ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    الحوثي والحرب القادمة    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الأكاديمي والسياسي "بن عيدان" يعزّي بوفاة الشيخ محسن بن فريد    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    الحوثيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: 372 قتيلاً خلال 4 أشهر    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تاريخ حضرموت : اليافعيون الحضارمة .. خمسة قرون من الجهد الدؤوب
نشر في شبوه برس يوم 03 - 07 - 2014

في عام 1519م ( 925 ه ) ، أي منذ حوالي خمسة قرون مضت وصلت إلى حضرموت أولى الكتائب العسكرية من أبناء يافع وبطلب من سلطان حضرموت آنذاك بدر بن عبدالله الكثيري الملقب بأبي طويرق لتعزيز الدفاع عن أمن واستقرار دولته الممتدة من ظفار شرقاً إلى شرقي العوالق وبيحان غرباً ، ومن سواحل بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً إلى الأطراف الجنوبية لصحراء الربع الخالي شمالاً .
وفي هذا يذكر الأستاذ الراحل محمد بن علي بن عوض باحنان في صفحة 504 من كتابه (جواهر تاريخ الأحقاف ) الصادر في جدة عام 2008م ونقلاً عن كتاب ( تاريخ حضرموت السياسي ) للأستاذ الراحل صلاح عبدالقادر البكري اليافعي ( أن السلطان بدراً أبا طويرق قد طلب من إمام (صنعاء) أن يمده بجيش فأمده بيافع ) ، وحيث أن السلطان بدر قد توجه بنفسه في ذلك العام إلى صنعاء لطلب المدد من إمامها لتثبيت أركان دولته المترامية الأطراف بعد أن فشل في إقناع بني قومه من آل كثير بمساعدته ودعمه في حكمه .
وقد عرض إمام صنعاء على أبي طويرق مجموعة القبائل التي تنضوي تحت حكمه ، فاختار منها أبو طويرق خمسة آلاف مقاتل من يافع واصطحبهم معه إلى حضرموت .
ويشير الأستاذ محمد باحنان في صفحة 479 من كتابه المشار إليه سابقاً أن بعضاً من جند يافع استقرت في الشحر ، وآخرون في دوعن ومنهم بني بكر وآل يزيد وآل البطاطي .
وفي شبام استقر الموسطة . وفي تريم وسيئون استقر آل الضبي . وهكذا بدأ انتشار الجند اليوافع في مناطق حضرموت الشاسعة . وقد خاض أبو طويرق بهؤلاء أولى معاركه في بحران القريبة من القطن عند وصوله بهم إلى حضرموت ، حيث اشتبك مع قبيلة نهد وانتصر عليهم ، مما عزز وجود وأهمية الجند اليافعية في قوام جيش أبي طويرق .
ولا شك أن اختيار السلطان بدر أبو طويرق للمقاتلين من يافع بالذات لم يكن عرضياً ومصادفة ، وإنما لاعتبارات موضوعية وعملية ومنها كون هؤلاء اليوافع سنة شوافع مثلما هو حال أهل حضرموت ، بينما معظم القبائل اليمنية المحيطة بالإمام هي زيدية المذهب ، ثم أن اليوافع يتسمون بشدة البأس والصبر في القتال وهو ما يحتاج إليه السلطان بدر الكثيري لتعزيز جيشه وتثبيت دولته ، وكذلك كون منطقة يافع هي الأقرب جغرافياً إلى حضرموت مما يعني سهولة الانتقال السريع للمقاتلين من يافع إلى حضرموت ، كما أن الجوار الجغرافي بين حضرموت ويافع يعني إمكانية التقبل النفسي والاجتماعي والحضاري بين كل من الحضرمي واليافعي . كل هذه العوامل وغيرها ساعدت أبو طويرق على اختيار جنوداً من يافع بالذات .
والملاحظ أن علاقة الحضارمة بساكني أرض يافع وعبر التاريخ هي بوجه عام سلمية وحضارية وتقوم على الاحترام المتبادل والانتفاع من المصالح المشتركة بينهما . وهي تكاد تخلو من الصراعات والنزاعات ولم تشهد هذه العلاقة شكل الاصطدام أو المقاومة أو الاحتكاك العنيف والتوتر إلا في فترة زمنية محدودة عندما سيطر القرمطي على بن الفضل في عام 905م على يافع واتخذ منها قاعدة أولى لحكمه وقبل انتقاله إلى المذيخرة بنواحي إب ، حيث تمكن ابن الفضل هذا من حضرموت في عام 913م وحاول أن يبسط فيها مذهبه المنحرف والشاذ بما أكثره من الإباحيات المحرمة إسلامياً . ولكن نفوذه في حضرموت لم يستمر طويلاً وكما جاء في صفحة 61 من كتاب ( المختصر في تاريخ حضرموت العام ) للأستاذ الراحل محمد عبدالقادر بامطرف في طبعته الأولى الصادرة بالمكلا عام 2001م .
وبعد حوالي قرنين من الزمن وتحديداً في عام 1705م ذهب سلطان حضرمي آخر وهو بدر بن محمد المردوف الكثيري ( بطل تحرير حضرموت من الاحتلال اليمني الزيدي) إلى يافع واستقدم منهم ستة آلاف مقاتل استعان بهم في ثورته ضد هيمنة الزيود على حضرموت آنذاك . وهذا ما يؤكد أن علاقة يافع بحضرموت لم تنقطع منذ عهد السلطان أبي طويرق وما بعده .
وإذا كنا قد أشرنا إلى أن عام 1519م هو بداية استيطان اليافعيين بحضرموت فإنما لكون هذا التاريخ موثقاً ومعروفاً ومتداولاً .
لكن هناك من يشير إلى وجود يافعي مؤثر قبل هذا التاريخ وبأكثر من ستين عاماً ، وهو ما ذكره الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في صفحة 81 من كتابه المشار إليه آنفاً ، حيث ذكر أن بعض اليافعيين في الشحر بزعامة الشيخ مبارك الكلدي قد أوعزوا في عام 1457م للأمير محمد بن سعيد بن فارس الكندي الملقب بأبي دجانة حاكم حيريج والمجاورة لسيحوت الحالية بالهجوم على عدن عاصمة الطاهريين آنذاك للاستيلاء عليها رداً على قيام الطاهريين بطرد اليوافع من عدن مما ألجأهم إلى الشحر فاستقروا فيها وقبل وصول الكتائب العسكرية اليافعية المصاحبة لأبي طويرق .
وكذلك هناك من يرى إلى أن علاقة أهل يافع بحضرموت كانت أقدم من ذلك ، بل وتمتد إلى عصور ما قبل الإسلام وتحديداً في عهد سيف بن ذي يزن عندما قام بثورته في عام 599م ضد الحكم الحبشي في صنعاء وما حولها ، وحيث أن هذا الملك اليمني قد استعان بالفرس ، فأمدوه بجند من فارس يقال ان معظمهم نزلاء السجون فيها . وقد نزل هؤلاء الفرس بشواطئ حضرموت بجوار قصيعر ، وكذلك نزلوا بشواطئ عدن . ولأن حضرموت حينها لم تكن تخضع لحكم ابن ذي يزن أو للأحباش وإنما كانت مستقلة في ظل ملوك كندة وبعض الزعامات القبلية فقد وجدت هذه القوة الفارسية مقاومة من قبل قبائل حضرموت في المشقاص وغيرها ، وهو ما ذكره الأستاذ الراحل عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي في كتابه عن المشقاص .
والمهم أن سيف بن ذي يزن أرسل بعض قبائل بافع إلى حضرموت لمساعدة القوة الفارسية التي وصلت إلى أراضيها والتوجه بها إلى مأرب ثم إلى صنعاء وللإطباق على الأحباش هناك . ويرى البعض أن عدداً من هؤلاء الجند اليافعية ممن استعان بهم سيف بن ذي يزن قد استقرت في حضرموت ولم تتوجه مع القوة الفارسية . وقد أشار الأستاذ الراحل محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه ( الشهداء لسبعة ) إلى شيء من هذه العلاقة التاريخية القديمة التي تربط أهل يافع بحضرموت في عصور ما قبل الإسلام . ولعل هذا يعزز القول بوجود يافعي في حضرموت قبل عام 1519م .
وللأسف لا توجد لدينا معلومات موثقة كافية حول هذا الوجود اليافعي في حضرموت في العصور الغابرة حتى يمكن وضع صورة متكاملة عنه والذي يبدو أنه مرتبط بالنشاط العسكري لأبناء يافع في حضرموت عبر التاريخ . وهذا يعني أن هجرة اليوافع إلى حضرموت هي في المقام الأول هجرة عسكرية للدفاع عن دولة سيف بن ذي يزن في صنعاء أو للدفاع عن دولة أبي طويرق وآل كثير في حضرموت .
ولا شك أن هذه الهجرة اليافعية وإن لم يكن طابعها مدني إلا أنها مكنت بعض أبناء يافع من الاستقرار في حضرموت ، بل واندمجوا مع المجتمع الحضرمي حتى أصبحوا جزءاً هاماً من هذا المجتمع الحضرمي ، بل ودعامة أساسية لاستقراره وأمنه ، وكما أشار إلى ذلك الأستاذ الراحل عبدالحكيم صالح العامري في صفحتي 101 و 102 من كتابه ( السلطان بدر بن عبدالله بن جعفر الكثيري المكنى أبو طويرق ) ، والصادر في تريم عام 2006م ، وحيث أشار إلى ( أن قبائل يافع قد شكلت عنصراً رئيسياً في جيش السلطان بدر أبي طويرق الذي خاض به العديد من المعارك لقهر خصومه وتوسيع أرجاء دولته فضلاً عن أنه كوّن منهم حاميات عسكرية تمركزت على طول البلاد وعرضها من أجل الحفاظ على الأمن والنظام ودعم الاستقرار في حضرموت ).
وهذا يعني أن قدوم آل يافع إلى حضرموت لم يكن بدافع الغزو أو الاحتلال لأراضي حضرموت ، وإنما أتوا كمحاربين ومقاتلين بطلب استقدام واستعانة من سلطان حضرموت الكثيري لتعزيز دولته ونشر الأمن والسلام في ربوع حضرموت . ومع مرور الزمن أصبح هؤلاء اليوافع حضارمة لا يعرفون وطناً لهم غير حضرموت ، وفيها ولدت وتربت ونمت أجيال متعاقبة منهم . ولا يجوز مطلقاً التفريق بينهم وبين بقية أبناء حضرموت .
واليوم فإننا نجد أن الحضارمة من جذور يافعية يشكلون إحدى القبائل الحضرمية المعروفة في حضرموت والتي يصل عددها إلى أربعة عشرة قبيلة حضرمية ، وهي بحسب الترتيب الأبجدي ولبس المكانة أو عدد السكان كل من : آل بلعبيد والحموم والديّني وآل ذييب وسيبان والشنافر والصيعر وبني ظنة والعوابثة وبني مرة ونهد ونوّح وبني هلال ويافع ، وذلك كما ذكر في صفحتي 42 و 46 من كتاب ( سيبان عبر التاريخ) للأستاذ سالم أحمد الخنبشي الصادر في المكلا 2007م والذي نقل بدوره هذه المعلومات من كتاب ( ادوار التاريخ الحضرمي ) للأستاذ الراحل محمد أحمد الشاطري وكتاب ( حضرموت : فصول في الدول والأعلام والقبائل والأنساب ) للشيخ الراحل عبدالله أحمد الناخبي .
وهذه القبائل الحضرمية جميعها تشكل في تقديرنا حوالي 60% من جملة الحضارمة في الوطن الحضرمي أي بعدم احتساب حضارمة المهجر . ويشكل الحضارمة من جذور يافعية في تقديرنا حوالي 15% من جملة أبناء قبائل حضرموت بالوطن . وهؤلاء الحضارمة من جذور يافعية يشكلون حوالي 10% من جملة سكان حضرموت بالوطن عموماً . وحيث أننا نرى أن سكان حضرموت المنحدرين من القبائل فيها تصل نسبتهم – كما أشرنا – إلى حوالي 60% ونسبة الهاشميين الحضارمة حوالي 15% ونسبة المشائخ الحضارمة حوالي 15% والنسبة المتبقية وهي 10% فهي للحضارمة الحرفيين وهم الذين قامت على جهودهم نهضة حضرموت العمرانية والاقتصادية والتجارية وغيرها . وجميع هؤلاء بلا شك حضارمة متساوون في الحقوق والواجبات ولا يجوز التمييز بينهم على أساس المجموعة التي ينتمون إليها . وما نطرحه الآن هو بقصد التعريف والمعالجة العلمية للإلمام بشكل أدق بكل الأبعاد الاجتماعية والنفسية والسياسية التي تحيط بمجتمعنا الحضرمي ودون الانتقاص من قدر أحد أو الغلو في مكانة مجموعة من السكان في حضرموت . ولعله من المناسب أن نشير هنا إلى عزمنا بعون الله تعالى لتناول شيئاً عن منظومة قبائل حضرموت كماً وكيفاً ودورها الريادي في تنظيم حياة المجتمع الحضرمي ، ومن ذلك ما قامت به بعض القبائل المعروفة في حضرموت مثل سيبان والشنافر واليوافع ونهد وكندة وغيرهم .
ولاشك أن لليافعيين الحضارمة دوراً لا يقل أهمية عن دور بقية قبائل حضرموت في دعم الأمن والاستقرار فيها . وقد ساعد انتشار وتوزيع المجوعات اليافعية على طول وعرض أراضي حضرموت في ذلك ، ففي ساحل حضرموت توزعت الحاميات اليافعية أو بمعنى أدق معسكرات الجند اليافعية أو ما عرف بمصطلح ( المكاتب ) على مجموعة من الأسر اليافعية ، وهي بحسب الترتيب الأبجدي آل بريك وآل البطاطي وآل عاطف جابر وآل الشيخ علي بن هرهرة وآل كساد وآل معوضة وآل النشادي . وهذه المكاتب السبعة أو الحاميات السبع لليوافع في ساحل حضرموت توزعت على كل من الشحر والديس الشرقية والحامي وتبالة وعرف وحصن خرد وغيرها وحسبما ذكر في صفحة 89 من كتاب الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف ( المختصر في تاريخ حضرموت العام ) . وفي داخل حضرموت تمركزت بني بكر وآل الضبي وآل يزيد والموسطة وآل النقيب وآل القعيطي مؤخراً . ومن هذه المجموعات اليافعية في ساحل ووادي حضرموت انحدرت مجموعات أخرى أصغر عمّت أرجاء واسعة في حضرموت بواديها وساحلها . وجاء في صفحة 5 وما بعدها من كتاب ( ملخص عن تاريخ يافع حضرموت ) الذي صدر بالمكلا عام 2008م وألفه الأستاذ خالد عبدالملك حسين بن همام – وهو من جذور يافعية – إن الأسر اليافعية في أرض يافع هي خمسة (مكاتب ) في يافع العليا وهي أبجدياً الابعوس والحضرمي والضبي والمفلحي والموسطي . وفي يافع السفلى خمسة ( مكاتب ) أخرى هي آل سعد وآل كلد وآل الناخبي وآل يزيد ويهر . أما في الأراضي الحضرمية فقد أشار الأستاذ خالد بن همام في كتابه هذا إلى ثلاثة ( مكاتب ) هي أبجدياً بني قاصد ويضم ست أسر كبرى متفرعة إلى أسر أصغر ، ثم الضبي ويضم ثمان أسر كبرى ، ثم الموسطة ويضم إحدى عشرة أسرة . وفي ذلك ذكر الأستاذ خالد بن همام أسماء لأكثر من مائة أسرة حضرمية من أصل يافعي . ولاشك أن هذا جهد طيب للباحث المجتهد الأستاذ خالد بن همام يشكر عليه لأنه يضيف معرفة جيدة وجديدة عن اليافعيين الحضارمة الذين أصبحوا جزءاً من كيان المجتمع الحضرمي . مما يجعلنا نقول أن علاقة هؤلاء بأرض يافع إنما هي من قبيل الحنين والذكريات وهي مسألة مقبولة ومشروعة . وربما بقي لدى البعض منهم ممتلكات مادية أو بقايا عائلة هنا أو هناك . أما المعايشة والمستقبل والمساهمة الجادة في التنمية لهؤلاء اليافعيين الحضارمة فهي لا شك لوطنهم حضرموت .
وللإنصاف وللموضوعية العلمية لابد لنا أن نقول أن هجرة أبناء يافع إلى حضرموت وإن كانت في بداياتها ومهنة أفرادها تتصل بالنشاط العسكري لأبناء يافع واستعانة الآخرين بهم إلا أن هناك هجرة مدنية وسلمية لعدد من أبناء يافع إلى حضرموت ، حيث كان من بين هؤلاء علماء ودعاة وتجار ورجال دولة وإدارة وفلاحين وملاحين وغيرهم . وقد استقر هؤلاء في حضرموت منذ عقود من الزمن مما ساعد الحضارمة من الاستفادة من خبراتهم وقدراتهم . وهذا تجلى بشكل واضح بعد إقامة السلطنات الحضرمية على أيدي اليافعيين الحضارمة ومنها سلطنات آل بريك في الشحر وآل كساد في الحامي والمكلا وآل القعيطي في القطن و المكلا والتي امتدت إلى معظم أراضي حضرموت . وكانت هذه السلطنات الحضرمية مثالاً طيباً للأنظمة الناجحة التي تخدم مجتمعاتها والتي تجد احتضاناً جماهيرياً لصلاحها وجدوى بقائها واستمرارها . ولاشك أن الحضارمة بمساندتهم لهذه السلطنات ذات الجذور اليافعية وتقبلهم لها قد أعطوا نموذجاً راقياً وحسناً في التعامل الإيجابي مع الحاكم الصالح والعادل والقائم بأمور البلاد والعباد حتى وإن كان وافداً عليهم وليس غازياً لأرضهم ومذلاً لهم . وبالمقابل فإن هؤلاء الحكام الحضارمة من جذور يافعية كانوا حضارمة في المقام الأول فأخلصوا لحضرميتهم وبذلوا من أجلها الغالي والنفيس ، ودافعوا عن الأرض الحضرمية لكونها أرضهم كحضارمة . أما جذورهم اليافعية فهذا شأن وجداني وعاطفي ، وهي وشائج الذكريات والعلاقات الإنسانية القديمة ، وهي مسقط رأس الأجداد . والمهم ألا يصطدم هذا الشعور العاطفي عند هؤلاء ليافع بالانتماء لحضرموت بعد أن أصبحت وطناً لهم ومكان إقامة واستقرار لأجيالهم المتعاقبة منذ خمسة قرون ونيف . بمعنى أنه ليس من الضروري عليهم ترك ما يرونه أنه مصدر عشقهم واعتزازهم بموطن أجدادهم أرض يافع طالما وأن انتمائهم إلى حضرموت له المكانة اللائقة به في نفوسهم وأفكارهم وأعمالهم .
ولاشك أن أرض يافع رغم صغر مساحتها والتي لا تزيد عن 3500 كيلو متر مربع ، وهي مساحة تماثل مساحة جزيرة سقطرى إلا أنها قد تركت أثراً عاطفياً ملحوظاً في اليافعيين الحضارمة الذين استقروا في حضرموت ، وحيث أن الأرض اليافعية لها تاريخ موغل في القدم وتتسم بسمات حضارية معروفة . وقد عرفت هذه المنطقة قديماً باسم ( دهس ) أو (دهسم) أو ( سرو حمير ) وينسب سكانها إلى يافع بن زيد بن مالك بن زيد بن رعين وينتهي نسبه إلى حمير وسبأ . وهي لا تبعد عن ميناء عدن بأكثر من خمسين كيلو متراً مما جعل سكانها يستفيدون من إمكانات هذا الميناء الكبير عبر العصور . والمعروف أن تربة أرض يافع تمتاز بخصوبة عالية في الإنتاجية الزراعية لطبيعتها البركانية الجبلية ، كما تمتاز باعتدال مناخها طيلة العام ، وحيث أن أعلى قممها وهي قمة جبل ( ثمر ) تصل إلى حوالي 2000 متر فوق سطح البحر ، كما أن بها وفرة من المياه تفتح آفاقاً طيبة للنشاط الزراعي لسكانها ، وحيث ينتج فيها حالياً الحبوب والفواكه والبن والقات . ولاشك أن زراعة القات في يافع هي وصمة عار في جبين أهل يافع لأنها لا تستقيم مع جملة المبادئ والقيم والأخلاقيات الإيجابية المعروفة عن أهل يافع ، وهي قيم ومبادئ إيجابية يشترك معهم فيها أبناء حضرموت ، وهم الذين يرفضون وبشدة القات زراعة وتجارة واستهلاكاً . ونسأل الله عزّ وجل أن يمكن أهل يافع في أرضهم من التخلص من هذه الآفة التنموية والاجتماعية والأخلاقية الخطيرة حتى ينعم أهلها بالخير والفلاح والتطور والرقي ، وحيث يقدر عدد سكانها بحوالي 400 ألف نسمة ( 2004م ) موزعين على ثمان مديريات أربعاً منها في محافظة أبين وأربعاً أخرى في محافظة لحج . ولم يحسب ضمن هؤلاء المهاجرين من يافع مباشرة وهم يقدرون بأعداد كبيرة لم يتم إحصائهم بعد .
وقد ترك لنا اليافعيون الحضارمة إرثاً حضارياً طيباً وكما ترك الهاشميون الحضارمة والمشائخ الحضارمة من ذوي الجذور العراقية وغيرهم ممن أتى إلى حضرموت من شرق أو غرب أو شمال أو جنوب براً أو بحراً ، وحيث ان هؤلاء جميعاً قد اندمجوا في المجتمع الحضرمي وساهموا فيما تعتز به حضرموت اليوم من تراث حضاري في المجالات الاجتماعية أو الفكرية أو الثقافية أو العلمية أو الإدارية أو التنموية أو غيرها مما لا يستهان به . وقد وجد هؤلاء تقبلاً حسناً لهم بين قبائل وعشائر حضرموت ، مما يجعلنا نقول وبثقة مطلقة وتامة أن حضرموت اليوم وهي تعتز بكافة أبنائها من قبائل وعشائر قديمة أو وافدة ومن مجموعات سكانية انحدرت من جذور متعددة هي بلا شك وحدة واحدة وملتحمة في نسيج اجتماعي وثقافي وفكري يجمع ولا يفرّق ، ويأصّل للخير ولا يقصي أحداً . وأنه لا مكان لنزعات عنصرية ضيقة أو استعلائية مقيتة أو مذهبية منحرفة أو تطلعات فردية أنانية ، فكل ذلك مرفوض رفضاً مطلقاً فلا مجال إلا للخير والتعاون من جميع أبناء حضرموت ، وهو ما تحتاج إليه حقاً حضرموت اليوم وحضرموت الغد لبناء المستقبل المشرق والمستقر الواعد بالخير والأمان والازدهار بعون المولى جلّت قدرته وتعالت مشيئته
* د عبدالله سعيد باحاج المكلا- حي السلام
24 يونيو 2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.