عبدالوهاب قطران لم يكن منشور د. رصين الرصين —أستاذ الإعلام بجامعة صنعاء— رأيًا فكريًا، بقدر ما بدا انفجارًا خطابياً يخلط الأخلاق بالخوف، والدين بالهواجس، والإعلام بنبرة تكفيرية لا تليق لا بجامعة ولا بأستاذ جامعي. وفي عصر تنفتح فيه المعرفة على العالم، يخرج علينا خطاب يُشبه إلى حدٍّ كبير عقلية طالبان: تحميل المرأة خطايا المجتمع، وتبرئة الرجل من أي مسؤولية أخلاقية، وتفسير التحرش كقدَرٍ مرتبط بثوب أو خصلة شعر. أستاذ إعلام... أم شيخ تكفير؟ اللغة التي استخدمها الدكتور ليست لغة أكاديمية، ولا منهجية علمية، بل مفردات سوقية تقوم على تشبيه النساء ب"السكر" والرجال ب"الذباب والنمل". خطاب يعفي الرجل من المحاسبة، ويحوّله إلى كائن فاقد الإرادة، بينما يُحمّل المرأة وحدها تبعات "الإغواء"، مهما كانت محتشمة أو منقبة. هذا ليس خطابًا أخلاقيًا. هذا سحبٌ للأخلاق من جوهرها وتحويلها إلى سُلّم لقمع النساء. فصلٌ بين الجنسين... وخلوة للأساتذة! المفارقة الأكبر تكمن في الجامعة نفسها. فمنذ عامين، تفرض سلطة الأمر الواقع في صنعاء قرارًا بفصل الطلاب عن الطالبات داخل جامعة صنعاء، وبدأ تطبيقه —مثيرًا للسخرية— من كلية الإعلام تحديدًا. الطالبات المنقبات يُمنعن من الجلوس مع زملائهن في المدرجات، بينما الأساتذة الذكور يدرّسون لهن ساعات طويلة في قاعات مغلقة! الاختلاط محظور على الطلاب... ومباح للأساتذة. أي منطق؟ أي جامعة؟ وأي أخلاق يمكن أن تقبل بهذا التناقض الفاضح؟ تعليم مقسّم... وجدول دراسي مشطور نصفين العجز المؤسسي جعل الجامعة تقسم الأسبوع بكلية الاعلام إلى: ثلاثة أيام للطلاب الذكور وثلاثة أيام للطالبات وكأن الجامعة تحولت إلى "حمّام طواشي" تُقسّم فيه الأيام كما كان يُقسّم الجواري والخصيان قديمًا. النتيجة: منهج ناقص، وقت ضائع، ومخرجات تعليمية هزيلة. طالب إعلام يتخرج دون أن يحضر نصف محاضراته، فيما تتباهى الإدارة بأنها "تحمي الأخلاق". الأخلاق؟ أم العجز؟ الجواب واضح. إحصاءات من الخيال... ومنهج بلا منهجية يستشهد الدكتور بإحصاءات عن التحرش في مصر وتونس ولبنان وأوروبا وأمريكا... دون مصدر واحد. وهذه سقطة لا يرتكبها طالب في السنة الأولى، فكيف يرتكبها أستاذ في كلية الإعلام؟ الجامعة التي يعمل فيها يفترض أن تعلّمه معنى الدقة والبحث العلمي، لا صناعة الأوهام. غياب الإحصاءات في اليمن لا يعود إلى "تفلت النساء"، كما يدّعي، بل إلى الخوف من التكفير والوصم والتشهير... الخوف من خطاب يشبه خطابه. جوهر المشكلة ليس "اللباس"… بل العقلية المتحرش ليس ضحية فستان، ولا ضحية "ساق مكشوفة". المتحرش مجرم، مهما كانت الملابسات. ودور الجامعة —وأستاذ الإعلام تحديدًا— ليس تجريم النساء، بل الدفاع عن القيم الحديثة: حرية الفكر، المسؤولية الفردية، المساواة، وسيادة القانون. الدينُ مسؤولية... لا سوطٌ على الأجساد الدينُ، لمن يعرف روحه، تكليف ومسؤولية. لم يأتِ ليحوّل الرجل إلى كائن عاجز، ولا ليجعل المرأة مصدرًا للفتنة حيثما ولّت وجهها. الحجاب —لمن تؤمن به— عبادة فردية، لا معيارًا لتقسيم البشر، ولا ذريعة لشرعنة الفصل والتحريم. أزمة أخلاق... أم أزمة رؤية؟ ما يحدث في جامعة صنعاء ليس دفاعًا عن الأخلاق، بل تغطية على: عجز عن توفير قاعات تعليمية كافية عجز عن توفير كوادر نسائية عجز عن مواجهة التحرش بقوانين عجز عن فهم العصر والمشكلة ليست في "ساق مكشوفة"، بل في عقلٍ يرى المرأة جسمًا، والرجل غرائز، والعلم وسيلة للوصاية لا للتحرير. خاتمة خطاب د. رصين ليس رأيًا فكريًا، ولا موقفًا أخلاقيًا، ولا تحليلًا إعلاميًا. إنه جزء من منظومة فكرية مظلمة، تُبرّر القمع باسم الفضيلة، وتُعيد الجامعات عقودًا إلى الوراء، وتحوّل التعليم إلى منصة وصاية. وأستاذ إعلام يكتب بهذا الخطاب، لا يدافع عن الأخلاق... بل يعتدي على روح الجامعة نفسها.