مشكلة تاريخية ملازمة لأبناء الجنوب،هي التي أوصلتهم الى هذه المرحلة التي يعيشونها،وهي ايضاً سبب صراعاتهم ونكباتهم وانقساماتهم،تاريخهم أمامهم لكنهم لا يجيدون قراءته والاستفادة منه. أتذكر مقابلة أجريتها مع رمز الثورة الجنوبية "حسن باعوم" بمنزله في عام 2009،ونشرتها صحيفة "النداء" التي نفتقدها اليوم كثيراً، قال فيها: "لم نصنع للجنوب منجزات كبيرة، لكن لدينا تاريخ مليء بالعبر يحتاج ان نقرأه جيداً لنستفيد،حتى لانكرر الأخطاء". المشكلة التاريخية التي أعنيها هي ثقافة التخوين والتجريد من الوطنية التي استقرت في الجنوب منذ ما بعد الاستقلال المجيد،وكانت وما زالت المعيار الوحيد الذي يحتكم اليه عند بروز الاختلافات والتباينات. فريق واحد يحتكر الوطنية له،ويجعل منها صكوك ليمنحها من يشاء ويمنعها عمن يشاء، والآخر إما منفي يبحث عن ملجأ،او مغيب تحت التراب في عداد المخفيين قسراً،لا يُعرف له قبر أو مصير. اليوم،هناك من يستجر تلك الثقافة بغباء لا مثيل له على وجه الأرض،ويلوّح بها في وجوه الآخرين،وكأنه صاحب الأرض والناس عنده عبيد،ليس عليهم الا تنكيس رؤوسهم له،واداء فروض الطاعة العمياء. يدّعون امتلاك الحق، ويعتقدون ان آراءهم هي الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ولا من فوقها ولا من تحتها،حقيقة محصنة غير قابلة للإختراق،يحجرون الفكر،ويقمعون الرأي،في الوقت الذي يتحدثون فيه عن الحرية والتحرير والثورة. ما يدور يعطي انطباع للمتابع بعين الباحث،إن الجنوب يمضي بعقلية كهذه نحو فصل من فصول تاريخه،الفارق في هذا الفصل أن الطريق اليه يتم تعبيده بأيدي شابة يفترض بها أن تكون أكثر قدرة على صناعة حاضر يخرج من بين أحشائه مستقبل آمن، وجنوب لا يستثني أحد. ايماءة ___ المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني من ابناء الجنوب ليسوا شياطين، والآخرين ليسوا ملائكة… كلهم بشر، ولكل منهم حق الإجتهاد والتعبير عن رأيه، فالسياسة ليست مقدسة، ولا اخطاءها تستدعي الطرد من رحمة الله، والإخراج من الوطن.