ترامب يعلن عن ايقاف فوري للعمليات العسكرية في اليمن والمشاط يؤكد ان الرد سيكون مزلزل    صنعاء .. وزارة الصحة تصدر احصائية أولية بضحايا الغارات على ثلاث محافظات    إداناتٌ عربية وإسلامية للعدوان "الإسرائيلي" تؤكدُ التضامنَ مع اليمن    توسّع في تعليق الرحلات الجوية إلى مدينة "يافا" بعد قصف مطار "بن غوريون"    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    اليمنية تعلن عدد الطائرات التي دمرت في مطار صنعاء    اليمنية تعلن تدمير ثلاث من طائراتها في صنعاء    الاضرار التي طالها العدوان في مطار صنعاء وميناء الحديدة    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    سحب سوداء تغطي سماء صنعاء وغارات تستهدف محطات الكهرباء    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 52,615 شهيدا و 118,752 مصابا    البدر: استضافة الكويت لاجتماعات اللجان الخليجية وعمومية الآسيوي حدث رياضي مميز    المجلس الانتقالي وتكرار الفرص الضائعة    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الصحة: استشهاد وإصابة 38 مواطنًا جراء العدوان على الأمانة ومحافظتي صنعاء وعمران    رئيس مؤسسة الإسمنت يتفقد جرحى جريمة استهداف مصنع باجل بالحديدة    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    إسرائيل تشن غارات على مطار صنعاء وتعلن "تعطيله بالكامل"    العليمي يشيد بجهود واشنطن في حظر الأسلحة الإيرانية ويتطلع الى مضاعفة الدعم الاقتصادي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    حكومة مودرن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    معالجات الخلل!!    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    المناطق التي شملتها الأمطار أمس وتوقعات اليوم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يذكر ‘‘ فرج فودة‘‘ ؟
نشر في شبوه برس يوم 28 - 08 - 2015

حين تتجوّل في شوارع مدينة "قرطبة" الإسبانية، ستجد على يمينك مدرسة Averoues، ومن أمامك جامعة Averroues وبعد برهة سيقاطعك شارع Averroues الذي ينتهي بميدان Averroues، وهلم جرّا.
أما Averroues فلم يكن ممثلاً أمريكياً شهيراً، ولا نجماً هدّافاً في فريق ريال مدريد. ولم يكن شاعراً إنجليزياً من القرن السابع عشر، ولا رساماً فرنسياً من عصر الرينيسانس تحتلُّ لوحاتُه قاعاتِ متحف اللوفر وتُباع مسروقاتُها بملايين الدولارات. ولا كان روائياً روسياً ولا موسيقاراً ألمانيًّا أبدع من السيمفونيات ما يستحق تخليده على هذا النحو اللافت في إسبانيا وفي مجمل دول أوروبا. إنما كان شيخاً مسلماً مثقفاً من القرن الثاني عشر اسمه: "أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد".
ولد هذا الرجل الاستثنائي في قرطبة الأندلسية بالقرون الوسطى، ومات منفياً حزيناً في مراكش المغربية، بعدما طُرد من بلاده كعادة ثقافتنا العربية التي تحارب الأذكياء الواعين وتحتفي بالخاملين المظلمين. كان طبيباً وفيزيائياً وفلكياً وفيلسوفاً وقاضياً، وكان عظيماً. لماذا احتفى به الغربُ؟ لأنه كان كلَّ ما سبق، ولأنه ساهم في نهضة أوروبا العظمى وصناعة إشراقتها حين شرح للأوروبيين فلسفةَ أرسطو التي طمرتها السنوات والقرون وكاد يطويها النسيان. ولماذا حاربه المسلمون ونفوه وحرقوا تراثه وأغفلوا سيرته حتى نسيه التاريخُ الإسلامي والعربي عمداً؟ لأنّه أيضاً كان كل ما سبق. فالعربُ تكره أن يخرج من بين جِلدتها الاستثنائيون الموهوبون العائشون خارج الصندوق الحديدي المظلم.
ذبحوا تاريخَه واغتالوا إرثه لأنه ارتكب الجريمة الكبرى التي لا تسامح فيها العرب ولا يغفرها المشعوذون. جريمته الكبرى أنه كان "يفكّر" و"يعقل" في مجتمع يكره التفكير ويمقت العقل. مقتوه لأنه قال: "الحقُّ لا يضادُّ الحقَّ. الدينُ حقٌّ والفكرُ والفلسفةُ حقٌّ. والحقّان لا يتضادان". فرماه الجهلاءُ بالكفر والزندقة وأحرقوا كتبَه النيّرة، وحرق هو بقية كتبه يأساً، حين أيقن أن مَن حوله لا يستحقونها.
سَلْ أيَّ واحد من التكفيريين الذين يُشهرون سيوفَهم في وجوهنا ويرفعون ضدنا قضايا الحسبة ويسجنوننا ويصادرون ما نكتب، سلهم: "هل تعرفون ابنَ رشد؟" الإجابة بالنفي. لكنهم بالطبع يعرفون أسماءَ جهلاء طبّقت شهرتُهم الآفاقَ يؤكدون أن الشمس تدور حول الأرض، وأن الأرض مستوية، فوقها السماء مستوية، وأن القمرَ نجمٌ منير!
ومرّت السنواتُ والعقودُ والقرون ووقفنا على رأس الألفية الثالثة. فهل تغيّرنا، نحن العرب، وكبرنا ونضجنا وبِتنا نحتفي برموزنا الفكرية النيّرة ونكرّم الطافرين الاستثنائيين ممن كسروا الصندوق الحديدي وغرسوا نبتَتهم في رحاب أرض الله تحت شمسه ونوره بعيدًا عن جحور الخفافيش وكهوف الظلام؟ أبدًا. نحن نحن! عصيون على التغيّر والتبدّل والنضوج. مازلنا نُشهر سيوفنا في وجه كل من شحذ عقله وأعمل فكرَه وانسلخ عن القطيع.
قبل يومين، 20 أغسطس، حلَّ عيدُ الميلاد السبعين لرجل استثنائي آخر من أبناء العظيم ابن رشد. اسمه الدكتور "فرج فودة". فهل تذكره أحد؟ هل احتفت به وزارة الثقافة المصرية؟ هل ضج الإعلامُ المصري والعربيّ بأفلام وثائقية عن هذا المفكر العظيم؟ هل أطلقنا اسمَه على شارع أو ميدان أو مدرسة، أو حتى قاعة مدرج في جامعة؟ أبدًا، لم يحدث. لماذا؟ لأننا نكره النجباءَ ونمجّد الأدعياء.
لكن شاعراً مصرياً وناقداً ومؤرخاً محترماً اسمه "شعبان يوسف" تذكّره وسط ملايين ممن نسوا. كتب بجريدة "التحرير" المصرية مقالاً ملهماً شديد اللهجة عنوانه:"فرج فودة وتجديد الخطاب الديني"، معاتباً الدولة التي تنسى رموز الفكر الإسلامي المستنير وأقطاب الإصلاح الديني، ثم تتشدّق كذبًا بأنها تعمل على "تجديد الخطاب الديني"، قائلا: “يموت المفكر أو يطرد من بلاده، فلا يجد تكريماً في حياته، ولا بعد رحيله، وها هو المفكر الإشكالي د. فرج فودة تحل ذكرى ميلاده السبعين والدولة التي تشجينا وتطربنا يومياً بقضية "تجديد الخطاب الديني"، لا تعترف بفرج فودة، ولا بنصر حامد أبو زيد، فحدث أن تم اغتيال الأول، وتم طرد الثاني وتشريده ونفيه ورحل، دون أن تعمل الدولة على الاحتفال بأيِّ منهما، وحتى الآن لا توجد مؤسسة رسمية من مؤسسات وزارة الثقافة تقدر على طبع ونشر الأعمال الكاملة لهذا أو لذاك."ثم طالب رئيس دار الكتب والوثائق ووزير الثقافة أن يقوما بدور يليق بسبعينية هذا الرجل العظيم. وذكّرَ في مقاله، مَن نسي، بأن فرج فودة كان من أوائل من استشرفوا خطر الإخوان الداهم وتيار الإسلام السياسي في كتابه "النذير" حين قال في مقدمة الكتاب: "يمكن القول -دون مبالغة- بأن التيار السياسي الديني قد أحرز في السنوات الخمس الأخيرة 1982-1987، نجاحا يتجاوز كل الاحتمالات أو التوقعات بحيث يمكن القول بأن هذا التيار قد نجح في تكوين ما يمكن تسميته الدولة الموازية، والمتضمنة باستمرار، والمستخدمة دائما لنفس أجهزة ومؤسسات الدولة الحاكمة"، أي أن فرج فودة قد طرق الموضوع مبكرا جدا وألحّ على طرحه، وخصّ بالذكر جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت الرافد الأساسي منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى أوائل السبعينيات، وبعد ذلك أضيفت تيارات وليدة تمارس أشكالا متعددة من العنف.” وانتقد فرج فودة في وقت مبكّر الطريقة الرخوة التي عالجت بها الدولةُ المصرية مواجهةَ التيارات الدينية حتى استفحلت الآن وخرّبت وما تزال تخرّب خاصرةَ مصر.
فرج فودة، يا أبي وأستاذي ومُعلّمي الذي لم أره لكنه علّمني أن أفكّر وأن أنتقد ما أراه ناتئًا عن مساحة الجمال والتحضر، دعهم ينسونك ما شاءوا وما شاء لهم النسيانُ، فإنهم يدفعون وسيدفعون الثمنَ الفادح لنسيانك، وأنت الغنّيُّ عنهم، وعن العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.