فى اليوم الأول من شهر يونيو فى السنة الثانية الميلادية أى منذ الفين وست عشرة سنة وصل المسيح عليه السلام إلى مصر هاربا من مؤامرة اليهود، طلبا للحماية من مصر وشعبها العظيم المتحضر. وكان عليه السلام طفلا عمره سنتان وخمسة أشهر محمولا فى حضن أمه السيدة مريم العذراء ومعهما يوسف النجار، وكان ثلاثتهم هم أعضاء العائلة المقدسة التى قطعت مشوارا طويلا فى رحلة الهروب حيث دخلوا مصر عبر رفح إلى العريش ومنها جنوبا إلى الشرقية ثم وسط الدلتا إلى شرق القاهرة حيث استراحت العائلة فى مدينة المطرية بجوار شجرة تعرف باسم السيدة مريم ولاتزال موجودة حتى الآن وتنتج فيما تنتج سائلا باسم «البلسم» وهو ترياق أو دواء الجراح. ومن المطرية وسط كرم وحفاوة أهل مصر المحروسة شقت العائلة المقدسة طريقها إلى أن استقرت على شاطئ النيل فى مصر القديمة.. فى المكان الذى أقيمت به الكنيسة المعلقة التى يعد محيطها حاليا مثالا للسماحة المصرية.. إذ يوجد بجوارها مسجد عمرو بن العاص الذى يتميز بعمارته ومساحته فضلا عن تاريخه.. وفى المنطقة أيضا معبد قديم.. ويمتد من ذات الموقع شارع يصل إلى شارع الأزهر يقابل على الناحية الأخرى شارع المعز لدين الله الاسلامى التاريخى. و.. المهم أن العائلة المقدسة تحركت من هذا الموقع بعد أن استقلت مركبا اتجه بها جنوبا على سطح نهر النيل إلى المنيا لتستقر حينا ثم انتقلت مرة أخرى عبر النهر جنوبا إلى أسيوط لتهبط على شاطئ النهر ولتستقر فى المكان الذى أقيم فيه دير المحرق الذى يقام فيه كل عام احتفال يحضره نحو مليونين من المواطنين والزوار.. وكانت أسيوط هى المحطة النهائية التى أقامت فيها العائلة المقدسة أطول فترة قبل أن تعود إلى فلسطين بذات الطريق وبعد نحو أربع سنوات أى عندما كان المسيح قد بلغ أو كاد يبلغ السابعة من عمره. ولم تكن رحلة السيد المسيح وعائلته المقدسة هى الوحيدة إلى مصر التى اختارها الله سبحانه لتكون آمنة مطمئنة، متحضرة.. ومستقرة.. فمن قبل تلك الرحلة المقدسة جاء إلى مصر سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء ومنها تزوج بهاجر التى أنجب منها سيدنا إسماعيل الذى بسببه هرولت أمه بين الصفا والمروة. فتفجر بئر زمزم المستمر إلى الآن وصارت الهرولة طقسا دينيا لكل حاج ومعتمر وعندها يتذكر المغزى وهاجر المصرية، وإذا كان ابنها إسماعيل هو: «أبو العرب» فإن المصريين بالتبعية يكونون أخوال العرب. وبعد إبراهيم الخليل.. جاء إلى مصر أنبياء ورسل آخرون.. أشهرهم سيدنا موسى وقصته المعروفة.. عندما جلست والدته على شاطئ النيل تستريح وتتنسم الهواء العليل.. وجاءها الوحى أن تضعه على محفة فوق سطح مياه النيل ففعلت ويحمله تيار المياه إلى ما تحت شرفة بيت فرعون واندفعت القلوب الرقيقة تنتشله وتتولى تربيته.. وتستمر الحكاية المعروفة حتى يهبط الوحى على موسى ويصبح له أتباع، ثم.. هناك.. حكاية أخري، وهى قصة سيدنا يوسف.. الذى غدر به أشقاؤه وألقوه فى البئر.. إلى أن التقطه تجار كانوا فى طريقهم إلى مصر حيث باعوه وانتهى به المطاف ليصبح حارسا على خزائن الأرض فى مصر.. يدير حركتها ويحيا عزيزا مكرما ويستقدم أسرته.. إلى نهاية الحكاية. ولعل التاريخ الحديث يؤكد هذا ويعطى دلالاته.. بل ولعل مصر الآن بما تقوم به من دور فاعل عربيا واسلاميا. وافريقيا واقليميا.. وعلى المسرح الدولي: ما يجعل شعبها يزداد ثقة بنفسه وإيمانا بالله.. ويدرك أن ما يتعرض له من غدر الكبار وجنوح الصغار. ومهما كان.. فإنه ليس إلا رذاذا لا يمكن أن يطفئ نور الشمس.