صراع سياسي جديد خلف الكواليس، وعلى طاولات دول الاقليم، يبدو واضحاً في مشهد " القضية الجنوبية " ومصير شعب الجنوب وثورته التحررية السلمية المستمرة بتصاعد من أجل تحقيق الهدف المنشود " استعادة دولة الجنوب – ج ي د ش " . مجدداً يحاول الساسة وأصحاب القرار في الداخل والخارج، استئناف مجهودهم السياسي بشأن الجنوب، وإعادة إنتاج مسلسلات عبثية، للالتفاف على الثورة الشعبية الجنوبية السلمية العصية، والتي أربكت مسار السياسة في اليمن، وأثبتت أنها أقوى من المؤامرات ومحاولات الالتفاف التي بذلتها صنعاء، وإلى جانبها دولا عربية وأجنبية عظمى . ينبري المشهد الجديد معلناً عن مساعي عربية، لما تبارح بعد فكرة " التحنيط " وتغييب الحقائق الواقعية والتأريخية والسياسية، وتأبى الخروج من عباءة المداهنة والمراوغة التي حتماً لن تحصد أي نتيجة غير " الفشل " . تؤكد معلومات موثوقة، أن تحركات غير اعتيادية، ومشاورات سياسية، تجري خلف الكواليس لتجاوز الواقع المأزوم في اليمن والجنوب، والذي يهدد مصالح المنطقة، وخارطتها " الجيوستراتيجية "، وذلك انطلاقاً من نفس المنطلقات التي طالما راهنت عليها تلك الدول سابقاً، وفشلت فشلاً ذريعاً، بل ونتج عنها تفاقم الأوضاع وظهور حركات سياسية وتعقيدات أخرى قاسية، في المشهد السياسي اليمني الشمالي، او الجنوبي . ومع تلك التعقيدات الجديدة والأحداث المتسارعة في اليمن الشمالي، والتي قلبت الطاولة على جميع أولئك الذين ما برحوا يراهنون على وأد ثورة الشعب الجنوبي، النابعة من معاناة شعبية طويلة وكارثة حلت بالجنوب، بل وبالمنطقة العربية منذ توقيع عقد ما سميت " الوحدة اليمنية " بين دولتي الجنوب والشمال، والتي كانت خنجراً مسموماً زرع في خاصرة الجنوب والمنطقة لقيامها الهش والخاطئ وما تلاها من ممارسات ونكبات حلت بالجميع ابتداءً من ظهور " الارهاب " المدعوم من سلطات صنعاء، وتوالياً بغياب الأمن والاستقرار وتفاقم الأزمات وبروز أشكال جديدة من الصراعات الخطيرة التي تهدد الجميع . لعل الحديث اليوم، عن مبادرة جديدة لدول الخليج وحلفاءها، لمحاولة تفادي شأن الجنوب وثورته، هو حديث قد تأخر كثيراً عن حقيقة الواقع السياسي، الذي لا يمكن تجاوزه إلا بملامسة جوهر الأمور وحقيقتها، دون مداهنة ومراوغة، وذلك لتفادي مزيد من التعقيد في شأن الجنوب وقضيته السياسية، ودولته التي يطالب الشعب باستعادتها. لتلك المبادرة وتسريباتها التي تتحدث عن " فيدرالية " بين الجنوب والشمال، اذا ما صدقت المعلومات، آثارها السلبية ليس على مستوى الجنوب، بل حتى على مستوى الشمال، ومن شأنها ان تفاقم الأزمات أكثر مما نتج عن " المبادرة الخليجية الاولى" التي اعتقد الكثيرون أنها ستعالج وضع الشمال، فما كان ان تفجر الوضع أكثر وزادته تعقيداً حتى استكملت المليشيات والصراعات هناك، القضاء على ما كان موجودا ولو شكلياً من مسمى " الدولة اليمنية " . وما لم تكن أي مبادرة جديدة بشأن " اليمن والقضية الجنوبية " صريحة وواضحة، بإعطاء الحق لشعب الجنوب في استعادة دولته، او تقرير مصيره، عقب فترة انتقالية زمنية قصيرة، فلن تحقق أي نجاح، وقد تدخل اليمن في مرحلة أخرى من الصراع وتتحول الى " بؤرة صراع لا منتهي " يحمل في باطنه " صراع طائفي " ولكن بقناع " سياسي " سواء على بشكل " شمالي شمالي " أو " جنوبي شمالي " . لهذا ومن منطلق المسئولية التي تهم الجميع، يجب الإدراك، ان الحديث عن " دولة اتحادية يمنية " بأي شكل كانت، سواء " متعددة او ثنائية الأقاليم " قد تجاوزته المرحلة والأحداث والتغيرات، مثلما تجاوزت المرحلة السابقة لما سمي " الحوار اليمني " الحديث عن " معالجة أثار الوحدة اليمنية – او إصلاح مسارها " . ومن أجل كسب الوقت، وعدم التمادي، يجب العمل بالتوازي وفقا للمرحلة الراهنة، والجد في معاجلة القضية الجنوبية، التي غدت وبالاً، ولا تزال على اليمن والمنطقة، وقد تذهب مع بقاءها دون معاجلة حقيقة متمثلة باستعادة دولة الجنوب، الى مآلات كارثية جديدة لن تنحصر على حدود اليمن الشمالي، او الجنوب، بل يتجاوز الحدود نتيجة لتداخل المصالح والطرق والممرات الاقتصادية، وكذلك تداخل الشأن السياسي، الذي تظهر المؤشرات أنه سيدخل ضمن الصراع الاقليمي، وسينسحب الأمر منه لتتحول اليمن الى " سوريا او عراق " جديدة . والامر فقط يتوجب أن يكون التدخل السياسي الدولي عاجلاً لمحاصرة أي صراع طائفي بشكل سياسي، بين الجنوب والشمالي، وذلك عبر آلية سياسية تحقق استعادة دولة الجنوب، بعد فترة انتقالية يتم ترتيب الوضع الداخلي الجنوبي السياسي والهيكلي، وتحمل أي آثار وتداعيات تنتج عن استعادة دولة الجنوب، والذي سيكون أقل بكثير من تداعيات بقاء قضية الجنوب ودولته دون حل حقيقي وجذري .