قبل سنة وفي بداية شهر رمضان أثار مسلسل بعنوان "الطريق إلى كابل" اهتمام المشاهد العربي ليس بمضمونه الذي لم يتسن له الإطلاع عليه، حيث توقفت العديد من محطات التلفزيون العربية عن بثه. الإثارة تركزت حول سبب التوقف عن بث مسلسل بثت الحلقات الأولى منه عندها جرى تداول الكثير من التفسيرات، لعل أكثرها إثارة كان أن القنوات التلفزيونية التي كانت تنوي بثه تعرضت للتهديدات ، ليس هي فقط، بل العاملون على إنتاج المسلسل، كما قيل حينها. وبين نفي من هنا، وتصريح من هناك بقيت حقيقة واحدة ثابتة وهي أن العديد من محطات التلفزيون قطعت بث المسلسل بعد بثها حلقات معدودة.المخرج السوري نجدت أنزور أعاد إلى الأذهان دراما العام الماضي بإخراجه مسلسلا يحمل عنوانا ليس أقل إثارة للجدل من السابق وهو "الحور العين".عنوان المسلسل يوحي بموضوعه، كما انه يعطينا فكرة عن نقطة الجدل فيه وسبب الاعتراض المتوقع من بعض الجهات على عرضه على شاشات التلفزيون خلال شهر رمضان.والواقع إن "الحور العين" هي إشارة وردت في القران فعلا إلى "فتيات" في سياق وصف الجنة وما ينتظر من تخولهم أعمالهم للفوز بها، حسب العقيدة الإسلامية.اختيار "الحور العين" دون بقية العناصر التي وردت في وصف الجنة، وربطها بعمل محدد وهو الموت بطريق يعتقد صاحبه انه يؤهله لدخول الجنة يرجع إلى عناصر معقدة عدة، لعل جوهرها هو صلاحية الكبت الجنسي الذي يعاني منه الشبان في العالم العربي والإسلامي (حيث من ينسب إليهم الإقدام على التفجير طمعا في الحور العين، وبغض النظر عن صحة ذلك أو عدمه، هم متشددون إسلاميون بالتحديد ) للاستعمال كمنطلق للإغراء بالإقدام على فعل من الصعب إقناع الشخص بالإقدام عليه بوسائل عقلانية. شيء مشابه ورد في سياقات كثيرة في أعمال أدبية مختلفة، مستخدما ليس بالضرورة من تنظيمات سياسية لحث أنصارها على التفجير والموت نتيجة لذلك، بل من قبل أجهزة مخابرات في محاولتها تنظيم بعض العملاء بإغرائهم بعلاقات جنسية مع فتيات مثيرات، كما ورد في رواية "نجران تحت الصفر" للكاتب الفلسطيني يحيى يخلف.ونقلت وكالة أسوشييتد برس للأنباء عن عبدالله باجد، الذي كتب الجزء الديني من المسلسل، قوله " أن احد المشاركين في التفجيرات في إحدى الضواحي السكنية في السعودية سمع وهو يعد الثواني عدا تنازليا في مكالمة أجراها مع مسئوله، قائلا: بقي كذا ثانية على اللقاء بالحور العين".وأضاف باجد قائلا لوكالة أسوشييتد برس: "في المسلسل ندحض ادعاءات المتشددين بالاستشهاد بالقران".المسلسل يعرض على شاشة تلفزيون "ام بي سي"، ويتطرق "لظاهرة الإرهاب" من خلال تناوله التفجيرات التي جرت في أحد المجمعات السكنية في مدينة الرياض في السعودية وأسفرت عن مقتل مواطنين عرب. وقال أنزور في تصريح لوكالةأسوشييتد برس للأنباء إن المسلسل "يسعى إلى دحض علاقة الدين الإسلامي بالإرهاب". وأضاف قائلا: "المسلسل يتوجه إلى أولئك الذين لم يتخذوا قرارا بعد فيما يتعلق بالإرهاب. نريد أن نقول لهم إن الإسلام دين تسامح وحوار وسلام".وقد بدأت أولى موجات السخط والاحتجاج على الانترنت فعلا ، على شكل رسائل غاضبة تطالب تلفزيون "أم بي سي" بالتوقف عن بث المسلسل. بعض الرسائل الالكترونية تتهم المخرج "بالزندقة وانه يريد الشهرة والمال باسم مكافحة الإرهاب" وبعضها اتهمه "بتشويه سمعة الإسلام" بينما وصف البعض المسلسل بأنه "كلمة حق يراد بها باطل".طبعا لم يخل الأمر من رسائل تشجيع أيضا، فالموضوع الذي طرقه المسلسل مثير للجدل فعلا وصالح لاستثارة مواجهة بين وجهات نظر متناقضة. المسلسل وردود الفعل عليه تعيد إلى الأذهان قضايا مماثلة ثارت داخل وخارج العالم العربي، ومست مبدعين من أمثال الكاتب الروائي نجيب محفوظ وسلمان رشدي، وكان المشترك بين قضيتيهما هو الحد الفاصل بين حرية الإبداع الفني والقيود التي يفرضها التعصب الديني والسياسي. المصدر: بي . بي . سي