يعيد محرر "شبوة برس" ما علمناه وتعلمناه من وسائل المعرفة البدائية قياسا بما نحن عليه من ترف ووفرة معروض من الأخبار والمعلومات والمعرفة صوت وصوت في متناول الجميع وذلك في الأعوام الأولى من سبيعينات القرن العشرين من بطولات الثوار الفيتناميين الحفاة العراة والذي أستطاعوا بصبرهم وإصرارهم على النصر وتحرير وطنهم وعلى إلحاق الهزيمة والإذلال لأعتى قوة عسكريا وسياسيا واقتصاديا على وجه الأرض وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية وخرج سفيرها من سايجون بدون أحذية في طائرة هيلوكبتر حافيا بدون أحذية عام 1974. وقبلها بعشر سنوات 1954 ذات الثوار البسطاء الحفاة هزموا فرنسا في آخر معاركهم معها "ديان بيان فو" وهي قوة عظمي مسلحة نوويا بل ساعدت إسرائيل في بناء قوتها النووية".
محرر "شبوة برس" يروي الحكاية للعضة والعبرة للسلوك الحقيقي والصادق الذي يوصل الثوار إلى مبتغاهم وتحقيق تطلعات شعوبهم في الحرية واستقلال القرار الوطني: يروي التاريخ القريب مشهدًا بالغ الدلالة عن قادة ثوار فيتنام حين رفضوا ترف الفنادق الفاخرة التي خصصتها لهم الولاياتالمتحدة خلال مفاوضات باريس. فقد قال كبير الوفد الفيتنامي حينها: "كنا نقاتلكم في الجبال وننام على الصخور، فلو تغيّرت علينا طبيعتنا نخاف أن تتغير معها ضمائرنا". كلمات صادقة لخّصت جوهر الثورة الحقيقية التي تُبنى على الزهد والإيمان لا على الرفاهية والمظاهر.
سنوات بعد ذلك، زار الجنرال "جياب" أحد قادة الثورة الفيتنامية إحدى العواصم العربية في السبعينات، حيث شاهد قادة الفصائل الفلسطينية يعيشون حياة البذخ، يتنقلون بسيارات ألمانية فارهة، ويدخنون السيجار الكوبي، ويرتدون البدل الإيطالية. فابتسم بحزن وقال لهم: "لن تنتصر ثورتكم... لأن الثورة والثروة لا يلتقيان".
كانت كلماته أشبه بنبوءة، إذ ما من ثورة قامت على الترف إلا وانتهت إلى الفساد، وما من قائد جعل الثورة وسيلة للثراء إلا وأضاع هدفها. فالثورات التي تُقاد من القصور لا تُنجب حرية، بل تُنجب خيانات مؤجلة.
إن التجارب تُعلّمنا أن الثورة الحقيقية لا تحتاج إلى مظاهر ولا إلى أموال، بل إلى وعيٍ وإخلاصٍ وصبرٍ على الألم. فحين تتحول الثورة إلى تجارة، تفقد روحها، ويضيع الشعب بين شعاراتٍ منمقة وقياداتٍ مترفة لا تريد التغيير بل إدامة الفوضى التي تُطيل بقاؤها.