مثلت الاشتباكات العنيفة التي وقعت مطلع الأسبوع بين قوات الحماية الرئاسية التابعة لهادي وقوات الحزام الأمني الموالية للإمارات في مطار عدن ومحيطه على خلفية رفض قائد القوة العسكرية المكلفة بحماية المطار، قرار هادي تغييره بعد تعليق قواته العمل في المطار احتجاجا على عدم صرف مستحقاتها الشهرية، ما اضطر هادي للهبوط بطائرته في مطار جزيرة سقطرى، مثلت تحولا خطيرا في الوضع في عدن وفي طبيعة العلاقة بين هادي وحكومته وحلفائه من الاخوان ومن ورائهم السعودية وبين الامارات والقوى الموالية لها في عدن. – على الرغم من تمكن طرفي الازمة من احتواء الوضع والحيلولة دون توسع الاشتباكات المسلحة بين قوات الحماية الرئاسية الموالية لهادي وقوات الحزام الأمني الموالية للإمارات،علاوة على الجهود المكثفة التي يبذلها هادي لحل الازمة، الا ان العديد من المؤشرات السلبية تجعل من غير المستبعد عودة تفجر الوضع من جديد وربما بصورة أكثر اتساعا من مواجهات المطار وكما يلي: المؤشر الأول: معالجة مؤقتة للازمة: فقد توقفت الاشتباكات مع قرار هادي سحب قوات الحماية الرئاسية، التي كانت تحاصر المطار، وقيل حينها ان هادي عقد اجتماعا طارئا مع مسؤولين عسكريين إماراتيين وقيادات عسكرية موالية لهم في عدن لاتفاق يقضي بتسليم صالح العميري مهامه إلى نائبه، الا ان العميري نفى لاحقا ذلك واكد أن الاتفاق نص على أن تبقى الأمور كما كانت عليه داخل المطار، ما يعني ان الازمة ما تزال معلقة وقابلة للانفجار في أي لحظة. المؤشر الثاني: برود غريب وبطء واضح في تحرك قيادة التحالف لمعالجة ازمة المطار، وظهر ذلك مع اتضاح عدم صحة الاخبار التي تحدثت عن اجتماع ثلاثي كان متوقعا الثلاثاء، في الرياض يجمع هادي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد لمناقشة الازمة، عادت بعدها مواقع إخبارية للحديث ان الاجتماع تم بين هادي ووفدين سعودي واماراتي، ما اوحى برفض بن زايد حضور الاجتماع، وكان لافتا تجاهل الاعلام الخليجي -باستثناء إشارة خجولة في صحيفة العربي الجديد- لخبر الاجتماع. المؤشر الثالث: الكم الهائل من الشائعات المسربة خلال الأيام الأخيرة، والتي تكشف بدورها عن تكتم شديد من قبل القوى الفاعلة بشأن الاتصالات والنقاشات الجارية لحلها، وأهمية وحساسية القضية ،فرغم مرور عدة أيام على تواجد هادي في الرياض ،الا ان اللافت عدم الكشف رسميا عن أي اتفاق تم التوصل اليه ،كما خلت تصريحات قيادات طرفي الازمة من أي إشارة الى الازمة والجهود الرامية لمعالجتها، وكأنه محضور عليهم الخوض فيها، كما تكشف الشائعات أيضا عن تحريك اطراف الازمة لوسائلها الاعلامية ونشطائها في التواصل الاجتماعي لتوضيح وجهة نظرها للرأي العام وللضغط الإعلامي والنفسي على الطرف الاخر عبر إبراز اهداف ونوايا الطرف الاخر من الازمة . – ظهرت أهمية وخطورة الازمة من خلال نوع الشائعات التي روج لها طرفي الازمة كشائعة تحدثت عن تقديم هادي لاستقالته لبن سلمان احتجاجا على ما تقوم به الامارات في عدن، وأخرى تحدثت عن الإطاحة ببن دغر من رئاسة الحكومة وتعيين حيدر العطاس مكانه رضوخا لاشتراطات الامارات، وثالثة عن رفض بن زايد الاجتماع بهادي أصلا، ورابعة عن رفض الملك سلمان استقباله وخامسة عن مغادرة مسئولين كبار من الطرفين عدن باتجاه الرياضوابوظبي. – يضاف الى ذلك الترويج لأخبار عن تجاهل الاعلام السعودي لنشاط ولقاءات هادي خلال تواجده في السعودية بصورة تظهر المعاملة المهينة له من قبل القيادة السعودية، علاوة على تداول معلومات عن رفض السعودية لطلب هادي إيداع مليار دولار في البنك المركزي بعدن بعد رفض قطري مماثل جراء فساد هادي ومن معه، كما روجت مواقع اعلامية ونشطاء معلومات عن مطالبة هادي التحالف برؤية محددة حول المنشئات الحكومية في عدن ،وضرورة حل الخلاف على المطار بشكل جذري ،مقترحا ان يقوم الجانب السعودي بإدارة مطار عدن، وترحيب الجانب السعودي بذلك بل وابداءه الاستعداد لإرسال فريق متخصص في إدارة المنشئات وامن المطارات للإشراف مؤقتا عليه والاشارة الى ترحيب الوفد الاماراتي بالمقترح وابداءه الاستعداد لتقديم اي دعم تحتاجه السعودية في مهمتها. المؤشر الرابع: نزق وتشدد الموقف الاماراتي، والذي عبر عنه التالي: 1- دخول القوات الإماراتية المتواجدة في عدن، على خط المواجهات بصورة مباشرة للمرة الأولى، وذلك عندما ساندت قوات العميري عبر قصفها نقطة تابعة للحرس الرئاسي في محيط مطار عدن، بعد إحكامها الحصار عليه بداخل المطار، في حين استهدفت غارة ثانية مسلحين قبليين موالين لهادي قرب منفذ العلم شرق عدن، تلاه تحريكها لقوات من الحزام الأمني الموالي لها على الأرض باتجاه خور مكسر، لفك الطوق الذي فرضته قوات الحرس الرئاسي على قوات العميري. 2- التسريبات بفشل الوفد الذي ارسله هادي الى ابوظبي الأحد الماضي، وضم مدير مكتبه العليمي ونجله ناصر ،حيث نقلت صحيفة القدس العربي، الممولة قطريا عن مصادر سياسية وأمنية، قولها أن الوفد الرئاسي عاد بخيبة أمل كبيرة إثر عدم استجابة السلطات الإماراتية لمطالب هادي بعدم تدخل القوات الإماراتية في عدن في الشؤون الأمنية، ما اضطر هادي إلى مغادرة عدن إلى الرياض قبل انفجار الوضع. 3- الايعاز الاماراتي للكاتب المقرب من محمد بن زايد، خالد القاسمي لشن هجوم شديد اللهجة ضد هادي وأولاده وكبار مسئولي حكومته وفي مقدمتهم بن دغر ،الذي اتهمه بالتسول ،وذلك في سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر ،مستخدما ألفاظ نابية، ونبرة تحقيرية ولغة متعالية عن فضل الامارات ودورها في تحرير عدن بل انه وصف الوية الحماية الرئاسية بالمتمردة ،وروج لدعم بلاده للانفصال ،واكد ان لا مكان للإخوان المسلمين في عدن. 4- تسريبات عن سقف اماراتي مرتفع لإنهاء الازمة، وذلك عبر ترويج وسائل اعلام إماراتية لمعلومات عن اشتراط بن زايد تغيير قيادات رئيسية موالية لهادي كما ذهبت اليه شبكة إرم نيوز الإماراتية قبل يومين في خبر مقتضب تحدث عن تغيير مرتقب لرئيس الوزراء أحمد بن دغر ومجموعة من وزراء حكومته لكن دون ايراد اية تفاصيل، يضاف اليه ترويج مشابه من قبل نشطاء حراكيين موالين لأبوظبي لأسماء شخصيات حراكية مرشحة لتولى رئاسة الحكومة خلفا لبن دغر امثال العطاس،المفلحي، لقمور وغيرهم المؤشر الخامس: تصعيد موازي من قبل هادي والاخوان لموقفهم من ازمة المطار والتعامل معها كمعركة مصيرية، سيتحدد بموجبها مستقبل الوضع في عدن والجنوب، وظهر ذلك من خلال: 1- قرار هادي بإعادة قوات مهران القباطي السلفية، والذي عينه قائد للواء الرابع حماية رئاسية من جبهتي البقع و علب في صعدة إلى محافظة عدن، قبل اكثر من اسبوع، وظهر وكأن هادي يرمي بكل ثقله لحسم معركة عدن لصالحه، وكان نشطاء في الحراك قبل اشهر قد ابدو مخاوف من ان ارسال قوات مهران السلفية الى صعدة هدفه تطوير قدراتها واستخدامها لاحقا ضد القوات الإماراتية والتابعة لها في عدن ،وعزز من تلك الشكوك عندما تم تسليح قوات قباطي بصواريخ ستالينجر المضادة للطيران والمحمولة على الكتف رغم ان قوات الحوثي وصالح في صعدة لا تملك طائرات تستدعي التسلح بمثل هذا السلاح. 2-الترويج في اعلام الاخوان لأحداث المطار على انها مقدمة لانقلاب ثان على هادي، علاوة على محاولة استدعاء الحالة الليبية في عدن بالحديث عن وجود حفتر جنوبي. 3- اعتبر الصحفي الاخواني عبدالرقيب الهذياني في تصريح للقدس العربي، الأربعاء الماضي، إن استخدام الإمارات للقوة في عدن دليل على أنها فشلت سياسيا على الأرض في إنجاح مخططها وكشفت عن حقيقتها ووجهها القبيح، وأكد أن هادي يتحرك في اتجاه تقليم أظافر الإمارات في اليمن وإزاحة القوات الإماراتية من المشهد. 4- في تطور لافت والاول من نوعه وجه ائتلاف القيادة العامة للمقاومة الجنوبية، الذي يتزعمه اديب العيسي المقرب من هادي ،أول تهديد رسمي للإمارات منذ سيطرتها على عدن في يوليو 2015م ،حيث طالب ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زيد، في بيان بتاريخ 12/2 بمحاسبة ضباط اماراتيين تورطوا في خدمة جهات تزعزع الأمن و الاستقرار في عدن و تستهدف سلطة هادي، مهدداً بإخراج أنصاره وقواعده الشعبية للتعامل بحزم إذا لم يتوقف القتال خلال ساعات. – وفي المقابل كان امين سر الحراك الجنوبي الجبيري اليافعي ،قد شن هجوما شديدا قبل نحو أسبوعين ضد هادي والشرعية ،واتهمهم بالتمادي والجحود بنضال أبناء الجنوب واستخدامهم لأهداف لا دخل لهم بها،معلنا الثورة عليهم والتأكيد على مطالب الانفصال. المؤشر السادس: ارتباط أزمة المطار بملفات خلافية شديدة التعقيد بين طرفي الازمة على شاكلة مشكلة عدم ترقيم قوات الحزام الأمني ووحدات الامن جراء خلافات على انتماء عناصرها لمناطق بعينها،إضافة الى تبعية قوات الحزام مباشرة للقوات الإماراتية ،يقابله وجود ألوية للجيش يسيطر عليها الاخوان خارج نطاق المنطقة العسكرية الرابعة، علاوة على مشكلة الجماعات المسلحة المحسوبة على المقاومة والاخوان تحديدا خاصة في مديريتي الشيخ عثمان ودار سعد. – أيضا شكوك طرفي الازمة في نوايا واهداف الطرف الاخر من محاولة احكام سيطرته على المطار والتوجه لاستخدامه لتكريس نفوذه في عدن ومحيطها خاصة مع تباين اجندة وتوجهات كل طرف، كما نجده مثلا في اتهامات اخوانية للحراك بالسماح لقيادات حوثية بمغادرة اليمن والعودة اليها عبر المطار مقابل اتهامات حراكية للإخوان باستخدام المطار لاستقدام عناصر جهادية من سوريا ودول أخرى الى اليمن او لإدخال شحنات أسلحة من تركيا والسودان وغيرها، كما ان الازمة مرتبطة بالصراع الاماراتي -السعودي غير المعلن في عدن، وبتصاعد حدة الصراع بين الاصلاح و هادي من جهة وبين الحراك والامارات من جهة اخرى. – وقد ظهر جليا ان هادي حاول استغلال اضراب قوة حماية المطار لرد الصفعة التي وجهتها له الامارات في ابين عندما اوعزت لقوات الحزام هناك بالانسحاب من المدن المرابطة فيها،ما سمح للقاعدة بالعودة الى تلك المناطق، في حين استغلت الامارات الازمة عبر استخدام الاباتشي لإظهار حزمها واستعدادها للذهاب بعيدا في مواجهة هادي والإصلاح وعدم السماح لهما بالتحكم في المدينة. المؤشر السابع: اشتباكات واتهامات بالإعدام والتوعد بالانتقام وتحضير لجولة ثانية من المواجهات: – خلال توجه قوات الحزام الأمني في البريقة نحو المطار لفك الحصار على قوة العميري، اشتبكت معها قوات تابع للمنطقة العسكرية الرابعة الموالية لهادي وقوة من مقاومة دار سعد، وقد اتهم قاسم الثوباني، الحارس الشخصي لمدير امن عدن في تصريحات صحافية مقاومة دار سعد الاخوانية بإعدام حارسين شخصيين لمدير الامن رميا بالرصاص، بعد ان اختطفتهما قرب المطار، وتوعد بالرد والانتقام . – يضاف الى ذلك تناقل موقع يمنات ومواقع اعلام اخرى يوم 16/2 معلومات عن عمليات تحشيد تشهدها مديريات عدن لطرفي الصراع، بالتزامن مع تحليق مروحيات اباتشي إماراتية على الارجح، فوق معسكر النقل الثقيل بمديرية دار سعد، الذي عقد بداخله اجتماع لقيادات عسكرية وأخرى من المقاومة الموالية لهادي، واخبار أخرى عن قيام القيادي مهران القباطي، بتحشيد عناصر سلفية من محافظتي لحجوعدن، إلى معسكر زايد بمديرية دار سعد. – قابله بدء قيادات سلفية موالية للإمارات بتجميع عناصر قوات الحزام الامني التي انسحبت من محافظة أبين، بعد اجتماع عقدته قيادة القوات الاماراتية في عدن، مع قيادات في قوات الحزام الأمني، في مقرها بمدينة الشعب، وكل ذلك يظهر توجه الطرفين لجولة ثانية من المواجهات في حال ظلت الازمة معلقة دون حل مقبول لها. – كما ان قرار هادي بنقل اللواء الذي يقوده مهران قباطي في البقع الى عدن الأسبوع الماضي، أوحى بان الحسم في عدن ضد خصومه اصبح مقدما لديه على حسم المعركة في صعدة ورفع العلم الوطني في جبال مران، وفي المقابل بدأ حراك الضالع يحشد لتنظيم فعالية شعبية في عدن تحت مسمى مليونية الكرامة في ال 21 فبراير للتأكيد على التمسك بمطالب الانفصال ،واللافت هنا ان سعي الحراك لتنظيم المليونية جاء بعد تخليه عن تنظيم فعاليات شعبية طيلة الأشهر الماضية ،ويبدو من اختيار الحراك ليوم ال 21 فبراير الذي يصادف الذكرى الخامسة لتولي هادي مهام منصبه، ان الفعالية موجهة بدرجة رئيسية ضد هادي وهدفها تأكيد رفض قيادته ومشروع الأقاليم الذي ينادي به.