مصدر يكشف ل"يمنات" تفاصيل محاولة اغتيال الصحفي والناشط الحقوقي مجاهد القب    أبو شوارب: إغلاق باب الحوار كارثة سياسية.. والتاريخ يحذر من الضربة القاضية    عدن.. البنك المركزي يسحب تراخيص ويغلق مقرات فروع ثلاث شركات صرافة    "حماس" ترحب ببيان اعضاء مجلس الأمن ماعدا امريكا لوقف فوري للنار في غزة    سريع يعلن عن استهداف مطار في يافا المحتلة    وزير الشؤون الاجتماعية يدشّن أنشطة رعاية جرحى العدوان بمبلغ 2.4 مليار ريال    اشتراكي تعز يقدم مبادرة لإصلاح قطاع المياه وإنقاذ المدينة    الإفراج عن أكثر من 900 سجين في الحديدة بمناسبة المولد النبوي    من النوادر التاريخية.. صدق المواقف    رئيسة وزراء إيطاليا تندد بقتل "إسرائيل" للصحفيين في غزة    الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي    البنك المركزي يسحب تراخيص ست منشآت صرافة مخالفة خلال يومين    هكذا ستشرق شمس الخميس على عتق.. الامارات تبدد ظلام شبوة    وزيرا الشباب والتربية يناقشان جوانب التنسيق لإحياء ذكرى المولد النبوي    الأرصاد ينذر من العواصف الرعدية وانجراف التربة وينصح بالابتعاد عن المنحدرات غير المستقرة    الجيش الإسرائيلي يعلن وصول صاروخ من اليمن    شبوة.. الإفراج عن نائب شركة OMV النمساوية بعد ساعات من اختطافه    وفاة 3 أشخاص بصواعق رعدية في ريمة والحديدة وقطع طريق رئيسي في المحويت    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يعقد لقاء موسع حول التعليم بالضالع، يفضي إلى تعليق الإضراب واستئناف الدراسة    اكتشاف سلالة بشرية غير معروفة من قبل في كولومبيا    تسليم خمس معدات زراعية لهيئة تطوير تهامة بتكلفة 240 مليون ريال    ريال مدريد يوافق على انتقال نجمه إلى مارسيليا    مجلس الشورى يحيي ذكرى المولد النبوي الشريف    دائرة التوجيه المعنوي تحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف    مناقشة أوضاع مؤسسة الكهرباء والمعالجات اللازمة لمحطات التوليد    الحوثيون يضيئون مقابر قتلاهم ويغلقون المتحف الوطني بذريعة فواتير الكهرباء    25 دولة تعلق خدمات البريد مع الولايات المتحدة إثر رسوم ترامب    منظمات إغاثية: أكثر من 100 ألف يمني تضرروا من السيول    ديمبلي: نصائح ميسي غيرت مسيرتي    برشلونة يحدد سعر بيع فيرمين إلى تشيلسي    منتخب المغرب يضرب موعداً مع مدغشقر في نهائي كأس أمم إفريقيا للمحليين    هل بريطانيا دولة مؤسسات؟.. أم مثل دول العالم الثال    عن كشف الإعاشة المشروطة بالمنفى    رابطة الأمهات تكشف عن اختطاف 300 شخص وتدعو للضغط على المليشيا لإطلاقهم ووقف الانتهاكات    معارك بن بريك الكبرى.. كشف الإعاشة وتوريد إيرادات مأرب    المنتخب السعودي يستعد لمعسكر التشيك بدون سعود    أمريكا المفتوحة.. إيجا تقصي إيميليانا    أصبحت منطقة منكوبة..سيول مدمرة تضرب جبل حبشي    قيادي مؤتمري: قريبا نضع النقاط على الحروف    الخسارة التي لا تشبهها خسارة أخرى    التزام الماني بقرارات اليمن المتعلقة بالبحر    شباب مخدوعون بثقافة ترى أن أوروبا هي الجنة    حين غسلت الغيوم وجه صنعاء    السفير الأصبحي يستقبل رئيس الاتحاد العربي للرياضات المائية خالد الخليفي    بعد نحو عشر سنوات من الانتظار لرؤيته.. وفاة والدة المختطف "نبيل العنسي"    إعلان القائمة النهائية للمنتخب الأولمبي المشارك في تصفيات كأس آسيا    الحوثيون يضيئون مقابر قتلاهم ويغلقون المتحف الوطني بذريعة فواتير الكهرباء    إغلاق 18 منشأة صحية وصيدلية مخالفة للتراخيص والأسعار بشبام    محافظ عدن يناقش تنفيذ مشروع الممر الآمن لتصريف السيول    صنعاء لم تكن إلا عاصمة للغزاة والمحتلين!!    مصر تعلن عن اكتشاف استثنائي وتاريخي تحت الماء    أطعمة تمنع تكون الحصى في الكلى    منظمة أممية: السيول تسببت بدمار واسع في اليمن وحجة من أكثر المحافظات تضررا    يا مُسَلّي على خاطري..    هيئة الأدوية تبدأ العمل بالتسعيرة الرسمية الجديدة لضبط الأسعار وضمان توفره    -    أستراليا.. أول عملية جراحية في العالم بمساعدة روبوتين    زاوية صحية: التهاب الجهاز التنفسي (العلوي )    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن مبادرة الرئيس علي ناصر محمد
نشر في شبوه برس يوم 14 - 03 - 2025

سررتُ كثيراً عند متابعة المقابلة التلفيزيونية التي أجرتها قناة BBC البريطانية مع الأخ الرئيس علي ناصر محمد رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ضمن البرنامج الحواري "بلا قيود"، ومبعث سروري هو أن العزيز أبا جمال ما يزال والحمد لله يتمتع بحيوية جسدية وذهنية حاضرتين، وتجسد ذلك من خلال حضوره الذهني الواضح في ردوده وتعليقاته على مجموعة الأسئلة التي وجهها له المذيع المخضرم نور الدين زورقي.
وفي هذا السياق أتمنى للأخ العزيز أبي جمال المزيد من الصحة والسعادة والعمر الجديد فهو من القادة الذين قادوا بناء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في تحقيق كل المنجزات التي تعرض لها في مطلع حديثه والتي كانت حصيلة نهج سياسي شامل لقيادة البلاد في تلك المرحلة الهامة، تلك القيادة التي كان الأخ الرئيس علي ناصر أحد أفرادها.
هناك الكثير من النقاط التي تناولها فخامة الرئيس في حديثه كان محقاً في معظمها ولا تحتاج إلى التعليق أو حتى التحليل والتفكيك والتركيب، لكن النقطة الأساسية التي ما انفك الرئيس العزيز علي ناصر يتمسك بها وبقوة هي ما تستحق التوقف والمناقشة، وأعني هنا إصراره على إن لا حل لمشاكل اليمن وأزماتها المتناسلة إلا من خلال "دولة واحدة برئيس واحد وجيش واحد" وهي قضية تكررت على لسانه في أكثر من حديث ولقاء ومقابلة وتصريح وخطاب وجلسة فرح أو عزاء.
الحقيقة إن الفكرة ذاتها هي فكرة نبيلة وأعتقد أن الرئيس ناصر يتمسك بها بدوافع نبيلة وصادقة، لكن المشكلة أن ممكنات نجاح الفكرة ليست فقط غائبة ويمكن العمل على استحضارها أو تنشيطها وتوطينها ولو عبر سنوات أو حتى عقود من الزمن، بل إن عوامل تحقيق أهداف هذه الفكرة قد انتقلت من خانة الصعب إلى درجة المستحيل.
إن الدوافع النبيلة للفكرة هي نفسها التي انطلق منها الرواد الأوائل ومن بينهم فخامة الرئيس علي ناصر نفسه، منذ نشأة حركة القوميين والعرب ومعها الفصائل القومية واليسارية (الماركسية) في عدن وصنعاء وتعز، وكل ما كان يعرف ب"شطري اليمن"، وللاعتراف بالحقيقة لا بد من الإقرار أن فكرة "الوحدة اليمنية" لم تكن فقط فكرة يسارية صرفة، بل لقد كانت شعاراً لجميع القوى والتيارات السياسية الحاضرة في المشهد السياسي منذ عهد المملكة المتوكلية الهاشمية، قبل أن تتحول إلى المملكة المتوكلية اليمنية، وهذا الموضوع يطول الحديث فيه، لكن الشاهد هنا هو أن كل تيار سياسي كان لديه مفهومه وتفسيره ومقاصده وأهدافه من وراء فكرة "الوحدة اليمنية" وهذه المقومات والأهداف والشروط قد تختلف وتتناقض وتتصادم مع مشاريع أطراف أخرى، وهذا بالضيط ما حصل مع محاولة "وحدة 1990م الفاشلة"، وهو الآخر ما يمكن التوقف عنده بتفاصيل أكثر، ويهمني هنا أن أشير وبكل تواضع إن كاتب هذه السطور، كان قد توقف عند هذه القضية بمزيد من التفصيل في كتاب "القضية الجنوبية وإشكالية الهوية" .
إن حلم "الوحدة اليمنية" قد ظل عبارة عن حالة من الرومانسية الجميلة التي تعلق بها كل الثوريين اليمنيين في الشمال والجنوب، ولا يمكن إنكار أن تكريس شعار "النضال من أجل تحقيق الوحدة اليمنية" في الجنوب قد مثل حالة من التعلق العاطفي الشديد كرَّس حضوره في ثقافة الأجيال الجنوبية التي نشأت وتكونت بعد الاستقلال الوطني، في الثلاثين من نوفمبر 1967م، وترعرعت الفكرة مع الأجيال الجديدة من السياسيين إلى درجة صار معها من لا يؤمن بهذا الشعار موضع اتهام بالخيانة واللاوطنية وربما العمالة للخارج.
ولكي لا نغوص طويلاً في محاولة البرهان على استحالة "الدولة اليمنية الواحدة برئيس واحد وجيش واحد" يمكن التوقف فقط عند ما جرى في العام 2015م حينما انقلب الجيش الواحد وكل مقومات الدولة الواحدة على الرئيس الشرعي الواحد حينها الفريق عبدربه منصور هادي أطال الله بعمره، وتخلى عنه حتى مرافقوه وناخبوه وكل من تحالف معه في تنصيبه رئيسا شرعيًا، أما "الرئيس الواحد" السابق فقد حسم أمره وسلم زمام كل السلطات التي بقي محتفظاً بها من خلال أولاده وأقاربه للجماعة الانقلابية.
ولمزيد من البرهان يمكننا القول بأن أحداث الحرب التي ما تزال إمكانية مواصلتها قائمة، قد أثبتت أن في اليمن شعبين مختلفين بنهجين مختلفين وثقافتين مختلفتين، فقد تمكن الجنوبيون وبمساعدة دولتي التحالف العربي من دحر الفيالق الانقلابية خلال أقل من مائة يوم ، برغم محدودية القدرات والخبرات والمهارات القتالية، بينما عجز ستة وعشرون مليوناً من أبناء الشمال عن تحرير مديرية واحدة من المحافظات الخمس عشرة، باستثناء المديريات والمحافظات التي قاوم أهلها المشروع الانقلابي بوسائلهم الخاصة وبعد ما سلموا أراضيها للجيش (الوطني) قام هذا الجيش بتسليما للحوثيين في رغم أن الدعم العربي وخلال عششر سنوات من الحرب قد بلغ مئات أضعاف الدعم الذي حصل عليه الجنوبيون.
واختصاراً لكل هذا يمكن القول بكل يقين إن اليمن تعيش اليوم وضع الدولتين، دولة شمالية عاصمتها صنعاء يتحكم فيها الحوثيون (الشماليون)، ودولة جنوبية عاصمتها عدن، يتحكم فيها المؤتمريون والإصلاحيون (الشماليون) وتفريخاتهم الشمالية مع نسبة ضئيلة من الجنوبيين الذي ما نزال نحتاج إلى تفسير مقنع لمبررات قبولهم بهذه الشراكة العرجاء.
أعتقد أن فخامة الرئيس أبا جمال يعلم علم اليقين أن الجماعة الحوثية ترفض حتى الاعتراف بشركاء شماليين، أما الجنوبيون فهي تنظر إليهم على أنهم خونة وانفصاليين وينبغي نفيه من البلاد، وحتى لو شاركها جنوبيون (من المصنَّعين معملياً) فلن يكون مصيرهم أكثر من مصير أحمد القنع، وحسين زيد بن يحيى وخالد باراس وغيرهم ممن توفاهم الله في ظروف غامضة ما تزال بحاجة إلى بحث وتقصٍ محايدين.
ويبقى الحديث عن مؤتمر حوار وطني يمني، الذي يتحدث عنه فخامة الرئيس، وهو حديث لا يحتاج إلى نقاشٍ موسع، فما انقسم المتحاورون وما قام الانقلاب وما اندلعت الحرب إلا بسبب آخر حوار حاول من خلاله الرئيس هادي وبكل نبل وصدق وإخلاص أن يخرج فيه اليمن من ربقة التخلف والاحتراب فكانت مكافأته ما تلى هذا المؤتمر من تداعيات يعرفها الجميع، وأي محاولة لتكرار التجربة لن تكون نتائجها أقل سوءاً مما جرى في الأعوام العشرة المنصرمة
إن المشهد السياسي والعسكري اليمني يؤكد لنا أن الشعب الشمالي راضٍ بالوضع القائم من خلال السلطات الحوثية، وأي تفكير بتغيير الوضع عما هو عليه سيكون مجرد حراثة في البحر، وأن استمرار حكم الجنوب من خلال قيادات شمالية نازحة، لم يستطع كل منها إقناع مائة مقاتل من أبناء مديريته لتحرير مديريته من الحوثيين، هو أمرٌ عبثي لا معنى له، بل هو تكريس لنتائج الحرب العدوانية على الجنوب في العامين 1994م و 2015م.
وإن السلام والاستقرار وحتى التنمية والنهوض في اليمن مرهون بالعودة إلى وضع الدولتين، وأعتقد أن كل العقلاء والسياسيين الواقعيين في اليمن يدركون، أو لا بد أن يدركوا أنه بإمكان الدولتين اليمنيتين القادميتين أن تعيشا حالة من العلاقات الثنائية القائمة على المشتركات المتعددة من خلال الاعتراف المتبادل وبناء شراكات اقتصادية واجتماعية وخدمية وأمنية وحتى عسكرية فيما بينهما دونما حاجة إلى استحضار ثنائيات التابع والمتبوع، أو الرابح والخاس، أو المنتصر والمهزوم، أو الأقوى والأضعف، أو السالب والمسلوب، وأن نظرية "الفرع والأصل" هي نظرية مدمرة قد أدت إلى ما أدت إليه من كوارث متتالية لم يحصد منه اليمنيون إلا الخراب والدمار والدماء والضغائن التي وصلت إلى كل بيت في الشمال والجنوب، وإن كان ضحاياها من الجنوبيين هم أضعاف مضاعفة عما سعى إليه مروجو هذه النظرية الخائبة.
وأخيراً كل التحية والتقدير للأخ العزيز الرئيس علي ناصر محمد، وأدعو الله له بطول العمر ودوام الصحة والسعادة والتوفيق
والله من وراء القصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.