المهرجان واحتفالات المحافظة بهذه الذكرى العظيمة (22مايو) الأغر والمنجزات المتحققة في هذا العهد الميمون الذي أسسه فخامته, فلم يعد هناك شيء مستحيل, ولاحلم صعب المنال في عهد فخامته, فهو رجل البناء والوفاء, شهدت اليمن ككل في عهده مالم تشهده قبله من المنجزات العملاقة التي لاينكرها إلا جاحد, فقد رفع الرجل من معنويات اليمنيين وجعل اليمن في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة. خطر داهم!! لكن ما يحز في النفس, والحديث عن مدينة إب مرة أخرى, هو ظاهرة البناء العشوائي غير المدروس في هذه المدينة, الذي كاد أن ينهي المساحة الخضراء للمدينة, كالسبل والظهار وحي الجامعة, أو ما يسمى بالجراف التي تقع بين الجبال من الجهات الأربع, وهي التي من المؤمل أن تقع فهيا المشاريع السياحية والتخطيط الحضري والحديث. حيث بدأ البناء العشوائي يداهمها في كل اتجاه بعمائر عملاقة وأدوار متكررة دون بنية تحتية أو شوارع فسيحة أو معتدلة الاتجاه, وبدون مرافق خدمية مخططة وموزعة كما يجب, فلم يبق سوى رؤوس الجبال على دابر المدينة وقد بدأ البناء يغزوها في سباق مع الزمن. وهنا تنحسر الطموحات وتتلاشى الآمال رويداً وتكاد المدينة تدخل في دوامة عنكبوتية من الطرقات الضيقة (أزقة) والممرات المتعرجة, وتفقد خضرتها ورونقها الساحر الجذاب, وجمالها البهي الخلاب, بين كتل الخرسانات والمباني العشوائية. تساؤلات .. وأمنيات والزائر مثلي لهذه المدينة سيجد نفسه يتساءل: متى سيبدأ التنفيذ الفعلي لتحديث المدينة؟!! - طبعاً هذا بحاجة لدعم مالي كبير من الحكومة, فالموارد المالية للمحافظة لاتكفي لتنفيذ كل ما يلزم من مشاريع واستكمال البنية التحتية لعاصمة السياحة اليمنية, ما يجعل السلطة المحلية بالمحافظة عاجزة عن تنفيذ طموحاتها في إنجاز ما تصبو إليه من مشاريع وخدمات ومنجزات تلبي الطموحات للعاصمة اليمنية السياحية الأولى. ثروة اقتصادية .. ولكن ولاشك أن السياحة والترويج لها من الروافد المهمة والدخل المجدي لكثير من الدول, وهي الثروة التي لاتنفد, ولكن المطلوب من الحكومة التخطيط للاستفادة من هذه الثروة الاقتصادية الطبيعية الخلابة والمواقع السياحية, وتشرع بجدية ولو بالاستفادة من خبرات وخبراء الصناعة السياحية الأجانب لتطوير هذا الجانب في اليمن. * ختاماً : كان الله في عون المحافظ "الحجري" والأمين "الورافي" لتوفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق كل ما نصبو إليه لتحويل هذه المدينة إلى مدينة سياحية ترقى بمنشآتها وخدماتها السياحية إلى مصاف المدن الأوروبية السياحية, التي لاتفرق عنها في المقومات وإنما فقط بالخدمات.