حضرموت تشهد إشهار جمعية مهنية جديدة للسياحة والسفر    جنوب أفريقيا توقع اتفاق قرض ب1.5 مليار دولار مع البنك الدولي    لاعب ليفربول الإنجليزي السابق لالانا يعلن اعتزاله كرة القدم    على خطى الريال.. برشلونة يقترب من صفقة مميزة    العيدروس يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي بالعام الهجري الجديد    استشهاد امرأة برصاص قناصة مليشيا الحوثي غربي تعز    النصر يتخلَّى عن مدربه الإيطالي ستيفانو بيولي    مليشيا الحوثي تشن حملة اختطافات واسعة في محافظة إب    "DF-41".. صاروخ صيني يربك الحسابات الأمريكية    الثعابين تغزو عدن    سي إن إن : مخزون اليورانيوم في إيران لم يدمر وأجهزة الطرد سليمة    برشلونة يعلن موعد العودة إلى كامب نو    مصر تمنح 6 مناطق لشركات عالمية للتنقيب عن الغاز    البرلمان الإيراني يعلّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    مليشيا الحوثي تقتحم منزل أحد المواطنين شرقي تعز وتختطف ثلاثة من أبنائه    ضمن خططه الاستراتيجية لتطوير كرة القدم النسائية.. "كاترينا فاليدا" تقود أخضر الناشئات    تحذير أممي من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن    عينيك تستحق الاهتمام .. 4 نصائح للوقاية من إجهاد العين في زمن الشاشات والإضاءة الزرقاء    رفع السيارات المتهالكة من شوارع الأمانة    جرعة سعرية ثالثة على البنزين في عدن    مناقشة مستوى أداء مكتب هيئة الأوقاف بمدينة البيضاء    5 مشكلات صحية يمكن أن تتفاقم بسبب موجة الحر    كيف تمكن الموساد من اختراق ايران ..والى أي مستوى وصل    افتتاح مشاريع زراعية وسمكية بأمانة العاصمة بتكلفة 659 مليون ريال    طارق سلام:عدن تعيش حالة عبث غير مبرر    فلامنجو يفرض التعادل على لوس أنجليس    90 مليونا.. بطاقة خروج رودريجو من الريال    الشاعر المفلحي.. رافعات الشيادر روحن فوق جيل الديس    تجارة الجوازات في سفارة اليمن بماليزيا.. ابتزازًا مُمَنهجًا    تفاصيل إخماد تمرد في معسكر القوات الخاصة بلحج    الجنوب.. الحوثي والشرعية وما بعد تأثير إيران    استشهاد بطلين من القوات المسلحة الجنوبية في جبهة الضالع الحدودية    بلاغ للزبيدي.. أعداء الجنوب الأمنيون يتسللون إلى معاشيق بأوامر العليمي غير المعلنة    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بإعداد خطة عسكرية ضد "انصارالله"    اليمنية توضح تفاصيل حادث عرضي لطائرة في مطار عدن    إدارات أمن عدد من مديريات إب تحيي ذكرى الولاية    تاريخ المنطقة خلال سبعة عقود تم تلخيصه في عامين    الأندية المغادرة والمتأهلة لثمن نهائي كأس العالم للأندية    إصابة 7أشخاص بحادث مروري بذمار    الوزير الزعوري يشيد بمشاريع هيئة الخليج وعدن للتنمية والخدمات الإنسانية وجهودها في دعم الفئات المحتاجة    الصحة الإيرانية تعلن استشهاد 44 سيدة و13 طفلاً في هجمات الكيان الصهيوني على إيران    "حققنا هدفنا".. الحكومة الإسرائيلية تعلن رسميا سريان وقف إطلاق النار مع إيران    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    موقف غير أخلاقي وإنساني: مشافي شبوة الحكومية ترفض استقبال وعلاج أقدم كادر صحي في المحافظة    "العليمي" يفرض الجزية على حضرموت ويوجه بتحويل 20 مليار ريال شهريا إلى إمارة مأرب    هلال الإمارات يوزع طرود غذائية على الأسر الأشد فقرا بشبوة    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    هيئة الآثار والمتاحف تسلم 75 مخطوطة لدار المخطوطات بإشراف وزير الثقافة    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    مرض الفشل الكلوي (9)    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تصبح مثقفاً عربياً ليبرالياً؟
نشر في شهارة نت يوم 01 - 12 - 2010

احتسِ خمراً، دخّن سيجاراً فاخراً، يفضل أن يكون كوبياً، ارتد باراً يومياً أو عدة مرات أسبوعياً، ابق على إظهار دائم لجرأتك في الطرح عند النقاش، خصوصاً لو اجتمعت بحسناوات، حينها يفضل أن تُبدي تهدلاً طفولياً في مشاعرك وعفوية صبيانة في حركة عينيك ويديك وأشياء أخرى.. فهي مِلح كلامك. ثم تحدث بابتسامة لا تغادر محياك، وعيناك إلى الأسفل دلالة على حكمة متواضعة تستشعرها ولو مؤقتاً.
ربما تحتاج إلى قصة بعينها لشعرك، فمن الممكن مثلاً أن تترك له ممارسة رغبته في تقبيل كتفيك مع إطلاق للحية أو دونها، أو أن يعلن شعرك طلاقاً بائناً لجلدة رأسك، فتستبدله حينها بنصف ذقن مستديرة حول فمك، فهي الجيش الأسود الذي تحتاج لاستنفاره حين تستحث الأفكار، أو فركه عندما تخونك بعضها، وفي الحالتين ينصح بأن تكون سابحاً بعينيك في فراغ على امتداد ناظريك إلى الأعلى.
تحدّث وبإسهاب عن فقرك وفقر أبويك إذ كنت طفلاً صغيراً، وتعاسة معيشتك وتشردك حين أصبحت صبياً، وانهيار طموحاتك ومشاريعك أمام عينيك عندما غدوت شاباً فتياً، وقف بنا قليلاً على شفا حفرة ضياع حلمك برمته حين تقلدت مكاناً محترماً في طابور البطالة الطويل، وكيف قبل أن تزلّ قدماك نجوت من السقوط حين امتدت إليك يد لتضعك برفق في صفوف المتبطلين (عاملون بأقل من مهاراتهم الحقيقية)، لتقضي ردحاً من الزمان هناك، تخوض خلاله معارك وصراعات ومؤامرات وعلاقات وخططاً ومشاريع، وتفشل ثم تفشل حتى تدمن الفشل.
وفي لحظة يأس تدغدغ فيها سعة مخيلتك أطراف بقايا عقلك بأن تجربتك تستحق أن تخط بماء من ذهب، تقصّ علينا هذه التفاصيل دفعة واحدة في رواية (من أم 300 صفحة أو يزيد). ولأنك تريد تعويضاً سريعاً لفشلك السابق، وبريقاً خاصاً في زمن التلميع، تنتقم منا بإفرازات من "أدبك الإباحي" الذي يعشعش في أركان غابات مخيلتك الفسيحة.
فتصف لنا مثلاً معاشرتك للخادمة حرفياً، أو حلقات من نومك المتكرر مع بنت الجيران. ثم تُرينا بخيالاتك المتشرذمة السيارات وأعمدة الإنارة وحتى الأشجار على أنها أجساد نساء تحتضنها بالتناوب أيام كنت متسكعاً في الشوارع.
بإمكانك أن تقترب قليلاً من السياسة، لكن هذا الاقتراب لن يحقق لك جذباً مضموناً ورواجاً كبيراً، لذا ابتعد عنها قدر الإمكان، ولأن مزاج قارئ اليوم يتجه نحو التنفيس والترويح أكثر من الجدية، كما يُشاع، فلن يجد في تلقيحه الثقافي إلا تخصيباً من اختيارك الأول.
ثم يسألك أحد الصحافيين المبتدئين أو الهواة، في حفل توقيعك للرواية، أو توعز إليه بطرح السؤال الافتراضي التالي عليك: هل تقبل أن تترجم "أعمالك" إلى اللغة العبرية؟ ستكون بالتأكيد جاهزاً بجميع أسلحتك ومتحصناً بإجابتين لا ثالث لهما: الأولى الرفض، ومن ثم تنشدنا بحديث طويل عن رفضك للتطبيع مع قتلة وسفاكي دماء العرب والفلسطينيين، فتحظى أقوالك باهتمامات بعض الصحف وبعناوين "معلبة". كأن يقال مثلاً: المثقف الفلاني يرفض ترجمة أعماله للعبرية، أو فلان يعارض التطبيع مع إسرائيل عبر ترجمة أعماله للعبرية، حينها ستكون مثيراً للجدل فقط.
والثانية القبول، ومن ثم تتلبس دور المثقف الذي لا يعترف بمحددات للمعرفة، أو حدود للتعبير عن الرأي أو مساحات ضيقة للحرية الفكرية، وأن المعرفة والثقافة لا جنسية لهما، ولا يمكن أن تحول بينهما حواجز دينية أو سياسية أو أيديولوجية أو "سوسيوروائية"، فتعنون بعض الصحف بتصريحاتك صدر صفحاتها، وهنا لن تكون مثيراً للجدل فقط، بل قد تثير عاصفة ثلجية من النوع الذي كلما تدحرج ازداد حجماً.
تالياً، تتناوشك فضائياتنا السابحة بعالمنا، لا ترفض دعوة لأي منها، فما وُجد كثيرها إلا لملء هوائها بك وبعض إنجازاتك، فما من أحد يمكن أن يحل مكان الهواء إلا أنت. وإذ ترتاح لمكانك جيداً فيه، لا مانع لأن تسرح بنا بمخيلتك في فراغه الفسيح الذي لا تحدّه أسوار، كأن تحاول أن تبرر للناس تحررك من كل شيء.
وفي السياق، تحدث كثيراً عن الدين وفوضى الفتاوى تمهيداً لتمرير التأكيد على "فهمك الخاص للدين"، بعد أن كنت قبل سنوات معدودة لا تغادر مكان عبادك، وأن تُنظّر على المشاهدين حديثي العهد بالتلفزيون "كيف أن هذا الأمر هو مسألة شخصية بحتة"، ويمكن التخلص منها بسهولة، فلن يزِنَك هؤلاء إلا بقدر مناطحتك للمقدس وتهجّمك عليه.
ولأنك لا تستطيع الارتقاء بالتدريج لمحاولة فهمه إذ أصبح بمفهومك يعيق طريق تقدمك، تريد لهذا الذي أعلى منك بكثير النفي أو الإقصاء أو الموت وبالضربة القاضية.
ومن بين أسئلة افتراضية كثيرة، تعتدل المذيعة وتبحلق عينيها وترفع حاجبيها لتستفسر منك عما إذا كنت تنوي ترجمة العمل للغات أخرى، أو حتى ترجمته إلى فيلم سينمائي أو مسلسل رمضاني. ولزيادة التشويق، تأخذنا المذيعة إلى فاصل إعلاني قبل الإجابة عن هذين الاستفهامين، لتعطيك فرصة لكيفية الإجابة عليهما في الكواليس.
ستقترح عليك مخرجاً بجواباً دبلوماسياً متواضعاً يشرح سعيك لترجمة العمل إلى لغتين الإنجليزية والفرنسية باعتبارهما الأكثر محكية في العالم، وأن الرواية ستكون في متناول قرائها من اللغتين خلال سنة على أبعد تقدير، حينها تتحمل المذيعة مسؤولية إجابتك. أو أن تكون ممن يتباهون بتلقي عروض كثيرة لترجمة أعمالهم إلى 10 لغات أو 20 لغة أو حتى 30 دفعة واحدة، حينها ستتحمل مسؤولية خطأ تقديرك لمدى تأثيرك العابر للقارات.
الآن، بالغ في العروض السينمائية التي انهالت عليك ولاتزال لتجسيد روايتك التي صدرت للتوّ مسلسلاً رمضانياً أو فيلماً سينمائياً، وفي السياق تحدث عن بعض الممثلين الذين تعرفهم أو تحبهم تمهيداً لاقتراح الأصلح منهم لتجسيد الشخصوص الواردة فيها. ولأننا في زمن المسلسلات ذات الأجزاء اللامتناهية، قل لنا شيئاً عن إمكانية إحياء أموات روايتك في جزء ثانٍ لإغراء بعض المخرجين والمنتجين للهاث ورائك.
اختم حديثك عن بعض نضالاتك، وإن لم يكن لك سوابق من هذا القبيل، فيكفيك الإشارة إلى أنك من أجيال مَن عاشروها، وسنكتفي ب"معاشرتك" لزمانها حتى تقنعنا أنها أنجبت مثلك. أما إن كنت من بلد لم تدع الثورات فيها جيلاً وإلا وأصابته بدائها، فلا تدع معركة وإلا وخضّ غمارها، فقد جاءتك النضالات زاحفة تستغيثك للحديث عنها لتتحرر من أرشيفك المثقل بالتفاصيل الافتراضية والمختلقة. قبل مغادرة الأستوديو، لا تنسَ توزيع "البزنس كارد" خاصتك على كل من جاءوا لالتقاط الصور معك، كالحلوى.
أحمد الله أني لست ليبرالياً، أو أحد مُدّعيها، ويكفيني هول أني عربي، فقد قال فيها محمود درويش شعراً لا ينسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.