بقلم: العميد الركن دكتور حسن حسين محمد الرصابي/ القيادة في الوحدات العسكرية والأمنية ليست مجرد رتبة أو سلطة إدارية، بل هي أمانة عظمى ومزيج معقد من العلم والتجربة والبصيرة. القيادة الفعالة تتجاوز إصدار الأوامر لتصبح فنًا وإبداعًا في إدارة البشر والموارد في أصعب الظروف. القائد الناجح ليس مديرًا مكتبيًا، بل هو محور العمليات وروح الوحدة. تتطلب القيادة فهمًا عميقًا وحنكة وبصيرة، لأنه لا يمكنه البقاء خلف مكتبه يتلقى التقارير، بل يجب أن ينزل إلى الميدان ويعيش مع رجاله. المحور الأول: القيادة الميدانية (الرجل المناسب) القيادة الفعالة تبدأ من الميدان. القائد الناجح هو من يغادر المكتب إلى حيث يتمركز رجاله، ليسجل ملاحظاته ويقيّم الوضع بنفسه. واجب القائد الأول هو إدارة المواهب؛ إذ يجب عليه أن يتفحص مواهب وشخصيات وميول كل فرد في قيادته، وأن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب. تتجسد العبقرية القيادية في القدرة على التوزيع الأمثل للمهام، مستنداً إلى الكفاءة لا إلى الروابط الشخصية. إن آفة أي قيادة هي المحسوبية والفساد الإداري، لذا يجب تجنب تجميع المقربين والأبناء والأصهار حوله، فهذا يطعن في نزاهة أي مسؤول ويعيب قيادته ويقتل روح التنافس الشريف داخل الوحدة. المحور الثاني: الجانب الأخلاقي والإنساني (القدوة والوفاء) الولاء لا يُفرض بالسلطة، بل يُكتسب ب القدوة والعدل. * بناء الثقة: يجب على القائد أن يكون صادقًا في أقواله وأفعاله، وإذا وعد بشيء، فعليه الوفاء بوعده. لكن الأهم من ذلك هو ألا يَعِدَ بما لا يستطيع تنفيذه، لأن ذلك يفقد الثقة بينه وبين رجاله. يجب أن يكون قدوة ومثالاً يحتذى به في الصدق والعدل والوفاء والتفاني، سواء مع قادته الأعلى أو مع من هم تحت إمرته. * العدل في التعامل: كن شهمًا في تعاملك مع مرؤوسيك، واحرص على تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بحكمة وعدل. اهتم بالتواصل المباشر مع الضباط الأصغر والصف والجنود، واسمع منهم بحلم، وتعامل مع تظلماتهم، وتأكد من وصول مستحقاتهم، فهذا من صلب واجباتك. * النزاهة في الحكم: أغلق أذنيك عن المنافقين ولا تحكم بالظنون. القيادة تقتضي الحكمة؛ لذا، يجب التأكد والتثبت قبل إصدار أي حكم، لأن ذلك يريح ضميرك ويحقق العدل. المحور الثالث: الاحترافية والتخطيط الاستراتيجي (التجديد والتوقع) القيادة العسكرية الحديثة تتطلب عقلية قائدة للفكر ومتجددة ومُخطِطة. القائد العسكري يجب أن يكون متجددًا، يتابع كل جديد يخص عمله وتخصصه؛ لا تكن جامدًا وخاملاً كسول. التخطيط الميداني والاتصال: * تحرك في قطاع مواجهتك والجبهة المحتملة لمسرح العمليات القتالية. * ارسم الخطط الافتراضية للصد والمعركة التصادمية والدفاع والهجوم. * ادرس الأرض بدقة، وحدد المهام القتالية لوحداتك الفرعية والملحقة. * أسند إليهم مهام الاستطلاع اللازمة، وتواصل مع قيادتك الأعلى وارفع لها التقارير وملاحظاتك والمعلومات المستجدة عن العدو بعد فحصها وذكر مصادرها حتى تقوم القيادة باتخاذ الإجراءات اللازمة وتقدير الموقف. المحور الرابع: الإدارة اللوجستية والمالية النجاح في الميدان يبدأ من الإدارة السليمة للموارد والنزاهة في التموين. * الجاهزية اللوجستية: اعطِ جل اهتمامك للأعمال الإدارية واللوجستية والتموين وأعمال التدريب، وصيانة الأسلحة والمعدات والذخائر ووسائل النقل لتكون جاهزة ونظيفة. * مكافحة الفساد: تابع المعنيين لإيصال حقوق قواتك المخصصة من الوجبات والإعاشة اليومية والمستحقات المالية. وكن صريحًا حازمًا مع المقصرين والمتلاعبين والسارقين الفاسدين. خاتمة: القيادة الفاعلة القيادة الفعالة لا تقتصر على الأوامر العسكرية، بل تشمل فن إدارة الرجال وكسب ولائهم. القيادة الناجحة هي قيادة شمولية؛ تمزج بين العبقرية التكتيكية والحكمة الأخلاقية والنزاهة المطلقة. لا تحجب نفسك عن من هم تحت إمرتك وتكتفِ بما ينقل إليك من أخبار، فهذا نقص وجانب سلبي يجب التخلص منه لتبقى على اتصال دائم بواقع الميدان وقواتك. هذه القيادة الشمولية، الممزوجة بالنزاهة والعبقرية، هي بوصلة النصر ومفتاح ولاء الرجال.