السعودية تستدعي بن بريك لمنع استقالته وإعادة هيكلة القيادة    خبير روسي: الوحدة اليمنية "وهم خطير" والحل في اعتراف دولي بدولتين منفصلتين    #الحريه_لمختطفي_اب.. حملة للمطالبة بالإفراج عن أكثر من 90 مختطفا في سجون المليشيا    صحيفة أمريكية: رغم العقوبات الأمريكية صنعاء تواصل أطلاق الصواريخ والمسيرات    20 ألف جندي صهيوني مصاب    صحفيو 26 سبتمبر يتحدون العدوان الصهيوني بإصدار العدد الأسبوعي    برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية    ميان والعنود تدعمان دفاع سيدات القادسية    المرة الأولى منذ 2019.. النصر يبدأ الدوري بفوزين    إصابة جنديين واعطاب قاطرة وقود في هجوم مسلح من عصابات بن حبريش    لن تنالوا رضا الجنوب حتى تتبعون دربه    ضروري من قنبلة دين وضمير    الدكتور عبدالله العليمي يؤكد دعم مجلس القيادة الرئاسي للبنك المركزي اليمني    وزارة الداخلية تدعو المواطنين إلى عدم تصوير أماكن القصف    منظمة صحفيات بلاقيود : مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    النائب العام ورئيس التفتيش القضائي يدشّنان نزول اللجنة المشتركة لمتابعة قضايا السجناء    هيئة الآثار توجه نداء عاجل لليونسكو بشأن الغارات على منطقة التحرير    في وداع زملاء "المهنة".. كلمات وفاء    دماء الصحافة تصنع نارًا لا تنطفئ    دماؤهم الزكية طريق للنصر    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    المقالح: سلطة صنعاء تمارس الانفصال كما يمارسه الانتقالي    الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن    الفريق السامعي يدين استهداف مقر صحيفتين بصنعاء ويعتبر ما حصل جريمة حرب    شبوة.. تدشين مخيم لجراحة العيون يجري أكثر من 400 عملية مجانية    مانشستر سيتي يكتسح اليونايتد بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي    حديث عن الإصلاح    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    اجتماع يناقش سير تنفيذ قرار توطين الصناعات ومشاريع التمكين الاقتصادي    لنعش قليلا مع قصص الحيوانات بعيدا عن السياسة    محافظ صعدة يتفقد مشروع سد اللجم في مديرية سحار    توزيع ادوات مدرسية لمعلمين ومعلمات المعلا    محافظ حضرموت يلتقي بخبير الطاقة والنفط والغاز المهندس عمر الحيقي    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    انتقالي الضالع ينظم محاضرة توعوية بعنوان بالعلم وحب الوطن نبني الجنوب    الخطوط الجوية تعلن استئناف الرحلات بمطار عتق    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    أحلام تُطرب جدة    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    اتلتيكومدريد يحقق فوزه الاول في الليغا امام فياريال    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    في محراب النفس المترعة..    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شراكة أم تبعية؟.. خمس سنوات من الوهم وليلة من التصحيح الجنوبي
نشر في شبوه برس يوم 11 - 09 - 2025

في مساء يوم مشحون بالتداعيات، لم تكن القرارات التي أصدرها الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، مجرد تغييرات في تشكيلات إدارية أو سياسية طارئة. بل كانت، في جوهرها، إعلانًا صريحًا عن نهاية صمت طال أمده، وتصحيحًا لجوهر معادلة "شراكة" ظلت لخمس سنوات كاملة غارقة في تناقضها الصارخ بين النص والواقع، بين الورقة والسلطة، بين القوة الفعلية والتمثيل الشكلي.

فمنذ التوقيع على اتفاق الرياض في نوفمبر 2019، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين – حفظهما الله –، انطلقت الآمال في فتح صفحة جديدة تلملم الشمل في مواجهة المخاطر الحوثية بعد طرد الشرعية من عدن على أسس من العدالة والمنطق. فمثل الاتفاق، نظريًا، اعترافًا بمأسسة دور المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك أساسي في معادلة الحل السياسي وإدارة المرحلة الانتقالية. لكن الروح التي غُيبَت عن هذا الجسد كانت هي روح الشراكة الحقيقية.

حيث لم يشعر الجنوبيون، على امتداد ربوع أرضهم من المهرة إلى باب المندب، بأن هذا الاتفاق قد غيّر من واقعهم شيئًا. ولم يروا حكومة شراكة، بل رأوا حكومة مركزية تعيد إنتاج نفس النهج القديم، تتجاهل الخصوصية الجنوبية وتتعامل مع الجنوب ليس كطرف له كيانه وقضيته العادلة، بل على انه مجرد جغرافية تابعة، و"طرف طائش" – يجب احتواؤه شكليًا بينما تُستأثر سلطة الشرعية بالقرار والفعل.

وهنا تكمن أكبر مفارقات هذه السنوات الخمس. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، بحكم الواقع، هو الطرف الأكثر تماسكًا وتأثيرًا على الأرض. يمتلك جيشًا ضاربًا يحمي خطوط التماس ويذود عن الجنوب، ويحظى بحاضنة شعبية هي حصيلة تراكم تاريخي من المعاناة والتطلع المشروع للتحرر من هيمنة قوى الشمال.ويسيطر على الأرض وثرواتها، ويوفر قدرًا من الأمن والاستقرار في عدن والجنوب، بل إنه هو الذي يستضيف حكومة الشرعية ويوفر لها سقفًا آمنًا تعمل تحته.

وفي المقابل، تفتقر سلطة الشرعية، بمقرها المؤقت في عدن، إلى معظم مقومات القوة هذه. فهي تائهة بين المنفى والوجود المشروط، تفتقر إلى السيطرة الفعلية على الأرض، ويعوزها التأييد الشعبي الواسع، ويعيقها الانقسام الداخلي والعجز عن تقديم أي نموذج حكم ناجح.

اللافت في الأمر ليس فقط ضعف المركز التفاوضي الظاهري للمجلس الانتقالي رغم انه كان هو الطرف المنتصر عند توقيع اتفاق الشراكة مع الشرعية، بل صمته الاستراتيجي الطويل. فقد آثرت القيادة الجنوبية، وربما لحكمة بالغة، أن تمنح شركاءها في الشرعية فرصة تاريخية لمراجعة حساباتهم، وإدراك حجم التنازل الجنوبي من أجل هدف أعلى هو مواجهة الخطر الحوثي الإيراني المحدق بالجميع وكان هذا الصبر اختبارًا للنية، ومحكًا لرغبة الشرعية الحقيقية في إعادة تعريف العلاقة.

ولكن يبدو أن خمس سنوات من الصبر والتروي لم تلقى آذانًا صاغية. بل على العكس، استُخدِمَ هذا التسامح الجنوبي ذريعةً لتعميق سياسة التهميش والإقصاء، والتعامل مع "الشراكة" وكأنها منّة من حكومة الشرعية، وليس حقًا أصيلاً لطرفٍ هو في الواقع العمود الفقري لهذه الشراكة ومصدر قوتها..

وفي هذا السياق، تأتي قرارات الرئيس الزبيدي الأخيرة لتمثل أكثر من مجرد تعيينات. حيث إعادت تركيب المعادلة،بصورة شبة جذرية ووضع الأمور في نصابها الطبيعي وترجمة عملية لفكرة "الشراكة" من حيز النص الورقي إلى حيز الممارسة الفعلية ورسالة واضحة مفادها: أن الجنوب لم يعد مستعدًا ليكون تابعًا، وأن قوته على الأرض هي مصدر شرعيته، وهي التي يجب أن تترجم إلى سلطة وقرار.

هذه الخطوة، وإن تأخرت كثيرًا، الا انها كانت ضرورية وحتمية. فهي تحقق عنصرين أساسيين: التوازن المفقود في الشراكة، وإعادة تعريف "الوزن الحقيقي" لكل طرف. فالمجلس الانتقالي هو الشريك الأقوى، والأكثر تأثيرًا، والأكثر جاهزية، وبالتالي، من المنطقي والطبيعي أن تكون له اليد الطولى في إدارة الشؤون السياسية والأمنية والإدارية في الجنوب، بحكم الواقع أولاً، وبحكم مبدأ الشراكة الثنائية ثانيًا.

الرسالة التي أُرسلت من عدن ليلة أمس هي بمثابة تصويت حاسم على نموذج فاشل من "الشراكة". فهي دعوة أخيرة لسلطة الشرعية كي تستفيق وتدرك أن زمن الهيمنة المركزية قد ولى، وأن المستقبل لا يمكن أن يُبنى إلا على أساس الاعتراف بالواقع الجديد، والمساواة الحقيقية، والاحترام المتبادل للقوة والتأثير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.