إن ما يسمّى مشروع "الإقليم الشرقي" في الدولة الاتحادية لم يكن في أي يوم حلاً سياسياً ولا رؤية وطنية، بل كان خدعة رديئة الصياغة صُنعت في مطابخ صنعاء ليتم ابتلاعها في شبوة وحضرموت والمهرة على يد بضعة مروّجين مغسولي الوعي. هؤلاء يقدمون مشروعاً مشوهاً باهتاً تحت لافتة "حق أبناء الإقليم" بينما هو في الحقيقة أكبر عملية التفاف على الجنوب منذ ثلاثين عاماً. الداعون لهذا الإقليم إما لا يفهمون مشروع الأقاليم أصلاً، أو يفهمونه جيداً ويعملون بما يخدم صنعاء، ولا فرق بين الاثنين؛ فكلاهما يسهم في إعادة رقبة الجنوب إلى يد المركز الزيدي الحاكم. كيف يمكن لعاقل أن يدعو لإقليم لا يملك سلطته الأمنية، ولا موارده، ولا موانئه، ولا مطاراته، ولا حتى حق التوظيف داخل حدوده؟ كيف يمكن لمن يفترض أنه "يمثل الجنوب" أن يروّج لكيان تُدار ثرواته من صنعاء ويُفرض عليه موظفون من خارج أرضه؟ هذا ليس مشروع حكم ذاتي، بل مشروع مصادرة كاملة للقرار الجنوبي في أثواب اتحادية مزيّفة.
دعاة الإقليم الشرقي يتحدثون عن "صلاحيات واسعة" بينما النصوص الدستورية نفسها تقول بوضوح إن كل شيء سيادي – من النفط إلى الموانئ – مركزي. ويعتقدون أن بإمكانهم بيع هذا الوهم للناس، بينما الحقيقة أن مشروعهم ليس أكثر من بوابة خلفية لعودة السيطرة على شبوة وحضرموت والمهرة بثوب جديد لا يختلف عن ثوب الوحدة الفاشلة.
من يسوّق هذا الإقليم في الجنوب لا يدافع عن حق، ولا يطالب بصلاحية، بل يسهّل تسليم الجنوب مرة أخرى للهيمنة المركزية. وهم يعرفون، كما يعرف الجميع، أن الإقليم الشرقي ليس إلا توزيعاً جغرافيًا يُبقي الثروة في يد غير أهلها، ويمنح الوظيفة لغير أصحاب الأرض، ويعيد القرار السياسي إلى صنعاء مهما تغيّرت المسميات.
هذه الدعوات يجب ألا تُناقش كخيارات سياسية، بل يجب فضحها بوصفها جزءاً من مشروع أكبر هدفه إفراغ الجنوب من قدرته على إدارة موارده، وكسر أي إمكانية لامتلاك قرار مستقل. وكل من يروّج لها، عن قصد أو جهل، يمارس دوراً يخدم السلطة المركزية، مهما حاول أن يغطي ذلك بشعارات الاتحادية والعدالة والتنمية.