تاريخ حضرموت ليس مجرد سردٍ لوقائع قديمة، بل هو مفتاحٌ لفهم حاضر الجنوب العربي وصراعاته الممتدة. فمنذ ما قبل الميلاد، كانت حضرموت لاعبًا رئيسيًا في معادلة الجنوب، تخوض صراعًا سياسيًا وجغرافيًا واسعًا مع ممالك معين وسبأ اليمنية، في مواجهة اتحادات جنوبية صلبة ضمّت قتبان وأوسان، بما يشبه فيدرالية سياسية مبكرة أسست لوعيٍ جنوبي متقدم على بيئته وزمنه. وفي خضم تلك الصراعات، برزت حضرموت بقوة دولتها ومؤسساتها وقدرتها على إدارة المجال الجغرافي الواسع للجنوب، من سواحل المحيط إلى عمق الهضاب. ومن المهم التذكير بأن عواصم مملكة حضرموت التاريخية لم تكن في أقصى الشرق كما يحاول البعض تصويرها، بل قامت على أرض شبوة نفسها. فشبوة القديمة، المعروفة ب"شبوة الملح" في وادي عرما، والمعشار، كانت من أهم حواضر حضرموت ومراكز قوتها الاقتصادية والسياسية. أما العاصمة الثانية في نقب الهجر بوادي ميفعة جنوب شرق شبوة، فقد كانت شاهدًا على مرحلة توسّع حضرمي عزّز النفوذ الجنوبي في مواجهة الممالك اليمنية، ورسّخ وحدة جغرافية جنوبية ضاربة في القدم.
إن كل هذا التاريخ ليس ترفًا معرفيًا، بل حقيقة سياسية تتكرر اليوم بصيغ جديدة. فحضرموتوشبوة لم تكونا يومًا منفصلتين في الوعي الجنوبي، بل شكلتا قلب الدولة القديمة ومركز ثقل الجنوب العربي عبر آلاف السنين. وكل محاولات ابتلاع حضرموت أو نزعها عن محيطها الطبيعي ليست إلا تكرارًا باهتًا لصراعات قديمة انتهت دائمًا لصالح الجنوب وتماسكه.
إن حضرموتوشبوة اليوم تقفان على امتداد جغرافيا واحدة بنت حضاراتها وملوكها ومدنها معًا، ولا يمكن لأي مشروع وافد – قديمًا كان أو حديثًا – أن يمحو الحقيقة التي بقيت ثابتة عبر الزمن: الجنوب العربي كان دولة، وحضرموت كانت عمودها، وشبوة كانت عاصمتها.